مريض كورونا في الهند يموت مرة وعمال المحارق يموتون مرات

محرقة غازيبور تعتبر واحدة من أكثر المحارق ازدحاما في دلهي حيث تستوعب ما بين 100 و150 جثة يوميا في ظل الانتشار الهائل لوباء كورونا.
الاثنين 2021/05/10
شقاء وحزم

وباء كورونا يغزو الهند وعدد الموتى يرتفع يوميا إلى مستويات قياسية، الأمر الذي صعّب مهمات العاملين في المحارق والمدافن في ظل غياب أساليب الوقاية. ولمساعدتهم على تجاوز شقائهم اليومي انطلقت مبادرة لجمع الأموال وتنظيم عمليات دفن الجثث وحرقها والتي تشكل خطرا على الأحياء.

مومباي (الهند)- تسبب فايروس كورونا في مقتل الآلاف من سكان الهند، ومن المؤسف أنّ المسؤولين عن دفنهم وحرقهم كل يوم لا يستطيعون مواكبة التعامل مع العدد الهائل من الجثث التي نتجت عن هذا الوباء.

قال عامل محارق الجثث رام كاران ميشرا، 30 عاما، “مقابل كل جثة، أقوم بأداء طقوسها الأخيرة، هناك أكثر من عشر جثث أخرى تنتظر. لا يوجد تباعد اجتماعي، ولا مطهرات. إنه وضع حرج هنا”.

ويصل أجر ميشرا إلى 400 روبية (5.43 دولار) في اليوم، وهو أجر ضئيل مقارنة بالمخاطر التي يواجهها أثناء العمل على مدار الساعة لأداء طقوس التعامل مع الموتى.

إن كل هذه المهام مرهقة. والكثير منها يهدد بالإصابة بالعدوى. لذلك انطلقت مبادرة تمويل جماعي مبتكرة في العاصمة الهندية للمساعدة في جعل هذه الوظيفة المرهقة محتملة نوعا ما.

وقد وضعت المستشارة الإدارية نانديني غوش الخطة منذ أسبوع، واعتُمدت مباشرة. وتعتبر الطرود الغذائية لهذه المبادرة مجرد بداية، مع السرعة الفائقة التي يدمر بها فايروس كورونا البلاد.

وأعلنت وزارة الصحة الهندية الأحد تسجيل 403 آلاف و738 حالة إصابة جديدة بفايروس كورونا خلال الـ24 ساعة الماضية مما يعني استمرار تدهور الوضع بالنسبة للوباء.

وبذلك يبلغ إجمالي الإصابة بالفايروس 22 مليون و296 ألفا و414 حالة. ويعد يوم الأحد هو رابع يوم على التوالي تتجاوز فيه حالات الإصابة اليومية بالفايروس 400 ألف حالة.

وقالت منظمة الصحة العالمية، في تقريرها الأسبوعي الوبائي، للاسبوع الماضي، إن الهند سجّلت لوحدها 46 في المئة من الإصابات الجديدة و25 في المئة من الوفيات المبلغ عنها في العالم خلال الأسبوع الماضي.

وما بدأ كمبادرة متواضعة لتوزيع الطعام على 100 عامل في مقبرة واحدة، تحوّل إلى مشروع رائع جمع 1.5 مليون روبية (20364.11 دولار) في 48 ساعة.

وفي أقل من أسبوع تمكنت غوش (30 عاما) التي لم يكن لها أي خبرة في التمويل الجماعي، من تنظيم فرق مخصصة تدير الخدمات اللوجستية والعمليات وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تمكنت هذه الفرق من التواصل مع العمال في ثماني محارق ومقابر.

وقالت غوش، “من الواضح أن المحارق مهترئة، فهي شديدة الحرارة، ومن الصعب حقا على أي شخص مواجهة تلك الظروف طوال اليوم. هناك الكثير مما لا نراه”.

في ظل الحرارة الشديدة، يقف ميشرا بجوار ألسنة اللهب في محرقة غازيبور الموجودة في قلب دلهي التي دمرها فايروس كورونا، وهو يردد صلوات يُعتقد أنها تحرر الأرواح من بعض الجثث بين أكثر من 230 ألف متوفّى بسبب الوباء في الهند. ويعتبر ميشرا نموذجا في هذه المهنة.

مثل الآلاف من رجال محارق الجثث والمقابر (وهو عمل لا تقوم به النساء أبدا)، يقوم ميشرا بأداء الطقوس الأخيرة، بينما يعمل آخرون على ترتيب المحارق أو جمع الرماد، وقد امتد العمل لأسابيع دون توقف تقريبا.

وأظهرت بيانات حكومية أن الإصابات في تزايد متسارع، مما سينتج عنه المزيد من الجثث ليتولّى ميشرا حرقها.

وإذا لم يتولّ ميشرا هذا الأمر، فلن يفعل ذلك أحد، يقول، “عملنا هذا هو واجبنا تجاه المجتمع. بلدنا يمر بأزمة كبيرة. إذا لم نفعل ذلك، فمن سيفعل”؟

وتعتبر محرقة غازيبور، واحدة من أكثر المحارق ازدحاما في دلهي، تستوعب الآن ما بين 100 و150 جثة يوميًا، وهو ما يمثل ارتفاعا عما كان عليه الوضع قبل الوباء بحوالي ثماني جثث في اليوم.

نظرا لأن الهنود من كل فئة يسعون للحصول على الأكسجين وأجهزة التهوية والأسرة لمرضاهم، فإن دعم الحفارين هو إيماءة نادرة للآلاف من العمال من الطبقات الدنيا الذين يشعرون بأنهم محاصرون ويتم تجاهلهم.

وقال ميشرا قبل أن يهرع لأداء المزيد من الطقوس الأخيرة، “لقد أرسلت عائلتي إلى قريتنا. أنا أعيش هنا الآن. ليس هناك وقت. عندما جاء الطعام أمس، كان ذلك مصدر ارتياح لنا”.

يأتي معظم عمال محارق الجثث من المجتمعات المهمّشة في الهند وغالبًا ما يرثون وظيفة لا يريدها أحد. وقال ناشطون، إن الهنود يعتمدون عليهم، لكن القليل منهم يقدرهم أو يفهم المخاطر التي أصبحت روتينية الآن.

من جانبه قال إم. شانكار، منسق الدولة في أمبيدكار داليت سانغارشا ساميتي، وهي منظمة غير ربحية تعمل لصالح مجتمع الداليت المهمش في جنوب مدينة بنغالور “لا يتم الاعتناء بهم. ليس لديهم أمن وظيفي أو ضمان اجتماعي. إنهم غير مرئيين للعالم”.

وأضاف، “ليس لديهم التقدير الكافي على الرغم من عملهم في الوباء. لم أر مبادرة واحدة لرفاههم. لولاهم، من سيقوم بهذا العمل”؟

غوش هي المنقذة غير المنتظرة للحفارين، إنها أول تجربة لها في التمويل الجماعي وهي تتعلم في الوظيفة. في غضون أيام، أدت المساعدات الغذائية إلى نداءات جديدة للمطهرات ومياه الشرب ومبردات المياه.

كانت غوش قلقة بشأن ندرة المطهرات للمقاعد حيث يجلس الناس وتُكدّس الجثث، ويمكنها الآن بفضل المساعدات من شرائها كلها من الأموال التي جمعتها.

يأتي معظم عمال محارق الجثث من المجتمعات المهمّشة في الهند وغالبًا ما يرثون وظيفة لا يريدها أحد

وسجلت منصة التمويل الجماعي ميلاب (التي تستضيف مبادرة غوش) تبرعات بقيمة 1.45 مليار روبية (19.66 مليون دولار) من حوالي 400 ألف شخص، لحملات مجموعات الحصص التموينية ومعدات الحماية الشخصية وأجهزة التهوية والوجبات المطبوخة.

وقد انضمت إليها حملات أخرى لا حصر لها على منصات التمويل الجماعي الهندية، حيث تم التعهد بالمال والطعام.

وسجلت منصة “امنح الهند” تبرعات لفايروس كورونا بقيمة 2.76 مليار روبية.

ويقول الموقع الذي اختارته غوش، إن حملة إغاثة جديدة من فايروس كورونا يتم إطلاقها كل 20 دقيقة على منصتها، مع زيادة بنسبة 65 في المئة في زيارات صفحات الويب خلال موجة الوباء الثانية المميتة.

وقال ميوخ تشودري، الرئيس التنفيذي لميلاب “ينشر هذا رسالة أمل بأن الناس على استعداد لمساعدة بعضهم البعض في مثل هذه الأوضاع غير المسبوقة”. 

20