مراكب شراعية للتهريب وطائرات مسيرة ودولارات: الحوثيون يوسّعون أنشطتهم إلى الصومال

صنعاء - وسّع المتمردون الحوثيون في اليمن، تعاونهم عبر الحدود مع جهات فاعلة غير حكومية في الصومال، وتحديدا حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، مما يُظهر كيف تسود البراغماتية عندما تتطلبها الأهداف الجيوسياسية.
وبينما تختلف هذه الجماعات في أيديولوجيتها وطموحها وتركيزها الإقليمي، إلا أنها تتحد في عدائها للولايات المتحدة، وسعيها إلى حرب غير متكافئة، واعتمادها على الاقتصادات غير المشروعة.
ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز وتنويع سلاسل التوريد، وتأمين الوصول إلى أسلحة أكثر تطورا، وتحسين مكانة الجماعات المحلية، وزيادة نفوذ الحوثيين وداعمتهم الإقليمية الرئيسية، إيران، للتأثير على الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب بما يخدم مصالحهما.
ويقول الباحثان إبراهيم جلال وعدنان الجبرني في تقرير نشره مركز كارنيغي للسلام إن هذا الوضع قد أدى إلى تفاقم مصادر عدم الاستقرار في المنطقة الأوسع.
البراغماتية تتجاوز الأيديولوجيا
تُعدّ منطقة القرن الأفريقي، وخاصة الدول المطلة على البحر الأحمر، جزءا لا يتجزأ من العمق الإستراتيجي لليمن نظرا إلى قربها الجغرافي وساحلها الطويل. وقد ساهمت هذه العوامل في تشكيل الأنماط التاريخية للهجرة والتبادلات التجارية والتأثير الثقافي والتفاعلات الدينية والاجتماعية.
وشكّلت تجارة الأسلحة في البحر الأحمر عاملا رئيسيا في علاقات الحوثيين بالصومال. ورغم حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن، زوّدت إيران الحوثيين بالأسلحة سرا.
وبين سبتمبر 2015 ويناير 2023، اعترضت سفن حربية من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وأستراليا ست عشرة سفن تحمل ما يقرب من 29000 قطعة سلاح صغير وخفيف، و365 صاروخا موجها مضادا للدبابات، و2.38 مليون طلقة ذخيرة متجهة إلى الحوثيين.
ونُقلت معظم الشحنات على متن مراكب شراعية تُستخدم في التجارة الساحلية وصيد الأسماك. وفي عام 2020، خلصت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية إلى أن جزءا من الأسلحة التي زوّدت بها إيران الحوثيين انتهى بها المطاف في الصومال.
وتطورت علاقة الحوثيين بالجهات الفاعلة الصومالية غير الحكومية، وجميعها خاضعة لحظر الأسلحة، على مدى العقد الماضي من خلال تجار الأسلحة أو السماسرة.
◙ علاقة الحوثيين بالجهات الفاعلة الصومالية غير الحكومية تطورت على مدى العقد الماضي من خلال تجار الأسلحة أو السماسرة
وازدادت أهمية هذا الأمر ابتداء من عام 2016، عندما أدركت جماعة الحوثي قدرتها على تعزيز مكانتها من خلال امتلاك القدرة على التحرك في المجال البحري لليمن، سواء بمهاجمة السفن أو الانخراط في عمليات التهريب، وهو درس طبقته خلال أزمة البحر الأحمر بشأن غزة التي بدأت في أكتوبر 2023.
وأعرب زعيم جماعة أنصارالله، عبدالملك الحوثي، مرة أخرى عن هذا الرأي في يناير 2025، عندما استشهد بالعمليات البحرية التي نفذتها الجماعة نيابة عن غزة، بينما دعم التطورات في “العديد من الدول الأفريقية.. ضد الهيمنة الأميركية والأوروبية، والإمبريالية والاحتلال الأميركي (هناك).” وأشار هذا إلى اهتمامه بتوسيع أنشطة أنصارالله في أفريقيا.
وفي يونيو 2024، أفادت الولايات المتحدة عن تعاون بين حركة الشباب وأنصارالله. وكشف تقرير للأمم المتحدة صادر في فبراير 2025 أن ممثلي الجماعتين قد التقوا مرتين على الأقل في يوليو وسبتمبر 2024 في الصومال، مما يؤكد التزام أنصارالله بتعميق العلاقات خلال أزمة البحر الأحمر.
وبموجب الاتفاق المُعلن، ستُزوّد أنصارالله حركة الشباب بالأسلحة والخبرة الفنية مقابل تكثيف هجمات القرصنة وجمع الفدى في خليج عدن وقبالة سواحل الصومال.
وبالنظر إلى تعاون حركة الشباب مع القراصنة الصوماليين، حيث يُقال إن الأولى تحصل على حصة 20 في المئة من الفدى، فمن المُرجّح أن تنطوي شراكة أنصارالله والشباب على استخدام القراصنة لتعظيم الاضطرابات البحرية.
وتتمثل مخاوف الولايات المتحدة في أن تُوفّر شحنات الأسلحة التي تُقدّمها أنصارالله لها مصدر تمويل جديد، بينما تُتيح للشباب الوصول إلى أسلحة أكثر تطورا. كما أن لإيران اتصالات طويلة الأمد مع حركة الشباب.
توسع مصادر عدم الاستقرار
إن تداعيات التعاون المتزايد للحوثيين مع حركة الشباب وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية متعددة الأوجه، وهي بالغة الأهمية للتجارة البحرية العالمية، والسلام، والأمن.
وللطرفين مصالح مشتركة، تُعيد جميعها تشكيل ديناميكيات الأمن في القرن الأفريقي، وجنوب البحر الأحمر، وخليج عدن، مما يزيد من احتمالات عدم الاستقرار ويُعقّد جهود منع الأسلحة. كما عززت هذه الديناميكيات النفوذ الجيوسياسي للحوثيين، الذي استفادت منه إيران، مما منح كلا الطرفين نفوذا على ممر بحري دولي رئيسي.
ومن أبرز اهتمامات الحوثيين وحركة الشباب وداعش استغلال الشبكات غير المشروعة، لاسيما شبكات تهريب الأسلحة والوقود من إيران. بدورها، ترى إيران أن هذه الجماعات تساعدها على تنويع مصادر الوصول إلى قنوات التمويل، وطرق التهريب، وقواعد الدعم البحرية.
◙ من أبرز اهتمامات الحوثيين وحركة الشباب وداعش استغلال الشبكات غير المشروعة، لاسيما شبكات تهريب الأسلحة والوقود من إيران
وقد عززت هذه الأنشطة مصادر دخل الجماعات الثلاث وقدراتها العملياتية. وعلى وجه التحديد، سهّل تعاون الحوثيين مع جهات صومالية غير حكومية تدفق الأسلحة والموارد الإيرانية من اليمن وإليه، متجاوزة حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة.
وغالبا ما تتبع عمليات نقل الأسلحة طرقا ملتوية. إذ تغادر السفن الأكبر حجما العابرة للمحيطات إيران وتتجه إلى المياه الكينية أو التنزانية لتجنب اكتشافها من قبل القوات البحرية الدولية قرب خليج عدن، قبل أن تتجه نحو الصومال. ثم تهرب قوارب أصغر حجما، تنطلق من الصومال، باستخدام وثائق مزورة، الأسلحة إلى اليمن، لاسيما عبر رأس العارة في محافظة لحج. كما سعى تجار الأسلحة وسماسرة الأسلحة إلى نقل أنظمة صواريخ أرض-جو من أوروبا الشرقية إلى الحوثيين عبر الصومال.
وتنظر الجهات الفاعلة الصومالية غير الحكومية إلى امتلاك الحوثيين لأسلحة تقليدية مُزعزعة وقدرات طائرات مُسيّرة على أنه تطور مُشجع يُغير قواعد اللعبة.
وأما بالنسبة إلى الحوثيين، فإن نقل الأسلحة والتدريب يُعدّان جزءا من حزمة زادت من إيرادات الجماعة، ووسّعت نفوذها، وأمّنت لها الدعم اللوجستي، وسمحت لها بالارتقاء في محور المقاومة.
ويسعى الحرس الثوري الإيراني، الحريص على تقويض المصالح الغربية، إلى موازنة منافسيه مثل الولايات المتحدة ودول الخليج وتركيا، وتوسيع نطاق نفوذه في القرن الأفريقي.
ووفقا ليزيد الجداوي من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية فهو “يشرف على التوجه الإستراتيجي لهذا التعاون التبادلي، حيث يعمل الحوثيون كمنسق إقليمي فرعي نظرا لمرونتهم العملياتية خلال أزمة البحر الأحمر وقربها الجغرافي.”
وأتاح تعاون الحوثيين مع حركة الشباب وجهاز الأمن الداخلي لإيران، بشكل غير مباشر، فرصة لتطوير عمقها الإستراتيجي في الصومال والقرن الأفريقي، وتوسيع نطاق نفوذها لتشكيل هيكل الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب. وخلال صراع غزة، منح هذا إيران نفوذا كبيرا على نقل الهيدروكربونات وغيرها من السلع إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
وأشار تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن في أكتوبر 2024 إلى أن الحوثيين “يُقيّمون خيارات تنفيذ هجمات بحرية انطلاقا من الساحل الصومالي،” بعد أن نقلوا طائرات مُسيّرة وصواريخ إلى الصومال.
ولم تُنفّذ هذه الهجمات، ويعود ذلك أساسا إلى أن إيران عانت من انتكاسات في صراعها مع إسرائيل بين يوليو وديسمبر 2024، وخشيت أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الهجمات المُستمرة على الأراضي الإيرانية.
مزايا متبادلة
أتاحت علاقات الحوثيين مع حركة الشباب وداعش الصومال للأطراف تنويع أدوات وصولها إلى المناطق البحرية الصومالية، مع خلق حالة من الإنكار لشركائهم. كما أتاحت علاقات الحوثيين مع الجماعات في الصومال لها الحصول على معلومات من الجانب الآخر من خليج عدن لضرب السفن.
وخلال صراع غزة، أقنع الحوثيون حركة الشباب وداعش والقراصنة الصوماليين بمهاجمة السفن وعرقلة مرورها إلى البحر الأحمر تضامنا مع الفلسطينيين.
و خلص تقرير صادر عن فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن في أكتوبر 2024 إلى أن ثلث هجمات الحوثيين وقعت في مناطق بخليج عدن خارج نطاق تغطية رادار الجماعة، “مما يشير إلى أن الحوثيين تلقوا مساعدة خارجية في تحديد مواقع السفن وتحديد مواقعها واستهدافها.”
ويُرجّح أن تكون هذه المعلومات قد قُدّمت من سفينة التجسس التابعة للحرس الثوري الإيراني “إم في بهشاد”، أو روسيا، أو حركة الشباب، أو داعش، أو قراصنة، أو جماعات صومالية أخرى.
وفي مارس 2024، أعرب عبدالملك الحوثي بثقة عن نيته توسيع العمليات البحرية باتجاه المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح، مشيرا ضمنيا إلى إمكانية استخدام أراضي دول أخرى لتنظيم هجمات مباشرة أو بالوكالة.
◙ توسيع علاقات الحوثيين مع الجهات الصومالية غير الحكومية يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في القرن الأفريقي
ولعلّ تصاعد أعمال القرصنة الصومالية خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة، إلى جانب تعطيل الحوثيين لحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، لم يكن محض صدفة، مما يؤكد التقارير التي تتحدث عن شراكة بين أنصارالله وحركة الشباب. ويتماشى توسيع علاقات الحوثيين مع الجهات الصومالية غير الحكومية مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في القرن الأفريقي.
وقد دأبت إيران، التي وصف المتحدث باسم وزارة خارجيتها، ناصر الكناني، أفريقيا بأنها “قارة الفرص”، على مراجعة إستراتيجيتها تجاه القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة، حيث أعادت العلاقات الدبلوماسية مع السودان وجيبوتي والصومال في الفترة 2023 – 2024.
ويُعدّ وجود الحوثيين في الصومال دليلا على انخراط إيران في القرن الأفريقي. وعلاوة على ذلك، من المتوقع أن يزداد تركيز الحوثيين على شبكات التهريب الإقليمية بعد أن أعادت الولايات المتحدة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية في فبراير 2025، وفرضت عقوبات على سبعة من قادتها المتورطين في عمليات تهريب وشراء أسلحة.
وإدراكا للتداعيات الإستراتيجية لأفعال الحوثيين على التجارة والأمن البحريين العالميين، تعزز لدى الحرس الثوري الإيراني إيمانه بأهمية السيطرة على خليج عدن والمحيط الهندي، وصولا إلى رأس الرجاء الصالح.
وبينما تسعى إيران إلى بسط نفوذها في المنطقة وخارجها، فإن هدفها هو التأثير على التطورات البحرية بعيدا عن شواطئها. وسيظل الاستقطاب والصراع والفقر والتشرذم والفساد ظروفا مواتية لمثل هذا الطموح على المدى المتوسط.
ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت الأهداف الأيديولوجية المتعارضة للجماعات الجهادية السنية والشيعية ستؤدي في نهاية المطاف إلى فصل الإيرانيين والحوثيين عن حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، على الرغم من تشددهم المشترك ضد الغرب.