مراكش مسرحا لحوار بين الموضة والتراث في أسبوع القفطان

استلهمت الدورة الخامسة والعشرين من "أسبوع القفطان" تصورها الفني من عمق الصحراء المغربية، وجماليتها ومرويات سكانها، وتميزت بإرادة قوية لتثمين مهن الجنوب المغربي، وتسليط الضوء على كنوز غالبا ما يجهلها عموم الناس.
مراكش (المغرب) – احتضنت مدينة مراكش المغربية فعاليات “أسبوع القفطان”، الذي يخلد خمسة وعشرين عاما من الإبداع، وصون الموروث، ونقل المهارات الحرفية عبر الأجيال، تحت شعار “قفطان، إرث بثوب الصحراء”، بمشاركة 14 مصمما بارزا وعشاق الموضة، مكرسا بذلك المملكة كمرجع عالمي للقفطان.
ويعد الحدث من أبرز التظاهرات الوطنية والدولية للاحتفاء بالقفطان المغربي، كرمز للأصالة والهوية الثقافية، مبرهنا كل عام على قدرته على تجديد روحه والانفتاح على العصر، دون التفريط في جوهره التراثي العريق. ويواصل ترسيخ مكانته كأحد أبرز التظاهرات التي تعنى بالزي التقليدي المغربي.
وجسدت هذه الدورة أكثر من مجرد احتفال رمزي، إذ استلهمت تصورها الفني من عمق الصحراء المغربية، ومن طبيعتها اللامتناهية، وجمالية موادها الخام، ومرويات سكانها، باعتبار الصحراء لا تكتفي بالإلهام، بل تتجسد في النسج، وفي الألوان، والأضواء، وفي التصاميم، حيث تتحول الكثبان الرملية إلى طيات، وتتحول النجوم إلى زخارف، بينما يروي كل خيط قصة.
واستهلت فعاليات هذه الدورة بافتتاح معرض “حِرف الصحراء”، الذي مثل فرصة للغوص في تفاصيل وفنون الصنعة التقليدية في الأقاليم الصحراوية، من البخور إلى التطريز، ومن الحلي إلى الجلود، إذ تعد كل قطعة بمثابة تكريم لكل حرفي استثنائي، حامل لمهارات نادرة وذاكرة حية.
واستمر المعرض في استقبال الزوار إلى غاية الحادي عشر من مايو الجاري، في فضاء لاكتشاف الجذور الراسخة للإبداع المغربي المعاصر.
وأكدت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني فاطمة الزهراء عمور أن “المغرب يعد اليوم مرجعا عالميا للقفطان، باعتباره تراثا حيا يساهم في الإشعاع الثقافي للمملكة على الصعيد الدولي.”
وأشادت بالصناع التقليديين المغاربة الذين يعملون من دون كلل من أجل تصميم قطع بجمال نادر، محافظين على استمرارية التقاليد العريقة مع تجديدها.
من جانبها، أشارت مديرة مجلة “نساء المغرب” إشراق مبسط إلى أن هذه الدورة الاحتفالية “تميزت بإرادة قوية لتثمين مهن الجنوب المغربي، وتسليط الضوء على كنوز غالبا ما يجهلها عموم الناس.”
وأشادت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بـ”تنوع الإبداعات المعروضة والتزام المصممين بنقل هذا الإرث الثمين، عبر حوار راسخ بين التقليد والابتكار.”
بدورها، أكدت زينب التيموري، عضو اللجنة المنظمة لأسبوع القفطان، أن هذه الدورة تُعد استثنائية نظرا لإقامتها في قصر البديع، الذي يتناغم مع تيمة هذا العام تحت شعار “الإرث بثوب الصحراء”، في إشارة إلى أهمية حماية التراث المغربي. وأضافت أن “التغييرات تميز كل دورة عن سابقتها، وفي هذه الدورة اخترنا 14 مصمما، منهم من سيصعد إلى المنصة لأول مرة، بالإضافة إلى الموهبة الفائزة في الدورة السابقة.”
الأمسية لم تقتصر على عروض الأزياء، بل شملت أيضا لحظات موسيقية مغربية أضفت بعدا فنيا على الأجواء، وجعلت من هذا اللقاء مناسبة للاحتفاء بالفن بمختلف أشكاله
وشمل برنامج الدورة معارض، وورش عمل، وجلسات تكوينية، وعروض أزياء، إذ يكرس “أسبوع القفطان 2025” مكانته كمنصة مرجعية لتكريم الأناقة المغربية والتنوع الملهم الذي تزخر به أقاليم المملكة، وكانت مدينة مراكش مسرحا لحوار بين الموضة والتراث، وبين الحرفية التقليدية وعبق الصحراء.
وقد كان عرض الأزياء الرئيسي، الذي شكل قلب الأمسية، مناسبة لاستعراض تصاميم مزجت ببراعة بين روح الصحراء المغربية وأناقة القفطان التقليدي، ما منح القطع المعروضة بعدا فنيا متجددا يعكس ثراء التراث الوطني وتنوعه الجغرافي والثقافي.
وتميز عرض الأزياء الختامي بمشاهد ساحرة، حيث تعاقبت على المنصة عارضات يرتدين قطعا فريدة جمعت بين الحداثة والتقاليد الصحراوية، شاهدة على المهارة الثمينة للحرفيين المغاربة وإبداع المصممين الذين استمدوا إلهامهم من تراث الصحراء المغربية.
والسجادة التي فرشت أمام البهو الكبير للقصر تحولت إلى مسرح آخر للأناقة، حيث تألقت نجمات الشاشة المغربية ومؤثرات معروفات في مجال الموضة، بقفاطين فاخرة تزينها لمسات فنية دقيقة وألوان تنبض بالحياة.
ولم تقتصر الأمسية على عروض الأزياء، بل شملت أيضا لحظات موسيقية مغربية أضفت بعدا فنيا على الأجواء، وجعلت من هذا اللقاء مناسبة للاحتفاء بالفن بمختلف أشكاله.
ومنذ إطلاقها سنة 1996، أضحت تظاهرة “أسبوع القفطان”، واجهة دولية للقفطان المغربي، واحتفاء بالأناقة والهوية والعبقرية الحرفية، خدمة لتراث في تجدد مستمر.