مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين ملاذ للمتطرفين

المخيم يشهد تصعيداً جديداً واشتباكات دامية بين حركة فتح ومجموعات إسلامية متشددة.
السبت 2023/09/09
سلاح منفلت يؤازر الراديكالية

بيروت - تأسّس مخيم عين الحلوة في أعقاب حرب 1948 ليستضيف لاجئين فلسطينيين فرّوا إلى لبنان، ويضمّ اليوم عشرات الآلاف من السكان في أحياء فقيرة، وبات بؤرة لإسلاميين متطرفين وخارجين عن العدالة.

ويُعرف عن المخيم اليوم إيواؤه مجموعات إسلامية متشددة وخارجين عن القانون، وبينهم المغني اللبناني الفلسطيني فضل شاكر الذي شارك في 2013 في معارك ضد الجيش اللبناني قرب مدينة صيدا وصدر بحقه حكمان غيابيان بالسجن.

ويشهد المخيم بين وقت وآخر عمليات اغتيال وأحيانا اشتباكات خصوصاً بين فصائل فلسطينية ومجموعات متشددة.

وشهد المخيم الواقع في مدينة صيدا في جنوب لبنان الخميس والجمعة تصعيداً جديداً بعد أسابيع من اشتباكات دامية كانت الأعنف منذ سنوات، بين حركة فتح، الفصيل الفلسطيني الأبرز، ومجموعات إسلامية متشددة.

وتعد حركة فتح الفصيل الأبرز في المخيم الذي تتواجد فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي. وتتخذ مجموعات إسلامية متطرفة من حي الطوارئ في المخيم معقلاً لها، وهي المنطقة التي شهدت الاشتباكات الأخيرة مع حركة فتح.

سحر الأطرش: مخيم عين الحلوة للاجئيين أرض خصبة للمتطرفين
سحر الأطرش: مخيم عين الحلوة للاجئيين أرض خصبة للمتطرفين

ولا تتجاوز مساحة عين الحلوة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الـ12 في لبنان، الكيلومترين مربعين، ويقطن فيه 54 ألف لاجئ فلسطيني، إضافة إلى ستة آلاف فلسطيني آخرين فرّوا من سوريا المجاورة جراء النزاع المستمر فيها منذ 12 عاماً.

وكما باقي المخيمات الفلسطينية لا تدخل القوى الأمنية اللبنانية عين الحلوة بموجب اتفاق ضمني قائم منذ سنوات طويلة بين السلطات اللبنانية والفلسطينيين. وتتولّى الفصائل الفلسطينية نوعاً من الأمن الذاتي داخل المخيمات عبر قوة أمنية مشتركة.

ويرى محللون أن مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في الجنوب يعتبر الأكثر إيواء لمجموعات متطرفة.

ويقول الصحافي حازم الأمين الخبير في المجموعات الاسلامية، والذي قام بتحقيقات عديدة عنها في المنطقة لوكالة فرانس برس، “نظريا، هذا هو المحيط المثالي الذي تختار فيه القاعدة إجمالا خلاياها النائمة التي يمكن استعمالها في أيّ وقت”.

ويضيف “هذا ليس بالأمر المطمئن. قد لا يحصل شيء على الفور، لكن الاحتمال وارد باستمرار”.

ولا يمكن تجاهل مظاهر الفقر والعنف في عين الحلوة حيث تتلاصق المساكن وتتدلى أشرطة الكهرباء على جدران لا تزال بادية عليها آثار الرصاص، بينما تنتشر السيارات المهجورة هنا وهناك.

ويعيش الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة وغيرها من المخيمات إجمالا في ظروف مزرية. وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إنهم يعانون من تداعيات القيود التي تفرضها السلطات اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين مثل منع عملهم في قطاعات واسعة، والانهيار الاقتصادي في لبنان، والاكتظاظ، فضلاً عن الفوضى الأمنية.

وتتجاوز نسبة الفقر في المخيمات الفلسطينية الـ80 في المئة، وفق الأونروا التي تدير ثماني مدارس في مخيم عين الحلوة وحده.

وهناك 489292 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا، إلا أن المتواجدين في لبنان يقدرون بـ250 ألفاً.

وترى سحر الأطرش من مجموعة الأزمات الدولية، وهي مركز أبحاث يتخذ من بروكسل مقرا، إن المخيمات لاسيما عين الحلوة، أرض خصبة للمتطرفين.

وتقول “إنه سجن صغير. الظروف مأساوية ولا آفاق مستقبلية لسكانه”، مضيفة “هذا هو المحيط الذي يجند فيه الجهاديون عناصرهم”.

وتوضح أن الأمر لا يتعلق “بالحركات الإسلامية التقليدية مثل حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، إنما بالمجموعات التي تتبع الجهاد الشامل”. وترى الأطرش ان الحكومات اللبنانية المتعاقبة ملامة على الوضع البائس للمخيمات.

وأقيم المخيم بعد نكبة 1948 التي تهجّر خلالها 760 ألف فلسطيني مع تأسيس دولة إسرائيل، ووصل إليه بداية مهجرون من المدن الساحلية الفلسطينية. لذلك، تحمل الكثير من أحيائه أسماء مدن وقرى فلسطينية، ويصفه البعض بـ”عاصمة الشتات”.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل إلى مخيم عين الحلوة لاجئون فلسطينيون فرّوا من مناطق لبنانية أخرى، وانضم اليهم لاحقاً آخرون نزحوا من مخيم عين البارد في شمال لبنان

وعلى مرّ السنوات، دخلت المخيّم، كما العديد من المخيمات الفلسطينية الأخرى، ترسانات هائلة من السلاح. وبدأ ذلك مع إبرام اتفاق القاهرة في 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في أوج قوتها، والسلطات اللبنانية، برعاية عربية.

وسمح الاتفاق السرّي في حينه بإقامة قواعد عسكرية للفصائل الفلسطينية في لبنان، وتنظيم العمل الفلسطيني المسلّح داخل المخيمات، بهدف مواجهة إسرائيل.

إلا أن السلاح الفلسطيني تدخّل في الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، ما عقّد العلاقات اللبنانية – الفلسطينية. وتلته تدخلات سورية وإسرائيلية. وألغي اتفاق القاهرة في العام 1987، ولو أن مفاعيله لم تنته.

وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل إلى مخيم عين الحلوة لاجئون فلسطينيون فرّوا من مناطق لبنانية أخرى، وانضم اليهم لاحقاً آخرون نزحوا في 2007 من مخيم عين البارد في شمال لبنان الذي شهد اشتباكات بين مجموعات إسلامية والجيش اللبناني.

ويروي الباحث الفلسطيني سهيل الناطور أن الفلسطينيين كانوا يعيشون في البداية تحت الخيام، قبل أن يبنوا منازل إسمنتية عشوائية بغالبيتها.

وخلال اجتياحها للبنان في العام 1982 “دمّرت القوات الإسرائيلية المخيم واعتقلت المئات من الأشخاص داخله”، لكن سكانه ما لبثوا أن أعادوا بناء منازلهم شيئاً فشيئاً.

والمخيم محاط اليوم بجدار بناه الجيش اللبناني الذي ينشر حواجز أمام مداخله الأربعة.

6