مخيم أم راكوبة في السودان يُفتح مجددا للآلاف من الإثيوبيين

25 ألف إثيوبي يفرون من الحرب الدائرة في إقليم تيغراي الإثيوبي المجاور.
الثلاثاء 2020/11/17
لاجئون يائسون

مخيم أم راكوبة (السودان) - في أرض قاحلة تغطيها أشعة الشمس الحارقة في شرق السودان النائي، يحاول عمال الإغاثة إعادة بناء مخيم لاجئين من أجل استضافة 25 ألف إثيوبي فروا من الحرب الدائرة في إقليم تيغراي الإثيوبي المجاور.

وقد دفعت الضربات الجوية والقصف الصاروخي والمدفعي الرجال والنساء والأطفال المنهكين والمذعورين إلى مكافحة الحر والجوع هربًا من ضراوة القتال في شمال إثيوبيا.

وأعاد السودان، أحد أفقر دول العالم والذي يواجه الآن تدفقًا هائلاً من اللاجئين الإثيوبيين، فتح مخيّم أم راكوبة الذي يبعد ثمانين كيلومترا عن الحدود مع إثيوبيا.

والمفارقة أن هذا المخيم كان يأوي قديما اللاجئين الإثيوبيين الذين تمكنوا من الفرار من بلادهم أثناء المجاعة التي دارت بين عامي 1983 و1985 والتي أودت بحياة أكثر من مليون شخص.

اليوم، لم يتبقّ سوى مبنيين دائمين في المخيم الذي أغلق قبل سنوات؛ بناء قديم بدون سقف كان يستخدم كمدرسة وعيادة سابقة مهدّمة، ما جعل العائلات اللاجئة اليائسة تتكدس تحت ظلال الأشجار في موقع المخيم.

ويقوم آخرون بنصب خيامهم أو الاستلقاء على أغطية بلاستيكية توفرها لهم جمعيات الإغاثة.

ويقول غابرييل هايلي (37 عاما) أحد الوافدين الجدد “أترون؟ أنا جالس على الأرض مع بناتي الثلاث الصغيرات”.

وأضاف “اعتقدنا أن السلطات سوف تنقلنا إلى هنا لأن هناك ملاجئ، لكن لم نجد شيئا، فقيل لنا أن ننتظر”.

وحتى الآن، تم توفير الإغاثة الأساسية فقط في المخيم النائي الواقع وسط حقول مهجورة على بعد حوالي 10 كيلومترات من أقرب قرية سودانية.

وشملت عناصر الإغاثة الأساسية توفير مياه الشرب من قبل منظمة اليونيسف، كما يقوم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بتوزيع حصص الذرة والعدس بمساعدة مفوضية اللاجئين السودانية، ويدير الهلال الأحمر عيادة ميدانية في خيمة.

وبدأ العشرات من العمال السودانيين حفر الخنادق في الأرض الصخرية لمد أنابيب المياه وبناء أساسات لملاجئ خشبية ومكاتب إدارية.

وقال آدم محمد، أحد العمال، “تم وصل الكهرباء اليوم، لكن قد يستغرق الأمر ما لا يقل عن سبعة إلى عشرة أيام من العمل الشاق ليكون كل شيء جاهزا”.

من جهته، أكد مدير المخيم عبدالباسط عبدالغني، أن “الشيء الأكثر إلحاحا اليوم هو بناء ملاجئ”.

الكثيرون يشعرون بصدمة نفسية بعد تحذيرات الأمم المتحدة من هجمات تستهدف المدنيين على أساس عرقهم أو دينهم
الكثيرون يشعرون بصدمة نفسية بعد تحذيرات الأمم المتحدة من هجمات تستهدف المدنيين على أساس عرقهم أو دينهم

وأوضح “خطتنا هي إنشاء ثلاثة قطاعات يمكن أن يستوعب كل منها 8 آلاف شخص”، مشيرا إلى استخدام “أرض المخيم القديم، وإذا استطعنا سنقوم بتوسيعها لتشمل الأرض المجاورة”.

وقال عبدالغني “هذه هي المرة الثانية التي أشارك فيها في إنشاء هذا المخيم”.

وحسب عبدالغني، فقد بدأ العمل في مفوضية اللاجئين السودانية عام 1985 إلى أن أصبح رئيسها اليوم.

ويعلّق “في ذلك الوقت (الثمانينات) استقبلت إثيوبيين فارين من المجاعة، والآن أستقبلهم لأنهم فروا من الحرب”.

وكانت مجاعة الثمانينات بإثيوبيا، في شمالها الجبلي القاسي، بسبب الجفاف الذي تفاقم بسبب الصراع بين الدكتاتور الحاكم آنذاك منغستو هيلا مريام والمتمردين من إريتريا وإقليم تيغراي.

وبعد عشرين عاما من مغادرته مخيم أم راكوبة شرق السودان الذي لجأ إليه هربا من المجاعة التي فتكت بإثيوبيا، يتجهز برهان يوسف (77 عاما) للعودة رفقة ابنته إلى المكان الذي ولدت فيه.

هذه المرة، عبر نهر سيتيت الذي يفصل البلدين على ظهر قارب متداع مع كثير من رفقاء المعاناة هربا من الحرب التي تعصف بمسقط رأسه تيغراي حيث يشن الجيش الفدرالي هجوما على القوات المحليّة المتمردة.

ويضع نظارات شمس وصندالا بلاستيكيا وقميصا أبيض وسروالا خفيفا، وصار الآن يتكئ على عصا، لكنه سريعا ما استعاد عاداته القديمة.

وفي منطقة حمداييت الحدودية في ولاية كسلا، يقف برهان يوسف في الطابور للحصول على قليل من الغذاء.

ويقول “كنت في الأربعين عند وصولي إلى مخيم أم راكوبة حيث ربيت أطفالي الأربعة. لم يرغب أي من أبنائي الثلاثة العودة إلى المخيم مجددا، رافقتني ابنتي فقط. كانت في السابعة عندما عدنا إلى حمرا في إثيوبيا، اليوم صار عمرها 27 عاما”.

ويؤكد الرجل الذي ينتظر الانتقال إلى وجهته “أتذكر بشكل جيد هذا المخيم الذي عشت فيه أعواما عدة والعودة إليه لا تمثل أفقا جيدا. عزائي الوحيد هو ملاقاتي أصدقاء سودانيين لم أرهم منذ أعوام بعيدة”.

المزارع غابرييل (40 عاما) ولد في أم راكوبة وعاش في المخيم لعشرين عاما. يشدد هذا الرجل الذي يرفض كشف اسمه الحقيقي لأسباب تتعلق بأمنه، “سادني حزن لا يقاس لأنني عندما رحلت قبل عشرين عاما لم أكن أظن أبدا أني سأعود كلاجئ بائس”.

وأضاف أثناء انتظار دوره للحصول على وجبة طعام “دفعتني الحرب إلى العودة ولا أعلم إلى متى سأعيش في الوضع المزري الذي ولدت فيه”.

وفي الوقت الحالي، يحتمي نحو 2500 لاجئ إثيوبي في المخيم السوداني، وتتوقع السلطات في الخرطوم ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تضاعف عدد الوافدين.

ويشعر الكثيرون بصدمة نفسية بعد أن شهدوا ما حذرت الأمم المتحدة من أنه قد يرقى الى جرائم حرب و”هجمات تستهدف المدنيين على أساس عرقهم أو دينهم”.

وصرح أحد اللاجئين، داهلي بورهان البالغ من العمر 32 عامًا، أنه يشعر بالامتنان والخوف معا.

وقال “السودانيون يفعلون الكثير من أجلنا، أشكرهم، لكننا قريبون جدا من الحدود والمكان منعزل جدا.. إنه أمر خطير للغاية إذا انتشرت الحرب”.

Thumbnail
20