مركزية حل المشكلات تقلل جدوى تغيير الحكومة المصرية

مئات الآلاف من المصريين يشتكون ضعف أداء عدة وزارات إلى رئاسة الحكومة.
الخميس 2024/01/25
لا تصورات حكومية لمعالجة البيروقراطية

القاهرة - عكست أرقام صدرت عن مجلس الوزراء المصري بشأن شكوى المواطنين من البيروقراطية وضعف أداء بعض الوزارات، خيبة أمل في إمكانية تعديل أوضاع المؤسسات العمومية إلى الأفضل مع التغيير المتوقع للحكومة الحالية، لأن الأزمة الحقيقية تتمثل في منهج إدارة الجهاز الحكومي وتجاوبه مع مطالب وحقوق وشكاوى الناس.

وتلقت الحكومة المصرية مليونا وخمسمئة ألف شكوى واستغاثة من مواطنين وأسر العام الماضي، ضد وزارات مختلفة، في اعتراف واضح بإخفاق مؤسسات الدولة في ترضية المواطنين بشكل دفعهم إلى اللجوء إلى رئاسة الحكومة.

ولم يعرب رئيس الحكومة مصطفى مدبولي عن امتعاضه من ضعف أداء المسؤولين والمؤسسات، وصوّر ارتفاع معدل شكاوى المواطنين بأنهم “يثقون في تحقيق التواصل المجتمعي الفعال معهم للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لهم، وضمان وصول عوائد الخطط التنموية إلى جميع الشرائح المستهدفة”.

ويعكس لجوء مئات الآلاف من المصريين إلى رئاسة الحكومة للشكوى من سوء وضعف أداء الوزارات حجم الامتعاض واليأس والإحباط من الأداء الحكومي ومعالجة سلبيات تضرب الجهاز الإداري وتدفع المواطنين إلى تصعيد الشكوى إلى رأس الحكومة.

عبدالحميد زيد: غياب المحاسبة يكرس الإهمال داخل المؤسسات المصرية
عبدالحميد زيد: غياب المحاسبة يكرس الإهمال داخل المؤسسات المصرية

وحصل شوقي إسماعيل على حقه في إدراج أسرته ضمن الفئات المستفيدة من صرف معاش “تكافل وكرامة” بعد أشهر من لجوئه إلى منظومة الشكاوى الحكومية بسبب تعنت مسؤولين محليين تابعين لوزارة التضامن الاجتماعي، وحصل على هذا الحق بعد أن نصحه أحد المحامين بالشكوى لرئيس الحكومة مباشرة لتسريع الإجراءات.

وقال إسماعيل لـ”العرب” إن الناس لا يتحملون سلبية التعامل معهم داخل المؤسسات الحكومية، فالكثير لهم حقوق ولا يحصلون عليها إلا بتقديم شكاوى لجهات عليا، معقبا “كل من أصبح يبحث عن حقه ينفق الكثير من المال، ويتعرض لمضايقات عدة، وليس مطلوبا من المصريين أن يصلوا إلى الرئيس أو رئيس الحكومة كي تتم ترضيتهم”.

ويعيش مصريون حالة من الغضب لسوء الأوضاع المعيشية على وقع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، في حين لا تتدخل الحكومة لتحسين أداء الوزارات، على الرغم من الشكاوى المتكررة من الروتين والبطء في تلبية مطالب الناس.

وتمتلك الحكومة منظومة شكاوى موحدة تابعة لرئاستها، تؤكد الأرقام المعلنة مؤخرا مستوى الترهل الإداري بما أثر على صورتها في الشارع، وضاعف الحواجز النفسية بين السلطة التنفيذية والمواطنين لعجزهم عن الحصول على حقوقهم بسهولة.

ويرى مراقبون أن وصول شكاوى المصريين إلى نحو مليون ونصف المليون شكوى في عام واحد، لا يعبر عن ثقة الشارع في قدرة الحكومة على التجاوب، بقدر ما يعني أن هذه الأرقام مثيرة للإحباط، وقد تتضاعف لاحقا إذا استمر الحال على ما هو عليه.

ويعاني الجهاز الإداري في مصر من ارتباك في التعامل مع حقوق المواطنين، في حين ترى الحكومة أن الحل يكمن في اللجوء إليها لتلبية مطالب الشارع، وتعتبر أن ذلك إنجاز يُحسب لها، مع أن المركزية في محو السلبيات المتراكمة تضع على السلطة أعباء في التقارب مع الشارع.

وتعترف دوائر حكومية بوجود خلل داخل مؤسسات عمومية وبطء في التجاوب مع تطلعات الناس وتعطيل مشروعات مهمة، وتعامل المسؤولين مع الجمهور بروتين قاتل، ما دفع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى الاعتماد على الجهات الرقابية والأمنية لتدريب وتأهيل المتقدمين للوظائف عقب يأسه من تحسن أداء الموظفين.

وقال عبدالحميد زيد أستاذ علم الاجتماع السياسي إن تجاوب الحكومة مع شكاوى الناس خطوة جيدة، لكن عدم وجود محاسبة للمسؤولين المتخاذلين يكرس الإهمال داخل مؤسسات حيوية، ولا يجب أن يظل رأس السلطة التنفيذية (الحكومة) المنقذ في كل مشكلة، وعليه التدخل لإنهاء هذه الأزمة، فالتقصير يمحو الإيجابيات.

وأشار لـ”العرب” إلى ضرورة تغيير المنهج أو “السيستم” الإداري لجلب رضاء المواطنين، فعدم وجود أدوات ردع يعني استمرار السخط من الأداء العام في ظل ضغوط المعيشية المتزايدة، وقد تجد الحكومة نفسها تواجه صعوبة بالغة في إحساس الناس بأي تغيير للأفضل، مهما قامت بخطوات مهمة.

النظام المصري يتخوف من استمرار المؤسسات العمومية على نفس الوتيرة من العشوائية، في حين تعاني الدولة من تحديات ضخمة

ويتخوف النظام المصري من استمرار المؤسسات العمومية على نفس الوتيرة من العشوائية، في حين تعاني الدولة من تحديات ضخمة، ويعاني البعض من المواطنين من تدني ظروفهم المعيشية، وبالتالي فأي خطاب يستهدف إقناع الناس بالتغيير لن يصدق، طالما استمر أداء المؤسسات مخيبا للآمال.

وتجاهد الحكومة لترميم العلاقة مع الشارع لتخفيف احتقان مكتوم، وتسعى لتحقيق قفزات، لكنها لا تستطيع التقدم إلى الأمام بسبب اختزالها الأزمات المتراكمة في الظروف الاقتصادية والاجتماعية المعقدة، رغم أن المعضلة الأكبر تكمن في سلوك شخصيات مكلفة بإدارة مؤسسات حيوية تتعلق بصميم حياة ومصالح الناس.

وتتحمل الحكومة جزءا كبيرا من مسؤولية تهاوي صورتها في الشارع، لأنها تصر على تعطيل إجراء انتخابات المحليات بشكل يرفع عنها عبء مراقبة أداء المؤسسات التنفيذية في مختلف أحياء الجمهورية، فمصر لا توجد بها مجالس محلية منتخبة منذ عام 2011، أي أنها تفتقد 47 ألف قيادة مهمتها المراقبة والمحاسبة منذ ذلك الوقت.

ويُضاف إلى ذلك، أن الحكومة وهي تكشف عن معدل شكاوى المواطنين لم تعلن محاسبة مسؤول تسبب في تعطيل مصالحهم أو جاءت ضده شكاوى، وتعاملت مع الاستجابة للمطالب وتسريع الإجراءات كإنجاز يُحسب لها، مع أن عدم تعقيد مصالح الناس في هذه الأجواء السياسية والتحديات الخارجية مسألة بديهية.

وتوعد رئيس الحكومة من قبل بمحاسبة أي مسؤول متهم بالتقصير والتخاذل في تلبية مطالب الناس، لكن تهديداته لم تثمر نتائج على مستوى التعامل بجدية مع المواطنين، واستمرت الشكاوى تنهال ضد غالبية الوزارات، في حين أن الكثير من المطالب التي تُرفع إلى مجلس الوزراء لا تحتاج إلى معجزات لتحقيقها.

2