مخيم الركبان في قلب صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن

روسيا ترى في مخيم الركبان ذريعة أميركية للحفاظ على "احتلال غير مشروع في الجنوب" وجيبا أخيرا للمعارضة المناوئة للأسد لابد من سحقه.
الاثنين 2019/04/29
ظروف عيش مخيم الركبان من سيء إلى أسوأ

عمان- عندما بدأ أولاد عبدالله العمور يتضورون جوعا قرر أن الوقت قد حان للرحيل عن مخيم الركبان الذي لجأ إليه مع أسرته ليواجه بذلك مصيرا مبهما تحت حكم الرئيس السوري بشار الأسد.

كان العمور تاجر الماشية القادم من مدينة تدمر قد لجأ إلى المخيم الواقع على الحدود السورية مع الأردن والعراق قبل أكثر من ثلاث سنوات بعد أن دمرت ضربات جوية روسية بيته أثناء استهداف المناطق التي كانت خاضعة في ذلك الوقت لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

والأوضاع في الركبان قاسية لكنه يتيح ميزة كبرى لسكانه البالغ عددهم 36 ألفا ألا وهي الحماية من الضربات الجوية الروسية ومن القوات المؤيدة للحكومة السورية بفضل موقعه قرب قاعدة أميركية.

إلا أن مقيمين في المخيم ودبلوماسيين يقولون إن الحياة فيه سارت من سيء إلى أسوأ حتى باتت شبه مستحيلة في الأسابيع الأخيرة، فقد تدهورت أزمات نقص الغذاء نتيجة للحصار الذي تفرضه القوات الحكومية والروسية التي تريد تفكيك المخيم وإخراج القوات الأميركية من سوريا.

وقال العمور (46 عاما) لرويترز هاتفيا من المخيم “تأكل الطعام اليوم لكن غدا لا يوجد ما تقتاته. الناس ذبحهم الجوع”.

وأضاف أن ابنه حمزة ابن الثلاثة أعوام أصابه الهزال من جراء إطعامه ماء محلى بالسكر بدلا من الحليب المجفف. ويضاف الحصى والتراب إلى العجين لإطالة أمد إمدادات الطحين (الدقيق).

أكثر من 7000 مدني يرحلون مع اشتداد الجوع والفقر
أكثر من 7000 مدني يرحلون مع اشتداد الجوع والفقر

وتقول مصادر محلية إن القوات الروسية وقوات الحكومة السورية عمدت إلى قطع الإمدادات عن المخيم منذ منتصف فبراير وسدت الطرق التي كان المهربون يلجأون إليها بالرشوة عبر نقاط التفتيش التابعة للجيش وأطلقت النار على بعض العربات.

وحثت واشنطن، الخميس، دمشق وموسكو على السماح بتوصيل مساعدات دولية إلى مخيم الركبان والامتناع عن سد الطرق التجارية المؤدية إلى المخيم “لتفادي المزيد من المعاناة”.

ومع تزايد الأزمات خرج سيل مستمر من اللاجئين من الركبان إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة. وقالت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إن نحو 7000 شخص رحلوا عن المخيم في الشهر الأخير تقريبا حيث يتم نقلهم بالحافلات إلى ما تسميه السلطات السورية مراكز إيواء.

لجأ بعضهم إلى ملاجئ في مدينة حمص حيث يعمل البعض على تسوية أوضاعهم مع السلطات وانتقل البعض الآخر إلى مناطقهم الأصلية في محافظة حمص. ويقول البعض إن ملاجئ مدينة حمص هي مراكز احتجاز للكثير من الرجال.

ويقع مخيم الركبان في قلب صراع بين روسيا والولايات المتحدة على السيطرة على جنوب شرق سوريا وعلى طريق بري يؤدي إلى العراق وإلى إيران الحليف الإقليمي الرئيسي للأسد.

وترى روسيا، التي ساعد جيشها الأسد في استعادة السيطرة على جزء كبير من سوريا، في مخيم الركبان ذريعة أميركية للحفاظ على “احتلال غير مشروع في الجنوب”، وجيبا أخيرا للمعارضة المناوئة للأسد في جنوب سوريا لا بد من سحقه.

مساعدات إنسانية شحيحة
مساعدات إنسانية شحيحة

ويبدو من المستبعد أن يدفع إخلاء المخيم الولايات المتحدة إلى التخلي عن حاميتها القريبة في التنف ومنطقة منع الصدام التي تشمل الركبان، فقاعدة التنف تعتبر أداة مفيدة في خدمة الأهداف الأميركية في التصدي لإيران.

غير أن روسيا عازمة على هدم المخيم. وسيمثل ذلك مكسبا لموسكو في سوريا بعد أن توقف تقدمها العسكري في مناطق أخرى من البلاد ومن ثم تأكيد نفوذها على منطقة تخضع للسيطرة الأميركية.

وقد اتهمت موسكو ودمشق واشنطن باحتجاز سكان الركبان رهائن، بل وشبهت روسيا الأوضاع فيه بمعسكرات الاحتجاز في الحرب العالمية الثانية، فيما ردت الولايات المتحدة بأنها لا تمنع أحدا من مغادرة الركبان ودفعت في الوقت نفسه إلى إرساء عملية “للرحيل الطوعي الآمن الذي يحفظ للناس كرامتهم”. ولم تستجب وزارة الدفاع الروسية على الفور لطلب التعليق على الأمر.

ويخشى كثيرون من سكان الركبان العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ويقولون إن من الممكن احتجازهم أو إرغامهم على الخدمة العسكرية، علاوة على أنه في حالات كثيرة تصعب عليهم العودة إلى مدنهم المهدمة. وهذا الخوف شائع بين اللاجئين الذين لا يقتنعون بالتطمينات الروسية التي تفيد بأنهم لا يواجهون أي تهديد.

وعلى مر السنين أخذ المخيم بعض ملامح الديمومة بما في ذلك بناء منازل من الطوب النيء ومدارس وأسواق. وفتح إبراهيم الناصر متجر بقالة في الركبان إلا أنه اضطر إلى إغلاقه بسبب نقص السلع. وقال وهو على وشك مغادرة المخيم إنه لم يعد يهتم بمصيره ولا يريد إلا إنقاذ أولاده من الجوع.

مخيم الركبان يقع على طريق بري يؤدي إلى العراق وإلى إيران
مخيم الركبان يقع على طريق بري يؤدي إلى العراق وإلى إيران 

وأشار أبوأحمد الدرباس الخالدي رئيس المجلس المحلي الذي تديره المعارضة في المخيم إلى أن تناقص الإمدادات الغذائية لا يترك لسكان الركبان خيارا سوى الرحيل.

وتوقف المخبز الوحيد في المخيم عن إنتاج الخبز هذا الشهر.

وأصبح سعر الطحين، إذا ما وُجد، 40 ألف ليرة سورية (70 دولارا)، أي ثمانية أمثال سعره في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة.

ونشرت وسائل إعلام تابعة للدولة في سوريا صورا للراحلين عن مخيم الركبان في حافلات خضراء بمرافقة أمنية.

واتهم أحد الراحلين عن الركبان “جماعات متشددة بقيادة واشنطن بوضعنا تحت ضغط وحرماننا من الطعام والماء حتى ننضم إليها”.

غير أن مصادر في الركبان قالت إنه تم احتجاز الراحلين عن المخيم لأسابيع في معسكرات احتجاز في حمص قبل نقلهم إلى السجن أو إطلاق سراحهم أو إلحاقهم بالجيش.

7