مركز فنون مصري ينسج اللوحات الفنية منذ سبعين عاما

حوّل المهندس المعماري المصري حرفة السجاد إلى فن يعج بالأحاسيس في قرية الحرانية في محافظة الجيزة، من خلال تكوين أطفال يطلقون العنان لخيالهم في صناعة سجادهم، كبروا اليوم وخلفوا أولادهم في فن مهدد بالانقراض.
القاهرة – بدأت نجلاء رضوان (51 عاما) رحلتها في أروقة مركز رمسيس ويصا واصف للفنون في قرية الحرانية بمحافظة الجيزة المصرية منذ نعومة أظافرها، فقد كانت والدتها ضمن فنانات يغزلن لوحات السجاد اليدوي بالمركز.
ومنذ الصغر كانت نجلاء تعتبر المركز بمثابة منزلها الثاني، وتقول “والدتي وزميلاتها كن كلهن يأتين للعمل ومعهن أطفالهن”، حيث كانوا بإمكانهم اللعب بالحديقة أو بالسدو على أنوال صغيرة إذا أحبوا المنسوجات اليدوية. وتضيف “كان لنا هناك مطلق الحرية كأنه بيت جدنا”.
واتبعت نجلاء خطى والدتها وتعلمت فن غزل السجاد اليدوي وأصبحت فنانة تنتج لوحات فريدة منذ ما يقرب من 40 عاما.
وتبدأ قصة مركز الفنون مع عودة المعماري الراحل رمسيس ويصا واصف، الذي توفي عام 1974، إلى القاهرة بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة بباريس. وانبهر واصف بالحرف اليدوية المنتشرة في مصر آنذاك وتمنى أن يطورها.
تقول ابنته سوزان واصف (73 عاما) إن مع دخول الميكنة انتاب واصف القلق من اندثار تلك الحرف، وحينما حاول التقرب من بعض الحرفيين الذين استمروا في مجالاتهم ليشجعهم على “إضافة حياة” لأعمالهم وجدهم “متجمدين”، بحسب وصفها. وأضافت سوزان “وجدهم ينقلون هذا الإبداع من دون أي إحساس، وهذا ما دفعه إلى مخاطبة الأطفال”.
في عام 1942 تعلم واصف الغزل على النول، وتقول سوزان “كان يبحث عن حرفة تتحدى خيال الطفل وتجعله يبدع فيها، فكان النسيج مناسبا لأنه يعطي فرصة للطفل كي تنضج أفكاره مع عمله وفي نفس الوقت تتوحد الروح مع حركة الجسم”.
أسس واصف مركزا في قرية الحرانية، ووجد إقبالا من أطفال القرية على مساعدته في البناء، وفضولا تجاه سبب وجوده في قريتهم.
27
فنانا يعملون حاليا بالمركز الذي تم إنشاءه قبل 71 عاما
ونما بينه وبين مجموعة مكونة من 15 طفلا، تراوحت أعمارهم بين 8 و11 عاما، نوع من الصداقة ودعاهم فور انتهائه من بناء المركز وشرائه للأنوال إلى الانضمام إليه لتعلم النسيج.
تقول سوزان “رمسيس ويصا واصف كان يحلم بمساعدة أناس محرومين من التعليم العادي، كان يحلم بأن يعيشوا حياة كريمة من خلال فنهم وطاقتهم الشخصية، وتحقق هذا على مدى سنين طويلة”.
ومن ضمن هؤلاء الأطفال، كانت لطفية محمد التي انضمت إلى الجيل الأول من الفنانين وهي في السابعة من عمرها، وتعلمت الفن على يد المعماري الراحل.
وتبلغ لطفية الآن من العمر 68 عاما، وهي أكبر النساء بالمركز عمرا وأقدمهن عملا هناك.
تسترجع لطفية ذكرياتها مع المعماري الراحل وتصفه بأنه شخص بشوش ومحب “كان يدخل علينا بتحية مع ابتسامة مشرقة، ويمدح كل عمل ننجزه”.
وعلى مدار الأعوام اعتمدت لطفية على الطبيعة من أجل أفكار لوحاتها، وذلك من خلال التنزه في حديقة المركز مع سوزان بحثا عن الإلهام بين النباتات والزهور والطيور، وتقول لطفية “نتمشى في الحديقة، نشاهد الأزهار والمناظر الطبيعية، ينشغل عقلي إلى أن أجد ما أريد”.
ويعمل بالمركز حاليا ما يقرب من 27 فنانا، وتعتقد سوزان أن منذ إنشاء المركز قبل 71 عاما، تم تعليم أكثر من 100 فنان إنتاج المنسوجات اليدوية.
أما عن أنواع المنسوجات، فأوضحت سوزان أنهم يعتمدون في اللوحات الكبيرة على نسيج الصوف، الذي يتم تنفيذه على أنوال رأسية، أما نسيج القطن فيتم تنفيذه على أنوال أفقية. كما ينتجون نوعا آخر من الفن وهو فن الباتيك أو الرسم على الأقمشة بالشمع، والذي تشرف عليه الأخت الأصغر لسوزان.
وبحسب ما أوضحت سوزان، يتقاضى كل فنان ثلث قيمة العمل الذي أنتجه، موضحة أن الأجر يزيد مع نمو المستوى الفني، وأكدت أنها لا يعنيها عمر الفنان.
وفور انتهاء العمل الفني يتم تقييمه ماديا ويتقاضى الفنان أجره من قبل بيع القطعة، وتفسر سوزان هذا القرار قائلة “حتى لا يصبح الفنان عبدا لذوق المشتري”.
وأضافت “ظروف الحياة التي ساهمت في نجاح الجيلين السابقين تغيرت، نحن اليوم محاطون بالعشوائيات ومبان قاتلة، في ما مضى كانت الحياة جميلة وعفوية وريفية غنية بالطبيعة وجمالها، لكن اليوم تلاشى كل ذلك”.

