مراكش تطهو مجد التذوق

طبق الطنجية يُعد الأكثر مبيعا، وهو طبق تقليدي سُمي على اسم وعاء الطهي الخزفي "الطنجية" المصنوع من التيراكوتا.
الثلاثاء 2025/05/27
ساحة بطعم التاريخ

تألقت مدينة مراكش على الساحة العالمية بعد تصنيفها ضمن أبرز وجهات الطهي في العالم لعام 2025، وفق تقرير حديث صادر عن معهد "ماستركارد" للاقتصاد. ويأتي هذا التتويج ليعكس غنى المطبخ المراكشي وتراثه العريق الذي يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

مراكس (المغرب)  - صُنّفت مدينة مراكش المغربية ضمن أبرز الوجهات العالمية في مجال تجارب الطهي لعام 2025، بحسب تقرير صادر عن معهد “ماستركارد” للاقتصاد، لتقف جنبا إلى جنب مع مدن مرموقة مثل إسطنبول، الدوحة، دبي، وكيب تاون.

وأشار التقرير إلى أن تنوّع وغنى المطبخ المغربي، وخاصة في مراكش، أصبح عنصرا محوريا في جاذبية المدينة للسياح من مختلف أنحاء العالم. كما أكد أن “التجربة الغذائية” باتت عاملا حاسما في قرارات السفر، لاسيما في منطقتي أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يُعد المطبخ مرآة للهوية الثقافية ومصدرا رئيسيا للتميّز السياحي.

وقد خلّف هذا الاعتراف الدولي ارتياحا واسعا لدى الفاعلين المحليين في “المدينة الحمراء”، خصوصا أصحاب المطاعم والأكشاك في ساحة جامع الفنا، القلب النابض للمأكولات الشعبية في المدينة.

وتشهد الساحة الشهيرة إقبالا كبيرا من الزوار المحليين والأجانب، وتُعرف بأكشاك طعام الشارع، حيث يُعد أكثر من 60 بائعا، يحضّرون أطباقا تقليدية مثل رؤوس الأغنام ولحم البقر المطهو في قدور كبيرة.

يقول أماني سعيد، مالك أحد المطاعم في الساحة “نذهب في الصباح إلى المسلخ، نشتري كل ما نحتاجه ونبدأ بطهي الأطباق، خاصة الطنجية، التي نضعها بعد الطهي في أوان خزفية للحفاظ على حرارتها. سرّنا في الطعام هو النظافة والطهي الجيد والبهارات المميزة.”

pp

ويُعد طبق الطنجية الأكثر مبيعا، وهو طبق تقليدي سُمي على اسم وعاء الطهي الخزفي “الطنجية” المصنوع من التيراكوتا.

عادةً ما تُحضّر الطنجية من لحم البقر والليمون المُملح والثوم والزعفران والكمون وزيت الزيتون، ثم توضع في القدر وتُطهى ببطء في رماد فرن الحطب، ليُقدَّم بعدها الطبق مع الخبز المنزلي والزيتون والخضراوات.

ويؤكد حسن زرولي، صاحب أحد أكشاك الطعام، أن “الطنجية هي التخصص المراكشي الأبرز، لكن الساحة تقدم أيضا أطباقا متنوعة مثل رؤوس البقر والأغنام، والمأكولات الشعبية الأخرى التي تشتهر بها.”

ولا تقتصر العروض في الساحة على الطعام فقط، إذ تنتشر أكشاك العصائر التي تقدم خيارات متنوعة. يقول بائع العصائر عبدالصمد غموم “كنا نقدم عصير البرتقال فقط، والآن أصبحت لدينا عصائر فواكه متنوعة مثل الأناناس وغيرها. الناس يعطشون أثناء التجوال، فيتوجهون إلينا.”

وتقدم الأكشاك وجبات خفيفة أخرى مثل الحلزون، المفضل لدى الزائر عقيل القادم من فرنسا، بينما تنشط الحركة في الليل حيث تُضاء الأكشاك وتتحضر لتقديم وجبات العشاء.

وتقول كارولين، سائحة من المملكة المتحدة، “أستمتع بالمأكولات المغربية بقدر استمتاعي بالمشاهد، وأفضل طبق الطاجين الشهير.”

ويُلبي طعام الشارع في مراكش جميع الأذواق والميزانيات، إذ تقدم المطاعم أطباقا مثل الطاجين، الكسكسي، السمك المشوي والمقلي، بأسعار تتراوح من 2 إلى 25 يورو، ما يجعل الساحة عنصر جذب رئيسيا للسياح.

pp

ويقول سعيد، مروض الأفاعي الذي يستعرض مهاراته بمزماره التقليدي في عروض فلكلورية، “كأنني أتنفس من جديد. يا لها من سعادة العودة إلى الساحة بعد شهور كورونا القاسية!” ثم يواصل رقصته مع الأفعى على أنغام “الغيطة”، الموسيقى الشعبية في المغرب العربي.

وعبّرت مغتربة مغربية عن فرحتها بزيارة ساحة جامع الفنا، حيث رأت الزوار من داخل وخارج المغرب يتجولون ويستمتعون بالأجواء، مبدية سعادتها بعودة الحلقات والعروض التي تضفي طابعا تراثيا وثقافيا فريدا على الساحة.

وتحمل ساحة جامع الفنا رمزية كبيرة في الثقافة المغربية والعالمية، إذ ألهمت كبار الكُتّاب مثل خوان غويتيسولو، وشكلت مصدر إلهام للشعراء والفنانين المسرحيين والموسيقيين، مما جعل اليونسكو تصنفها تراثا شفويا للإنسانية. ويصف مؤرخون مغاربة الساحة بأنها “أكبر خشبة مسرح في الهواء الطلق”، حيث يُبدع المؤدّون حكاياتهم بعفوية، ويجذبون الجمهور بأسلوب بسيط ومباشر.

وأشار التقرير إلى أن مدنا مثل إسطنبول استقبلت سياحا من أكثر من 67 دولة خلال عام 2024 لتجارب الطهي، فيما برزت مراكش بفضل أطباقها الغنية بالنكهات وتراثها الثقافي الذي يربط تجربة الطعام بروح المكان.

كما سلّط التقرير الضوء على عوامل جذب أخرى تؤثر في توجهات السياح عالميا، مثل السياحة البيئية، الرعاية الصحية، وتنظيم الفعاليات الرياضية الكبرى، والتي تسهم جميعها في زيادة الإنفاق السياحي. وبين تصنيف دولي مشرف وتفاعل محلي إيجابي، تؤكد مراكش مجددا أنها ليست فقط مدينة السحر والضوء، بل أيضا عاصمة النكهة والتجربة الغذائية، التي تُرسّخ الهوية المغربية بعمق على خارطة السياحة العالمية.

pp

18