مزارعون في المكسيك يسعون لإعادة الاعتبار إلى الفانيليا

انتشار الفانيليا الاصطناعية والتنافس في الإنتاج مع دولة مدغشقر الرائدة الحالية في سوق الفانيليا ساهم في انخفاض الإنتاج بالمكسيك.
الثلاثاء 2024/02/27
المكسيك أصل الفانيليا

بابانتلا (المكسيك) - لقد ولّت منذ فترة طويلة تلك الأيام التي كانت تقوم فيها البغال بسحب أكوام من قرون الفانيليا الخضراء إلى المدينة، حيث كانت توضع على حصائر منسوجة لتجف تحت أشعة الشمس، حين كانت تتعطر الشوارع قبل أن تتم تعبئة الفانيليا وبيعها في الخارج.

وتشير صحيفة “لوس أنجلس تايمز” الأميركية في تقرير لها، إلى أن المنتج العطري كان في يوم من الأيام مسيطرا على الحياة اليومية في هذه الزاوية من شرق المكسيك، المعروفة باسم “المدينة التي عطرت العالم”، حيث ساهمت في أن تصير المكسيك المورد الرئيسي للفانيليا في العالم قبل أكثر من قرن من الزمان.

وقد تغيرت الأسواق منذ فترة طويلة وصارت الفانيليا الاصطناعية هي المستخدمة عالميا في الوقت الحالي. ولكن في “بابانتلا”، وهي مدينة في ولاية فيراكروز المكسيكية، حيث لا تزال الفانيليا مرتبطة بقوة بهوية الأفراد، يسعى العلماء والطهاة والمزارعون بقوة لإعادة التأكيد على مكانتها.

والسؤال هو هل يمكن أن تزدهر نهضة الفانيليا بالمكسيك في النهاية؟

وفي هذه المدينة التي يعيش بها 160 ألف شخص، يقوم الحرفيون بصنع تماثيل صغيرة من سيقان الفانيليا ذات اللون البني الداكن اللامع. كما تقدم المطاعم أطباقا مضافة إليها الفانيليا. بالإضافة إلى أن هناك لوحة بارزة موجودة في أهم ساحة بالمدينة، تروي “أسطورة الفانيليا” والقصة وراء ظهور الفانيليا في الأصل من دماء أميرة جميلة من السكان الأصليين، كان الكهنة قد قاموا بقطع رأسها بسبب انخراطها في علاقة رومانسية.

المدينة التي عطرت العالم، ساهمت في أن تصير المكسيك المورد الرئيسي للفانيليا في العالم

ويقول لوسيو أولموس موراليس، وهو أحد الحرفيين المحليين والذي يعمل عادة على طاولة في شرفة منزله، حيث يقوم بنسج قرون الفانيليا وتحويلها إلى تيجان وخرز للمسبحة وزهور، “إذا كانت هناك أفكار سيئة تساور المرء، فإنها تختفي، وإذا كان غاضبا، فإن الغضب يختفي، لأن الرائحة يكون لها تأثير عال يبعث على الاسترخاء”.

واكتشف سكان “توتوناك” الأصليون، كروم الفانيليا التي كانت ذات يوم تنمو في هذه المنطقة الممطرة، وأطلقوا عليها اسم بساتين فاكهة الـ”زانات”، وكانوا يستخدمونها كعطر، حيث كانت النساء يقمن بتعطير شعورهن بالقرون، ولكن لا يوجد سجل لاستخدام سكان “توتوناك” للفانيليا في الطهي، بحسب تيم إيكوت، مؤلف كتاب “الفانيليا: رحلات للبحث عن أوركيد الآيس كريم”.

وفي وقت لاحق، تردد أن شعب الـ”أزتيك” استخدم الفانيليا لإضفاء نكهة على مشروب الشوكولاتة، الذي كان يتم تقديمه في كؤوس ذهبية للإمبراطور موكتيزوما.

وفي النهاية أخذ المستعمرون الإسبان الفانيليا المكسيكية إلى أوروبا، حيث كانت تستخدم من قبل الطبقة الأرستقراطية في صنع مشروب الشوكولاتة الساخنة. وكان يتم تلقيح الفانيليا بصورة طبيعية بواسطة النحل في المكسيك، وعندما حاول الأوروبيون زراعة النبات في بلادهم، نادرا ما كان يسفر عن إنتاج قرون الفانيليا.

ولكن في منتصف القرن التاسع عشر، اكتشف أحد العبيد في جزيرة ريونيون بالمحيط الهندي كيفية تلقيح الفانيليا يدويا بكفاءة. ومع اعتماد المزارع الفرنسية هناك بالإضافة إلى أماكن أخرى في المحيط الهندي لهذه التقنية، فقدت المكسيك مكانتها كمنتج رئيسي للفانيليا بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ومع ذلك، ظل إنتاج الفانيليا في “بابانتلا” مزدهرا في أواخر القرن التاسع عشر، بفضل حجم الشعبية التي كان يحظى بها الآيس كريم في الولايات المتحدة.

Thumbnail

وفي العقود التالية، ساهم انتشار الفانيليا الاصطناعية، والتنافس في الإنتاج مع دولة مدغشقر، الرائدة الحالية في سوق الفانيليا، في انخفاض إنتاج الفانيليا بالمكسيك.

ويقول إيميليو كوري، وهو مؤرخ ومدير لـ”مركز كاتز للدراسات المكسيكية” في جامعة شيكاغو، “لقد تحول سوق الفانيليا إلى منتج رخيص يتم إنتاجه بكميات كبيرة، وظلت المكسيك تنافس فيه لفترة من الوقت، ولكنها لم تستطع مواكبة ذلك”.

فيما تقول جوزفين لوتشهيد، الرئيسة التنفيذية لشركة “كوك فلافورينج” المتخصصة في إنتاج الفانيليا، والتي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها، والتي تشتري معظم كمياتها من الفانيليا من مدغشقر، إن دورات الازدهار والكساد في السوق اليوم أدت إلى تأرجح سعر الفانيليا المعالجة من نحو 300 دولار للرطل إلى 7 دولارات فقط.

جدير بالذكر أن المكسيك تعد ثالث أكبر دولة منتجة للفانيليا الطبيعية في العالم، فيما تحتل إندونيسيا المركز الثاني، بحسب البيانات الصادرة في عام 2022 عن منظمة الأغذية والزراعة. وقد تم بيع معظم كميات الفانيليا الخضراء التي أنتجتها المكسيك في عام 2022، والبالغ حجمها 515 طنا محليا، وفقا للحكومة المكسيكية.

ويرجع عدد من المؤرخين أصل الفانيليا إلى أميركا الوسطى وتحديدا إلى المكسيك، وكانت على مدار قرون من الزمن السر الحصري لسكان تلك المنطقة الأصليين، وبعد سقوط إمبراطورية الأزتيك على أيدي الإسبان، انتقلت حبوب الفانيليا إلى قارة أوروبا، لكن بقيت زراعة الفانيليا محصورة في المكسيك على مدار 300 عام لاحقة، ولم تزرع في غيرها من المناطق. وسبب ذلك ارتباط النبتة بنحلة ميليبونا الصغيرة المحلية، وهي الحشرة الوحيدة التي تطورت لتلقيح زهور أوركيد الفانيليا، وبعد ذلك انتشرت زراعة الفانيليا في جميع أنحاء العالم تقريبا، وتزرع في حدود 10 إلى 20 درجة من خط الاستواء، ومعظم حبوب الفانيليا المتوفرة في العالم هي من المكسيك وغواتيمالا وتاهيتي في جنوب المحيط الهادئ.

16