مراكز إصلاح بدلا من السجون.. هل تغيّر مصر تعاملها مع المعتقلين

أحدثت السلطات المصرية تغييرات شكلية على السجون حيث غيرت العديد من المسميات، بدءا من اسمها الذي أصبح مراكز للإصلاح، في محاولة لمجاراة دعوات منظمات دولية وجمعيات أهلية إلى القاهرة للالتفات إلى الملف الحقوقي، لكنها تظل في نظر الغالبية إجراءات مادية لا تغيّر أوضاع المحبوسين الذين يشكون من معاملة سيئة.
القاهرة- تبذل القاهرة جهودا كبيرة لتخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليها في الملف الحقوقي الخاص بأوضاع السجون والتعامل مع المعتقلين والاتهامات المستمرة بالتوسع في استخدام الحبس الاحتياطي وتأجيل المحاكمات لفترات طويلة، وترد الحكومة على ذلك بمواصلة الإفراج عن بعض المحبوسين وتحسين سجل تفاعلها مع المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والتوجه نحو إصلاح منظومة السجون.
ووافق مجلس النواب المصري أخيرا على تعديل قانون السجون، ومحو المصطلحات التي ارتبطت بصورة ذهنية سيئة لدى الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، حيث ألغت التعديلات مصطلح “السجون” واستبدله بـ”مراكز الإصلاح”، وقسمت أنواع السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل عمومية، ومراكز إصلاح جغرافية، ومراكز إصلاح وتأهيل خاصة، تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية.
وطال التغيير مسمى القانون ذاته وكان يعرف باسم “قانون تنظيم السجون” ليصبح الآن قانون “تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي” واستبدلت التعديلات مصطلح “المسجونين” بـ”النزلاء”، و”السجان” بـ”المشرف” واستحدثت “قطاع الحماية المجتمعية” بدلا من “قطاع السجون” التابع لوزارة الداخلية.

محمد نورالدين: تحويل السجون إلى مؤسسات إصلاحية يواجه صعوبات
وأثارت تعديلات البرلمان الخاصة بالأسماء جملة من الأسئلة حول مدى تعبيرها عن حدوث تغيّر حقيقي في التعامل مع المحبوسين في السجون أو "اللومان" حسب التعبير الدارج، وهل ذلك مؤشر على التفات الحكومة بالفعل إلى مخاطر تجنيد المزيد من العناصر الإجرامية والإرهابية داخل السجون، ما يهدد تنفيذ خطط الإفراجات المتتالية التي تنتهجها لتحسين أوضاع الزنازين (أماكن الاحتجاز) وتخفيف الضغوط الدولية في ملف حقوق الإنسان.
وجاءت التعديلات في إطار خطة الحكومة لتطوير المؤسسات العقابية من حيث مسمياتها وأبنيتها وإدارتها على نحو يهدف إلى ترسيخ قيم ومبادئ حقوق النزلاء بها لتوفير الحماية المجتمعية لهم وإصلاحهم وإدماجهم في المجتمع.
وعلاوة على الاستفادة من تأهيلهم في برامج وخطط التنمية عن طريق دعم حقوق النزلاء التعليمية باستكمال دراستهم لمن لديه الرغبة وأداء الامتحانات داخل مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية.
وذكر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر جورج إسحاق أن إدخال تعديلات على المسميات لا يمسّ جوهر أزمة السجون التي تتعلق بالمعاملة داخلها وتحسين أوضاعها بشكل شامل بعيدا عن الإجراءات الشكلية، وتدشين مؤسسات عقابية جديدة على أسس مختلفة عن السجون السابقة هو تطور إيجابي، لكنه بحاجة إلى ضمان تنفيذ خطط الإصلاح التي لا بد أن تخضع لإشراف جهات مدنية.
وناشد في تصريح لـ”العرب”، “الرد الرسمي على الاتهامات التي يثيرها العديد من النشطاء بشأن حالة سجن طرة (أحد أشهر وأكبر السجون التي يحبس فيها السياسيون المقبوض عليهم أو صدرت بحقهم أحكام قضائية) لأن عدم وجود ردود مقنعة ترسخ حدوث الانتهاكات التي يتحدث عنها البعض”.
وكشف إسحاق أن هناك خططا موضوعة بين المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية لإجراء زيارات للسجون، أحدها الأسبوع المقبل للتعرف على حقيقة الأوضاع داخلها بعد التطورات الأخيرة.
ويتواءم هذا التوجه مع الاستراتيجية الوطنية التي أقرتها الدولة لحقوق الإنسان، ومع اعتبار العام الجاري هو عام المجتمع المدني، ولذلك حوت التعديلات منح السجناء حقوقا جديدة، مثل تسليمهم المذكرات والمكاتبات شخصيا تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية، وحقهم في استكمال تعليمهم وتأدية امتحاناتهم داخل لجان الامتحان المدنية والمخصصة لذلك، حال لم تكن هناك خطورة أمنية على نقلهم.
وتشير دوائر حكومية إلى تماشي التعديلات مع إجراءات نوعية اتخذتها الدولة لتحسين أوضاع السجون مع الإعلان عن افتتاح سجون جديدة وفقا لأسس إنسانية، وغلق 12 سجنا تمثل 25 في المئة من إجمالي السجون بمصر وإلحاق السجناء بمركز الإصلاح والتأهيل في وادي النطرون بالصحراء الغربية ويضم ستة مراكز إصلاح وتأهيل سعتها 20 ألف سجين.

جورج إسحاق: تعديل المسميات لا يمس أزمة السجون والمعاملة داخلها
ويتسق تغيير الأسماء مع التحول الحاصل في المفاهيم ضمن الخطوات الأولية نحو إحداث المزيد من الإصلاحات في أوضاع السجناء، خاصة أن الاهتمام الحالي يتركز على تغيير ثقافة التعامل مع المحبوسين وتلافي الأخطاء السابقة وتحويل السجون إلى مؤسسات إصلاحية تتناسب مع استراتيجية حقوق الإنسان الجديدة.
ويشكّك نشطاء وحقوقيون في حدوث تغيير على مستوى التعامل مع المعتقلين، والحديث عن وجود حالات إضراب عن الطعام أحيانا في صفوف المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا بعينها من دون محاكمة، يشير إلى أن التعديلات الأخيرة قد لا تمس جوهر المشكلات التي يتعرض لها المعتقلون.
وأكد مساعد وزير الداخلية سابقا اللواء محمد نورالدين أن هناك رغبة حكومية لإصلاح أوضاع السجون، لكن توجد صعوبات عديدة تواجه تحويلها إلى مؤسسات إصلاحية شاملة نتيجة ضعف الإمكانيات وزيادة أعداد المحبوسين، وتحويل الشعارات والمصطلحات إلى سياسات يمكن تنفيذها سوف يحتاج المزيد من الوقت.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن خطوات إصلاح السجون بدأت منذ ثلاث سنوات حين وضعت الحكومة خطة لتقليل أعداد المحبوسين والتخطيط لوضع سياسات تحول مصلحة السجون إلى مراكز لتأهيل القوى العاطلة داخلها ما يخدم تصورات وزارة الداخلية التي توسعت في خططها الإنتاجية، وباتت تملك أنشطة استثمارية، وتعمل على توظيف السجناء داخل مزارعها والحرف والصناعات التابعة لها.
ويقول خبراء أمن إن وزارة الداخلية لديها هواجس عدة من استمرار أوضاع السجون كما كانت في الماضي، وبدأت تطبيق سياسة توزيع السجناء وفقا للقضايا المتهمين فيها بما يمنع اندماج المتهمين في أنشطة إجرامية مع عناصر إرهابية.
كما أنها تنبهت لخطورة وجود عناصر خطرة وتحركها بلا مسؤولية في المجتمع بعد الإفراج عنها، حيث وجدت أن فكرة إحكام المراقبة على المفرج عنهم تشكل عبئا ولا تمنع عودتهم إلى الأنشطة الإجرامية السابقة.
الاهتمام الحالي يتركز على تحويل السجون إلى مؤسسات إصلاحية تتناسب مع استراتيجية حقوق الإنسان الجديدة
وأوضح المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) أن وزارة الداخلية قامت بالفعل بإخلاء ثلاثة سجون بشكل كامل وهي (بنها وطنطا والحضرة) وجرى دمج المحبوسين داخل مركز تأهيل وادي النطرون، وفي الطريق إلى غلق سجون أخرى الفترة المقبلة، إلى جانب الانتهاء من بناء ثلاثة مراكز تأهيل أخرى مع نهاية العام الجاري.
ولدى البعض من السياسيين قناعة بأن الخطوات الحكومية لا تقنع منظمات حقوقية دولية تستمر في توجيه الانتقادات للملف الحقوقي بمصر، وأن جدية الحكومة تتوقف على تحسين جودة الإعاشة والإقامة داخل السجون وتوزيع السجناء والالتزام بقوانين محاسبة المتهمين وعدم التوسع في استخدام الحبس الاحتياطي.
وأصبحت القاهرة مطالبة بالمزيد من إجراءات بناء الثقة مع المنظمات الحقوقية بما يتيح شفافية التعرف على أوضاع السجون وسرعة الرد على الاتهامات التي يوجهها نشطاء ومحبوسون بشأن أوضاع السجون، والاعتراف بأوجه القصور ووضع خطط لإصلاحها، وإدخال تعديلات تشريعية تضمن عدم وجود انتهاكات بحيث تكون مكملة للفلسفة العامة التي تسعى إلى تحويلها من مكان لتنفيذ العقوبة إلى مركز للتأهيل.