مدرسة مجانية ترفد نوليوود بالسينمائيين الشباب

نيجيريا تحث الخطى للمنافسة على إنتاج الأفلام.
الثلاثاء 2022/06/28
أبجديات الكاميرا

أصبحت السينما في أفريقيا إنتاجا له استرتيجياته التي تعتمد على التكوين الأكاديمي للممثلين والمخرجين والتقنيين. ففي لاغوس العاصمة الثقافية في نيجيريا بعثت مدرسة مجانية لتأطير المواهب وتكوينها لسرد القصص النيجيرية في أفلام يستسيغها المشاهدون ويمكن تصديرها إلى أرجاء العالم.

لاغوس - تعطي المخرجة المتدربة إستر أباه، وهي تعتمر قبعة على طريقة المخرج الشهير ستيفن سبيلبرغ، تعليماتها النهائية للممثلة التي تعمل بإدارتها، ثم تعود لتراقب شاشة التصوير، فيما يتأهب الفريق المكون من نحو 30 طالباً للبدء بالتسجيل في أستوديوهات “إيبوني لايف كرييتيف”، وهي مدرسة جديدة كلياً للسينما في لاغوس.

ويعمل الفريق، في نموذج مخملي لغرفة الاعتراف الموجودة في الكنائس، على تصوير فيلم بعنوان “سامحني يا أبتِ”. وبعبارة “واحد، إثنان، ثلاثة، أكشن”، تطلق المخرجة الشابة المشهد، فيما كان مهندس الصوت لا يزال بتعليمات من أستاذة يعدّل موقع عصا الميكروفون التي يحملها.

ومع أن في رصيد إستر أباه ثلاثين عدداً من الأفلام القصيرة والأغنيات المصوّرة التي تولت إخراجها في نيجيريا، قالت، إنها بانضمامها إلى الأكاديمية “أرادت أن تتعلم كيفية إنتاج أفلام من منظور مختلف”.

طلاب يتناولون دروسا كي يتعلموا سرد القصص النيجيرية لجمهور دولي بصيغة تجعلها في متناول العالم أجمع

وتسعى هذه الأكاديمية الكائنة في لاغوس، العاصمة الثقافية النابضة لنيجيريا وكل غرب أفريقيا، إلى تدريب الشباب العاملين في نوليوود، وهو الإنتاج السينمائي النيجيري القوي جداً، بهدف التمكن من تقديم أفلام قابلة للتصدير إلى خارج القارة الأفريقية.

واللافت أن المشاركة في هذا البرنامج التدريبي متاحة مجاناً للراغبين، وهو أمر نادر في نيجيريا، وهو ممول بالكامل من سلطات ولاية لاغوس التي أدركت أن شبابها الموهوبين والطموحين هم ثروة حقيقية، ومصدر لتوفير عدد كبير من فرص العمل في حال تم تنظيم القطاع بشكل أفضل.

وقالت مديرة المدرسة ثيرت كورستين “نريد لطلابنا أن يتمكنوا من سرد القصص النيجيرية لجمهور دولي بصيغة تجعلها في متناول العالم أجمع”.

وتضم الأكاديمية كل المهن السينمائية، من إخراج وتمثيل وإنتاج وسيناريو وصوت وإدارة فنية، وجميع المعلمين فيها من النيجيريين أو الجنوب أفريقيين أو الكينيين ذوي الخبرة الدولية.

حتى وقت قريب، لم يكن غزو السوق العالمية هدفاً تسعى إليه بنشاط نوليوود التي تنتج أكثر من 2500 فيلم سنوياً، وتستند إلى دولة يبلغ عدد سكانها 215 مليوناً ولها تأثير ثقافي كبير جداً في القارة.

فمنذ ظهور نوليوود في ثمانينيات القرن العشرين، كان معظم المخرجين النيجيريين ينجزون أفلامهم في غضون أسابيع قليلة بأقل من 20 ألف دولار. وكانت هذه الأفلام “ممولة في نيجيريا، وتتوجه إلى جمهور نيجيري”، على ما لاحظ عالِم الأنثروبولوجيا المتخصص بنوليوود في جامعة “سيانس بو” للعلوم السياسية في مدينة بوردو الفرنسية أليساندرو جيدلوفسكي.

ولكن في مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، أدت القرصنة الهائلة التي قوضت النموذج الاقتصادي للإنتاج السينمائي، إلى انتقال بعض الموزعين تدريجياً نحو “سوق أكثر رسمية”. وتزامن ذلك مع ظهور القنوات الفضائية ودور السينما الجديدة وخصوصاً البث التدفقي لقاء بدل مادي.

التمثيل من منظور مختلف
التمثيل من منظور مختلف

وأشار جيدلوفسكي إلى أن هؤلاء سعوا إلى استهداف النخبة النيجيرية والشتات الأفريقي الأكثر ثراءً. وما لبثت الموازنات أن زادت وتغيّر نوع الأفلام، وبرزت على رأسها الأفلام الكوميدية الرومانسية التي تصور أوساط الشباب الأثرياء في لاغوس.

وأدى ظهور منصات البث التدفقي العالمية الرئيسية مثل أمازون ونتفليكس إلى انفتاح نوليوود على جمهور عالمي أوسع بكثير.

وقال الأستاذ في “إيبوني لايف كرييتيف” المخرج النيجيري دانيال أورياهي إن “أفلاماً من أميركا الجنوبية وآسيا ودول غير معروفة تقريباً في أوروبا تحقق نجاحاً لدى عرضها عبر المنصات، لذلك تبين لكثر من المخرجين النيجيريين أن أفلامهم يمكن أن تُشاهَد على نطاق عالمي”.

لكنه شدد على أن هذا الأمر “يتطلب تطابق الأفلام مع معايير مختلفة، من حيث السرد أو التقنية”.

من هذا المنطلق، تشجع الأكاديمية كتاب السيناريو والمخرجين على تجربة أنواع أخرى، كالدراما أو الأفلام البوليسية مثلاً.

أما الممثلون فيجري تدريبهم على التمثيل بشكل مختلف لمحو سمعتهم - السيئة - في عالم السينما، إذ يُتهمون بالافتقار إلى الواقعية أو المبالغة في دورهم.

وقال أورياهي “نحن نتحدث بصوت عالٍ، ونتحمس، ونعظّم الأمور كلها وهذا ينعكس في أفلامنا. ولكن يمكنك التعبير عن الأفكار نفسها من دون المبالغة في التمثيل، حتى يجد المشاهد في آسيا نفسه في شخصيات أفلامنا”.

وأدركت شركة “إيبوني لايف” القوية للإنتاج جيداً هذه المعايير المختلفة، وليس من قبيل المصادفة أنها أصبحت واحدة من الشركاء الرئيسيين لنتفليكس في نيجيريا.

قواعد أساسية لتعلم تقنية التصوير
قواعد أساسية لتعلم تقنية التصوير

وبادرت الشركة إلى إطلاق هذه المدرسة الجديدة لتدريب العاملين في نوليوود، وكذلك لرصد أفضل المواهب. ورصدت شركة الإنتاج مثلاً ضمن الدفعة الأولى من خريجي المدرسة الممثلة جينوفيفا أوميه التي أصبحت نجمة “بلاد سيسترز”، وهو أول مسلسل نيجيري تشترك في إنتاجه نتفليكس، ووفرتها اعتباراً من مطلع مايو الفائت.

كذلك تمت الاستعانة بطلاب آخرين كمتدربين في فيلم يتم إعداده مع أمازون.

وكثرت المشاريع، وفي عام 2021 وحده، حققت نوليوود إيرادات بقيمة 660 مليون دولار لنيجيريا، أي 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في أفريقيا.

ولهذا القطاع قدرات كامنة ضخمة، بحسب المحللين الماليين.

وبالتالي بات في إمكان إستر أباه ورفاقها أن تحلم، ليس فقط في لوس أنجلس بل كذلك في لاغوس، بمسيرة سينمائية زاهرة.

18