مراكش تحتفي بالنسيج والسجاد في متحف "دار السي سعيد"

مراكش – يعد المتحف الوطني “دار السي سعيد” ذو الصيت العالمي، مكانا مرموقا يتصل اسمه بحاضرة مراكش، ويهب لزواره فرصة اكتشاف خبرة تمتد لتاريخ تليد وتتعلق بالنسيج والسجاد (الزرابي).
ويحتل هذا المتحف الذي يعتبر نموذجا للفن المعماري المغربي الأندلسي الجميل، مكانة هامة في الأمكنة التي يتعين زيارتها في إطار المسارات السياحية الجماعية أو الفردية، ويأتي ليثري المدينة الحمراء كوجهة للسياحة الثقافية أيضا.
وتنبع العناية وضرورة النهوض بهذا الفن العريق الذي يتعلق بنسج السجاد واكتشافه، من كونه يشكل إحدى المكونات الأساسية للتراث الثقافي المادي، خطته باقتدار أنامل الصناع التقليديين المغاربة وطورته عبر التاريخ.
كما أن مرد أهمية نسج السجاد عموما هو حضورها في مختلف مناحي الحياة اليومية للأسرة المغربية.
ويصنف السجاد المغربي إلى نوعين، سجاد الحضر وسجاد الريف، فسجاد الحضر، يصنعه سكان المدن، وهو كثيف النسيج وعادة ما يتضمن أشكال الزهور، وتتركز صناعته في المدن الكبرى.
ويعرف السجاد المغربي بانحناءاته وأشكاله الهندسية، وتتنوع الألوان المستعملة فيه من منطقه لأخرى بين الأزرق والأحمر والأصفر والأخضر. أما السجاد الأمازيغي فيعتبر لوحات فنية تنسج عليها حكايا وقصص شعبية من تاريخ المغرب.
ووعيا منها بأهمية الزربية في الحياة اليومية للمغاربة وضرورة صونها والحفاظ عليها، لكون كل فن وكل خبرة متفردين يتطلبان مهارات ولمسة فنية معتبرة، قررت المؤسسة المغربية للمتاحف تحويل متحف “دار السي سعيد”، الذي تم إحداثه في ثلاثينات القرن الماضي، إلى فضاء ثقافي موجه أساسا للزربية ولفن النسيج الحضاري.
وتعرض في هذه المنشأة التي تتوسط المدينة العتيقة لمراكش، سجادا يمثل كل جهات المملكة، لغاية إبراز مواهب الناسجات والناسجين، وتسليط الضوء على هذا الجانب المضيء من حياة الصناع التقليديين الذي آنسوا في أنفسهم الاقتدار على إبقاء هذا الفن وعملوا على تأبيده.
وتتناغم تيمة نسيج السجاد تمام التناغم مع الجوانب المعمارية والتاريخية لمتحف “دار السي سعيد”، القصر السابق متفرد البهاء، والذي شيد أواخر القرن 19 في قلب المدينة العتيقة لمراكش. قرار حصيف للمؤسسة الوطنية للمتاحف كلل بالنجاح.
وعلى مساحة 2800 متر مربع، يمنح المتحف زواره فرصة سبر مسار سينوغرافي معتبر، من شأنه تسليط الضوء على فن عريق هو النسيج والزرابي مع التعلق بعبق المكان وتفرده.
وما إن يدلف الباب، يقف الزائر مشدوها لرونق المعروضات وبهائها. كنز طافح الثراء يعكس خبرة ممتدة يقابلها فخر أكيد للمغاربة.
وتثمينا لغنى فن النسيج والزرابي، ينقسم متحف “دار السي سعيد” لمحورين كبيرين. أولا، تبتدئ الزيارة بمكون يدلل على “غنى وتنوع النسيج المغربي”.
قروية كانت أم حضرية، تنطوي معروضات الشق الأول على قفاطن وحقائب، إضافة إلى “البلاغي” و”الحنادر”، و”الجلالب”… تعود للأمس القريب أو نتاج الراهن وتم إنجازها بمواد من قبيل الصوف والوبر والحرير والجلد.
ولتنميق المعروضات، يتم إثراؤها بلمسة “فنية فائقة العناية” من قبيل الخواتم، وإكسسوارات ذات ملمح نسوي، أو حتى حزمة أشياء من الاستعمال اليومي تعود للمؤسسة الوطنية للمتاحف.
أما المحور الثاني الذي يشكل مسك ختام الاكتشاف، فيقترح حصريا السجاد كمكون محوري للهوية الوطنية بمكوناتها الاجتماعية والتاريخية.
ويعد اكتشاف المكان المخصص للزربية مناط الزيارة، من خلال مختلف المراحل التي تجتازها، علاوة على تقديم هذا المنتج النبيل “المصنوع باليد” في مختلف تمظهراته وتجلياته، عبر التركيز على تنوع مناطق إنتاج السجاد، والمنتشر بالجهات الأربع للمملكة.
وبإمكان الزائر اكتشاف نسج السجاد الذي يمثل مختلف ربوع المملكة، الأطلس الصغير، والأطلس المتوسط، والأطلس الكبير، إضافة إلى الحوز وجهة الشرق.
كما بمستطاعه التوقف عند الخصوصيات الصميمة. وقالت سليمة آيت مبارك، محافظة المتحف الوطني للنسيج والسجاد “إن السجاد الحضري ينسج أساسا بالرباط والدار البيضاء ومديونة ويتميز بكثافته وغنى ألوانه، في حين ينقسم السجاد القروي إلى صنفين؛ صنف الأطلس الكبير وحوز مراكش وصنف الأطلس المتوسط والمغرب الشرقي”.
وأوضحت أن الشكل القروي للسجاد تطغى عليه الأشكال الهندسية وتجليات أخرى من قبيل الكتابات الخطية.
وفي معرض إجابتها عن الأهمية الثقافية والتاريخية للمتحف الوطني “دار السي سعيد”، أكدت آيت مبارك أن المتحف أغنى كثيرا الحياة الثقافية بمراكش، مشيرة إلى أنه مصنف ضمن أحسن المنشآت المتحفية بالمغرب.
وأوضحت أن المتحف يستقبل سنويا أكثر من 100 ألف زائر من المغاربة والأجانب متشوقين لاكتشاف “ثقافتنا وتاريخنا المتصلين بالسجاد”، مضيفة أن السياح الذين زاروا المتحف، يغادرونه مندهشين لبهاء منتجات الصناعة التقليدية.
ويطمح المتحف الذي تُعرض فيه أكثر من 400 سجاد من مختلف جهات المغرب، إلى أن يصبح “مركز إشاعة المعلومة” المتعلقة بخبرة هذا الفن الذي يتعين تثمينه.