مدارس أشبال الأمة في الجزائر ثكنات صارمة للأطفال

الجزائر – تشهد مدارس أشبال الأمة التابعة للجيش الجزائري، والتي أعيد افتتاحها في 2008، إقبالا كبيرا من العائلات الراغبة في إعداد أبنائها وبناتها للالتحاق بالكليات العسكرية، ما يجعلها حسب مراقبين أهم خزانات المؤسسة العسكرية لخلق جيل من الكوادر بنشأة عسكرية مبكرة.
وتضم الجزائر حاليا عشر مدارس لأشبال الأمة تتبع وزارة الدفاع الوطني موزعة على مختلف مناطق البلاد، منها ثلاث لتلاميذ الطور الثانوي مفتوحة للإناث أيضا وسبع أخرى للطور المتوسط (ما بعد الابتدائي) وتقتصر على الذكور فقط.
وبحسب موقع وزارة الدفاع الجزائرية، “تم إحداث مدارس أشبال الأمة بهدف تأسيس قطب امتياز لتكوين كوادر المستقبل لفائدة الجيش الوطني الشعبي”.
ويلتحق الأطفال (أقل من 15 عاما) بمدارس أشبال الأمة بشروط مشددة حددتها القوانين المنظمة لهذه المدارس، كالتفوق الدراسي والتمتع باللياقة البدنية.
ويتكون النظام الدراسي في هذه المدارس من خليط بين المنهج التعليمي الرسمي في الجزائر وبين التدريب العسكري للطلبة، وبعد 3 سنوات يجتاز التلاميذ امتحان الباكالوريا الذي يسمح لهم في حال اجتيازه بالالتحاق بالأكاديمية العسكرية المتخصصة في تكوين ضباط الجيش والقوات الجوية والبحرية الجزائرية.
وكشف بيان لوزارة الدفاع، صدر في نهاية يوليو الماضي، أن مدارس أشبال الأمة العسكرية حققت نسب نجاح في شهادة الباكالوريا في 2018 بلغت 99.6 بالمئة.
وتحقق نفس النتيجة سنويا بالنسبة إلى تلاميذ الطور المتوسط حيث تصل نسبة النجاح مئة بالمئة أو قريبة منها في وقت يتراوح المتوسط السنوي لنسب النجاح في مؤسسات وزارة التعليم بين 48 و50 بالمئة. ويلتحق أغلب الناجحين في شهادة الباكالوريا من منتسبي مدارس أشبال الأمة في الجزائر بمدارس عسكرية متخصصة في تخريج الضباط،، أما الناجحون في الطور المتوسط فيكملون الدراسة الثانوية بهذه المدارس.
ويعود تأسيس مدارس أشبال الأمة العسكرية إلى 1963، أي بعد عام واحد من استقلال الجزائر في 1962.
ويقدر عدد ضباط الجيش من المتخرجين من مدارس أشبال الأمة، التي كانت تسمى قبل التسعينات القرن الماضي “أشبال الثورة”، أكثر من 4 آلاف ضابط بعضهم أحيل على التقاعد، والبعض الآخر يحتل مواقع قيادية مهمة حاليا في الجيش. وقال العقيد المتقاعد محمد علجان، وهو ضابط متخرج من ذات المدرسة، “كان إنشاء مدرسة أشبال الثورة بعد الاستقلال ضروريا بسبب العدد الكبير والضخم من اليتامى الذين خلفتهم ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي”.
وأوضح علجان “لكن هذه المدارس تحولت لاحقا إلى تقليد حافظت المؤسسة العسكرية عليه إلى غاية 1989، عندما أمر الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد (1979-1992) بغلقها لأسباب مجهولة”. وتابع “قرر الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة، إعادة بعث هذه المدارس مع تغيير اسمها في 2008، حيث باتت تسمى مدارس “أشبال الأمة”.
وأضاف العقيد المتقاعد “جاء قرار إعادة بعث مدارس أشبال الأمة بعد زيادة الطلب عليها من قبل فئات الشعب”. وأردف “في المناطق الريفية في الجزائر، يرتبط السكان بشكل كبير بالمؤسسة العسكرية وبالخدمة في الجيش، لهذا نجد أن 90 بالمئة تقريبا من جنود وضباط الجيش هم من أبناء القرى، وقد تزايدت المطالب بإعادة فتح هذه المدارس”.
أما الضابط المتقاعد الرائد حسن جادور، الذي درس قبل 40 عاما في هذه المدارس، فيقول “يوجد الآن بعض كبار الضباط في الجيش من خريجي مدارس أشبال الثورة”.
ويضيف جادور “يوجد أيضا الآن المئات من ضباط الجيش الشباب الذين تخرجوا في عامي 2016 و2017 من الأكاديمية العسكرية بعد أن حصلوا على تكوين مدته 7 أعوام، منها 3 أعوام في مدارس أشبال الأمة، و4 أعوام في الأكاديمية العسكرية المتخصصة في تكوين الضباط في شرشال، غرب العاصمة”.
وقبل سبتمبر من كل عام، تنظم وزارة الدفاع مسابقة لدخول هذه المدارس بعد عملية تسجيل إلكتروني عبر موقع الوزارة الرسمي.
وحسب تصريحات سابقة للعميد عبد الحفيظ بلمكي، المفتش المركزي لهذه المدارس بوزارة الدفاع، فإنه خلال الموسم الدراسي المنقضي (2017/ 2018) أحصت هذه المدارس 2400 تلميذ من الذكور والإناث في الطورين المتوسط والثانوي.
وقال عمار ركيب، والد أحد التلاميذ الذي تقدم بملفه للدراسة في مدرسة أشبال الأمة بالبليدة (جنوب العاصمة الجزائرية) هذا العام “بينما لا تتعدى القدرة الاستيعابية لهذه المدرسة (البليدة وهي أكبر مدارس أشبال الأمة في الجزائر بالنسبة للطور الثانوي) 1200 مقعد، اكتشفت من خلال رقم تسجيل ابني في المدرسة أن 11 ألفا و780 عائلة سجلت أبناءها قبل الخضوع لعملية اختيارهم”.
وأوضح ركيب “هذا يعنى أن الإقبال كبير جدا على هذه المدارس. وفي الماضي أي قبل 30 أو 40 عاما كان الملتحقون بمدارس أشبال الثورة سابقا من أبناء الفقراء ومن اليتامى ولم يكن التلاميذ المتفوقون يرغبون في الالتحاق بهذه المدارس”. وتابع قائلا “أما اليوم فإن الملتحقين بهذه المدارس أغلبهم تلاميذ متفوقون، يتمنى آباؤهم ضمان مستقبل مهني جيد لهم”.
ويقول رضا بخار، والد طالب في السنة الثانية ثانوي بمدرسة أشبال الأمة في البليدة، أيضا “فوجئت بمستوى التدريب الرياضي الذي حصل عليه ابني البالغ من العمر 16 سنة الآن، فهو إلى جانب الدراسة يتدرب تدريبا رياضيا يشمل اللياقة البدنية وفنون القتال، ورياضات أخرى”.
وتابع “التدريب الرياضي يوازيه تدريب آخر شبه عسكري لا يشمل إطلاق النار أو حمل السلاح، إضافة إلى أنه يدرس بشكل جيد في هذه المدرسة”.
وتؤمن مدارس أشبال الأمة للتلاميذ حاجياتهم من حيث الإطعام والمبيت وتقدم لهم الألبسة العسكرية والرياضية، وهو ما يدفع بالعائلات الفقيرة إلى الإصرار على إلحاق أبنائها بهذه المدارس، الأمر نفسه بالنسبة إلى الإناث حيث تتوفر المدارس على أقسام خاصة بالفتيات.
وتشترط القوانين المنظمة لعمل مدارس أشبال الأمة الحصول على موافقة رسمية من والد أو والدة التلميذ الجديد، يتم تجديدها كل عام. وتسمح القوانين أيضا لأسرة أي تلميذ بسحب ابنها في أي وقت شاءت ووقف التكوين أو الدراسة ونقله إلى مدرسة مدنية، كما تعطي القوانين ذاتها لإدارة المدرسة الحق في فصل أي تلميذ، لأسباب تأديبية.
وأثارت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، قبل أشهر، نقاشا حول موضوع مدارس أشبال الأمة في الجزائر، وطالبت سلطات البلاد بالإجابة على بعض الأسئلة المتعلقة بشبهة تجنيد الجيش الجزائري للأطفال.
وطالب مقررا الفريق الأممي في مجال حماية الطفولة، “آهو أسوما” و”برنار غاستو”، في منتصف مايو 2018، البعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة بتوضيح مدى تطابق وضع هذه المدارس شبه العسكرية، مع القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال ومنع تجنيد القصر. وبحسب وسائل إعلام محلية، رد مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة في جنيف، توفيق جوامع، على التساؤلات الأممية قائلا إن “مدارس أشبال الأمة، مؤسسات حكومية تابعة لوزارة الدفاع، يتم استقبال التلاميذ فيها بموافقة واقتراح من أولياء أمورهم”.
وأشار إلى أنّ الأطفال المنتسبين إلى هذه المدارس “لا يخضعون للنظام العسكري أو الالتزامات العسكرية، وتتم مراعاة متطلبات طفولتهم”. وأضاف أن هذه المدارس “متاحة للبنات كما للذكور، الذين أتموا سن الـ12، ليحصلوا على تكوين عسكري مع شهادة الباكالوريا، ويتم السماح لهم بالالتحاق بالجامعات”.
ويرى المقدم عبدالمجيد مزوار، الضابط المتقاعد المتخرج من مدرسة أشبال الثورة في 1982، أنه “لا يمكننا أن نسمي مدارس أشبال الأمة عملية تجنيد لأطفال أو لأشخاص غير بالغين”.
وأوضح مزوار “هذه المدارس في واقع الأمر نصف مدنية ونصف عسكرية، ويسمح لأي تلميذ فيها بالمغادرة في حال قررت أسرته ذلك”.