مدير منظمة الخوذ البيضاء: لم نقم بأي تنسيق مباشر مع إسرائيل

القاهرة – تتعرض منظمة الخوذ البيضاء السورية إلى هجوم شرس من قبل النظام السوري، منذ إجلاء عدد من عناصرها من مناطق سيطرة الفصائل السورية المعارضة، إلى الأردن عن طريق إسرائيل، لإعادة توطينهم في ثلاث دول غربية هي بريطانيا وألمانيا وكندا.
ونفى رائد الصالح، مدير منظمة الخوذ البيضاء، والتي تمثل الدفاع المدني في مناطق تابعة للمعارضة السورية، في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية ما يروجه النظام، وأكد أن المنظمة لم تلجأ إلى الدول الأجنبية الداعمة لها لإجلاء عناصر منها تقطعت بهم السبل في جنوب سوريا، إلا لوجود تخوف حقيقي من تعرضهم لأعمال انتقامية، وتحدث عن المرارة التي يشعرون بها لما يتردد بحقهم من اتهامات رغم ما قدموه من تضحيات.
وحسب ما أعلنته الخوذ البيضاء الاثنين الماضي، مازال المئات من عناصر المنظمة عالقين جنوب سوريا، في انتظار إجلائهم وسط مخاوف على مصيرهم. ووجد هؤلاء العناصر أنفسهم محاصرين “من النظام من ثلاث جهات وإسرائيل من الجهة الرابعة” غداة إجلاء أكثر من 400 شخص من الخوذ البيضاء وأفراد عائلاتهم إلى الأردن عبر إسرائيل.
وأقر الصالح بمنطقية التساؤلات التي أثارها تدخل دول أجنبية من أجل ضمان إجلاء عناصر من المنظمة رغم أن هناك كثيرين ممن هم معرضون للخطر بشكل أو بآخر داخل سوريا، لكنه دعا إلى الأخذ في الاعتبار “الاتهامات والتصريحات المعادية التي وجهها النظام وحلفاؤه الروس للمنظمة منذ تأسيسها عام 2013”، مشددا على أنه كان “هناك بالفعل تخوف حقيقي من تعرض هذه العناصر لأعمال انتقامية من قبل قوات النظام والميليشيات المتحالفة معه”.
تصريحات معادية
شدد مدير منظمة الخوذ البيضاء على أن “الأمر ليس انتقائيا ولا يخفي وراءه أسرارا… ونحن لم نقم بأي اتصال أو تنسيق مباشر مع الكيان الإسرائيلي… المنظمة فقط قامت بالتواصل مع الدول الداعمة لها والمفوضية السامية لحقوق اللاجئين وشرحت لها الوضع الحرج لعناصرها بالجنوب، ومن ثم بادرت كندا ومن بعدها دول أوروبية بطرح فكرة نقل العناصر عبر الجولان المحتل بعد إصرار النظام السوري منذ البداية على رفض طلبهم بالانتقال للشمال السوري برفقة المسلحين الرافضين لاتفاقيات التسوية بالجنوب”.
واستطرد “لقد اضطررنا للموافقة على هذا الحل لأنه لم يكن لدينا خيار آخر لحماية المتطوعين وعائلاتهم الذين علقوا وتم حصارهم بالجنوب مع تقدم قوات النظام…الدول الداعمة والمفوضية السامية لحقوق اللاجئين هي من قامت بدور الوسيط لنقل 98 من عناصرنا مع عائلاتهم، ما يعني إجمالا نقل 422 شخصا عبر الجولان المحتل، أي أن إسرائيل لم يكن لها دور سوى فتح الشريط الحدودي ونقل العناصر في حافلات”.
وأضاف أن “هناك جزءا آخر من عناصرنا لا يزالون عالقين بالجنوب ونحاول تأمين انتقالهم للشمال السوري، ولكن للأسف حتى الآن لا توجد ضمانات واضحة بإمكانية تحقيق ذلك… ولو تم نقلهم للشمال فسينضمون على الفور لفرقنا العاملة هناك على الأرض، ولن يلحقوا برفاقهم ممن جرى إجلاؤهم للأردن بشكل مؤقت لحين انتقالهم إلى دول أوروبية رحبت باستضافتهم”.
واستنكر الصالح روايات أطلقتها مواقع إعلامية معروفة بقربها من النظام السوري حول تهريب عناصر من جبهة النصرة، وتنظيمات أخرى متطرفة، وعملاء مخابرات دول داعمة للمعارضة السورية ضمن عناصر الخوذ البيضاء، وشدد “هذا ليس حقيقيا على الإطلاق”.
وأكد أنه من غير الموضوعي أن يتم تصوير حادثة مفردة دفعت إليها ضرورة ميدانية على أنها دليل على ثبوت اتهام المنظمة بالعمالة.
وقال “نحن منظمة تأسست عام 2013 من متطوعين سوريين هدفهم الرئيسي هو مساعدة المدنيين من أبناء بلدهم ممن يتعرضون لقصف ممنهج من قبل طيران النظام الذي يحوّل منازلهم إلى ركام ويدفنهم أحياء تحتها… لقد قدمنا خدمات تتركز بالإسعاف الأولي وإخراج الضحايا من تحت الأنقاض وإطفاء الحرائق واستطعنا بالفعل إنقاذ ما يقرب من 115 ألف مدني بمحافظات مختلفة… ودفعنا ضريبة ذلك من دمائنا حيث تم استشهاد ما يقرب من 251 متطوعا خلال عمليات الإنقاذ المختلفة، فضلا عن إصابة ما يقرب من الألف، منهم 50 أصيبوا بإعاقات دائمة”.
من هم الخوذ البيضاء
الخوذ البيضاء هي منظمة دفاع مدنية تطوعية تعمل في المناطق تحت سيطرة المعارضة في سوريا، تأسست عام 2013، وتتألف من ثلاثة آلاف متطوع سوري مدني، وتهدف إلى إغاثة المتضررين من الصراع السوري. وانبثقت فرق الدفاع المدني السوري من التنسيقيات المدنية التي ظهرت بعد تفجر الحرب في سوريا عام 2011 بعد تخلي منظمات الإغاثة عن مهامها في إسعاف الجرحى، حيث أسس أواخر 2012 نحو 100 مركز في 8 محافظات سورية.
وذكرت المنظمة في موقعها الرسمي على الإنترنت أن عملها يقتصر في مناطق سيطرة المعارضة لأنها ممنوعة من العمل في مناطق سيطرة النظام السوري. وتشكلت فرق الدفاع المدني في حلب وريفها مطلع 2013، في ظل احتدام المعارك في أحياء المدينة، من طرف بعض الناشطين الذين تطوعوا لأداء عملهم معتمدين في تلك المرحلة على معدات يدوية، واقتصر عملها حينها على الإنقاذ والإطفاء والإسعاف.
وعقد لقاء المنظمة الأول في أكتوبر عام 2014، حيث اجتمع فيه المتطوعون من كافة أنحاء سوريا واتفقوا على تشكيل منظمة واحدة رسميا وحّدت كافة الفرق تحت رسالة مشتركة وقيادة وطنية. وتعمل وفقا للقانون الدولي الإنساني وتتعهد بتوفير الخدمات المنصوص عليها في قائمة المادة الخامسة للغايات التالية: حماية السكان المدنيين من الأخطار الناجمة عن الأعمال العدائية أو الكوارث الأخرى، وتسريع عملية التعافي من الآثار المباشرة لهذه الأعمال، إضافة إلى توفير الظروف الضرورية لنجاة السكان المدنيين.
كما تسعى إلى تقديم مجموعة من الخدمات للشعب السوري، منها إنذار السكان المدنيين من الضربات والأخطار، والبحث والإنقاذ في المناطق الحضرية، وإخلاء السكان المدنيين من المناطق التي يقترب منها الصراع، وتوفير الخدمات الطبية ومنها الإسعافات الأولية لحظة الإصابة، والإطفاء، وإدارة ملاجئ الطوارئ، وتوفير سكن الطوارئ والمؤونة، والدفن الطارئ للموتى وغير ذلك من الخدمات. ويتلقى الدفاع المدني السوري الدعم من عدد من المنظمات الإغاثية الدولية منذ تأسيسه. وقتل أكثر من 200 متطوع في صفوفها وأصيب 500 آخرون.
وأوضح أن “مصدر تمويلنا معروف، حيث نتلقى تمويلا من دول أوروبية وعربية، ويتم نشر تقارير دورية على صفحات المنظمة بالمبالغ التي تلقيناها وكيفية إنفاقها، لذا نشعر بالمرارة عندما ينساق البعض وراء دعايات لا تخدم سوى النظام وروسيا اللذين يحاولان الهروب للأمام من سجل جرائمهما الحافل بحق الشعب السوري”.
تحريض روسي
ردا على تعليقات روسية رحبت بإجلاء عناصر المنظمة واعتبرت أن هذا سيقلل فرص الهجمات الكيميائية في سوريا، قال الصالح “لقد تعودنا على اتهامات ودعايات النظام وروسيا ضدنا… وتقرير لجنة التحقيق المشتركة من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والصادر في 28 من أكتوبر من عام 2017 حمّل النظام مسؤولية الهجوم الكيميائي على بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب في أبريل من ذات العام… نحن الشهود الأوائل على جرائم النظام وأول من يجد الأدلة لكوننا المسعفين الأوائل، وبالتالي استهدافنا وتشويه صورتنا والحديث عن أننا نقوم بفبركة الأدلة هو حديث مكشوف”.
وشدد الصالح على أن الطابع الإنساني للمنظمة لم يصطبغ يوما ما بانتماء سياسي أو مذهبي أو طائفي، وأكد أن جميع الأعضاء غير منضمين لأي فصيل سياسي أو مسلح من فصائل الثورة السورية وتحديدا المتطرفة منها مثلما يردد النظام وحلفاؤه.
وحول عدم صدور أي تصريح من منظمته لإدانة المعارضة رغم إشارة تقارير أممية إلى قيامها هي أيضا باستخدام السلاح الكيميائي في معاركها مع القوات الحكومية، قال “لم أطالع أي تقرير أممي يدين المعارضة السورية باستثناء قيام تنظيم داعش باستخدام هذا النوع من الأسلحة في منطقة مارع بمحافظة حلب ومناطق أخرى…وباستثناء ذلك، فإن كل الهجمات من هذا النوع قام بها النظام الذي يملك الطائرات لإلقائها من الجو”.
ونفى تجميد عمل المنظمة وتوقف دعمها، خاصة مع تقلص المساحة التي كانت المعارضة السورية المسلحة تسيطر عليها من الأراضي السورية.
وختم رائد الصالح بقوله “نحن موجودون بسوريا ولن نرحل…لدينا أكثر من 3750 عنصرا لا يزالون يعملون في المناطق التي يستطيعون الوصول إليها”.
منظمة الخوذ البيضاء تحت مرمى نيران النظام
دمشق – يتهم النظام السوري وأنصاره مجموعة الخوذ البيضاء بأنها أداة في أيدي المانحين الدوليين الذين يقدمون الدعم لها منذ سنوات، وبالانضواء في صفوف الجماعات المتطرفة، وقد وصف الرئيس السوري بشار الأسد الخوذ البيضاء بأنها جزء من تنظيم القاعدة في سوريا. ومنذ إجلاء المئات من عناصرها عبر إسرائيل إلى الأردن باتجاه دول غربية، وذلك فرارا من هجوم تشنه دمشق وحليفتها روسيا لانتزاع السيطرة على جنوب غرب سوريا من المعارضة، تتعرض المنظمة إلى تهم التخوين والتشويه من قبل النظام السوري. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان الأحد الماضي أنه قام، في مهمة إنسانية، بإجلاء ثمانمئة عنصر من المنظمة وعائلاتهم من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة السورية إلى إسرائيل، ثم إلى الأردن.
فيما أكدت عمّان موافقتها على مرورهم عبر أراضيها-تحت رعاية الأمم المتحدة- قبل إعادة توطينهم في ثلاث دول غربية، هي ألمانيا وبريطانيا وكندا. ونددت الحكومة السورية بعملية الإجلاء ووصفتها بأنها “عملية إجرامية” نفذتها “إسرائيل وأدواتها”. ومن جهتها رأت وزارة الخارجية الروسية في بيان أنه “أمر معبر أن تفضل الخوذ البيضاء، بدعم أجنبي، أن تهرب من سوريا لتكشف عن طبيعتها الحقيقية وتظهر نفاقها للعالم أكمله”.
وردت الخوذ البيضاء على هاته الاتهامات في بيان بأن “القوات الحكومية السورية وحلفاءها استهدفوا أفرادها ومبانيها على وجه التحديد خلال الصراع المستعر منذ أكثر من سبعة أعوام”. ومع استعادة الأسد للسيطرة على مناطق مثل شرق حلب والغوطة غادر أفراد من الخوذ البيضاء في حافلات إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة في الشمال مع مقاتلين في المعارضة ومدنيين يخشون العودة تحت حكم النظام. بيد أن الخوذ البيضاء قالت إن الاتفاقيات التي أبرمت خلال حملة القوات الحكومية بجنوب غرب البلاد لم تشمل “أي ضمانات لممرات آمنة للتهجير القسري للعاملين الإنسانيين إلى مناطق أخرى داخل سوريا خارجة عن سيطرة قوات النظام السوري”، مما جعل عملية الإجلاء الدولية ضرورية.
وكشفت صحيفة الغارديان أن الحملة ضد الخوذ البيضاء بدأت مع التدخل الروسي في سوريا عام 2015 وذلك لدعم النظام. وسعت للترويج إلى أن الهدف الحقيقي من الغارات هو تنظيم الدولة وإثارة الشكوك بشأن الضربات التي استهدفت بنى تحتية ومدنيين. وتعتقد الصحيفة أن السبب وراء استهداف الخوذ البيضاء مرده توثيق المنظمة لما يجري داخل البلد من خلال الكاميرات التي كانت تعلق على خوذ المنقذين. ويحظى عناصر الخوذ البيضاء بتأييد دول غربية ودعم الأوساط الحقوقية بسبب عملياتهم الإنقاذية في سوريا، وأعربت عن استعدادها لاستقبالهم خوفا على حياتهم.
وأصدر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت بيانا قال فيه “بعد جهد دبلوماسي مشترك بين المملكة المتحدة وشركاء دوليين، تمكنت مجموعة من المتطوعين من الخوذ البيضاء من مغادرة جنوب سوريا مع عائلاتهم بحثا عن الأمان”. وأوضح “إنهم يتلقون حاليا المساعدة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأردن في انتظار إعادة توطينهم”.وأعلنت وسائل ألمانية أن برلين تساهم مع “شركاء دوليين في استقبال عناصر الخوذ البيضاء الذين تم إجلاؤهم”، مشيرة إلى أن ألمانيا ساهمت بما مجموعه 12 مليون يورو لمساعدة المنظمة منذ عام 2016.
وقال وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر لصحيفة “بيلد” اليومية، إن ألمانيا ستستقبل ثمانية أعضاء من عناصر الخوذ البيضاء مع عائلاتهم. وأوضحت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند “إن كندا وبالتعاون الوثيق مع المملكة المتحدة وألمانيا تقود جهودا دولية لضمان سلامة الخوذ البيضاء وأسرهم”. وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس “ستشارك في استقبال الخوذ البيضاء وستواصل التحرك في سبيل هؤلاء الأشخاص الشجعان الذين جازفوا بحياتهم يوما بعد يوم لمساعدة الشعب السوري”.