مخاوف لبنانية من رفع الدعم وسط غياب سلع أساسية وارتفاع جنوني للأسعار

حسان دياب يحذّر من أن أي خطوة لرفع دعم سلع أساسية في الوقت الحالي ستؤدي إلى “انفجار اجتماعي”.
الجمعة 2020/10/09
55 بالمئة من السكان تحت خطّ الفقر

بيروت – يتوجّس اللبنانيون من إقدام السلطات على رفع الدعم عن منتوجات أساسية، فتعمّق هذه الخطوة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بهم منذ سنوات واشتدت حدتها منذ انفجار مرفأ بيروت، حتى بات أغلبهم غير قادر على توفير احتياجاته اليومية.

ولا يستطيع سائق السيارة الأجرة، اللبناني فؤاد خماسي البالغ من العمر 53 عاما، سوى شراء الوقود لسيارته والطعام لأطفاله. أصبح يعيش في غلالة من القلق، تحاصره المخاوف من أن تقفز أسعار الغذاء والواردات الأساسية المدعومة، كالقمح والوقود والدواء، وتناطح السحاب.

ويبتلع خزان الوقود في سيارة خماسي حوالي 40 ألف ليرة كل يوم، لكن هذا الرقم قد يتضاعف لأربعة أمثاله على الأقل إذا توقف الدعم.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب الجمعة إن أي خطوة لرفع دعم سلع أساسية في الوقت الحالي غير مقبولة وستؤدي إلى “انفجار اجتماعي”، وتابع "الداعمون لمثل هذا القرار سيتحملون المسؤولية".

وقال دياب إن ما جرى إنفاقه على استيراد الأدوية والمواد الغذائية والطحين والمحروقات، بلغ منذ بداية 2020 نحو أربعة مليارات دولار.

الوقت ينفد والمال ينضب في لبنان

طريق إلى مستقبل مجهول
طريق إلى مستقبل مجهول

قال خماسي “هذه أصعب أيام حياتي.. في بعض الأيام، تضع يدك في جيبك فلا تجد شيئا…أغادر المنزل وليس بوسعي سوى الدعاء”.

وهوت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي بشدة دون ما كانت تعتبره الدولة بالفعل “مستويات خطيرة” عندما تخلفت عن سداد ديونها الضخمة في مارس، في دلالة على أنها لا تستطيع تحمل تكلفة الحفاظ على الدعم لفترة طويلة.

ولم يضع القادة، الذي يقبضون منذ عقود على زمام السلطة في البلاد، خطة للإنقاذ المالي حتى الآن، بعد عام من احتجاجات ضخمة اجتاحت البلاد، وفشلوا في تأمين المساعدات من المانحين الأجانب.

وتعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي في وقت سابق من هذا العام عندما عجز مسؤولو الحكومة والمصرفيون والأحزاب السياسية عن الاتفاق على حجم الخسائر في النظام المالي ومن يجب أن يتحملها.

وبعد الانفجار الكبير في مرفأ بيروت في أغسطس الذي أودى بحياة ما يقرب من 200 شخص وأحدث أضرارا بمليارات الدولارات، تدخلت فرنسا القوة الاستعمارية السابقة.

لكن الساسة الطائفيين المتنافسين لم يتمكنوا من تجاوز أول عقبة تقابلهم في خارطة الطريق الفرنسية للحصول على المساعدة المالية، المتمثلة في تشكيل حكومة جديدة بشكل سريع.

وترنحت عملة البلاد مع تعثر الجهود الفرنسية، بعد أن فقدت أكثر من 80 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ الخريف الماضي.

وفي غضون ذلك، تسببت تعليقات المسؤولين التي تشير إلى وقف بعض الدعم خلال أشهر في عمليات شراء بدافع الذعر، لتطل أشباح نقص الغذاء وانهيار أشد مأساوية لقيمة العملة.

أصبح كثيرون يستعدون للجوع والبرد مع اقتراب الشتاء في دولة يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، يعيش أكثر من 55 في المئة منهم تحت خط الفقر.

إرجاء التعامل مع المشكلة

صحة المواطن مهددة جراء فقدان الأدوية
صحة المواطن مهددة جراء فقدان الأدوية

قال ناصر سعيدي نائب حاكم مصرف لبنان السابق إن كل ما حدث منذ أكتوبر الماضي كان من الممكن تفاديه، موضحا أن توجيه المساعدات إلى اللبنانيين الأشد فقرا هو إجراء أكثر فعالية من الدعم الشامل الذي استفاد منه المهربون الذين ينقلون البضائع إلى سوريا.

وتابع أن الأمر يتعلق بإرجاء التعامل مع المشكلة وأن ما كان ينبغي عمله يتمثل في خطة اقتصادية ومالية شاملة.

وقال مستوردو السلع الأساسية إنهم لم يتم إعطاؤهم جدولا زمنيا يوضح إلى متى يمكن أن يستمر الدعم.

وقال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إن المصرف لا يمكنه تمويل التجارة إلى أجل غير مسمى، إلا أنه لم يحدد إطارا زمنيا، وهو ما أعلنه الرئيس ميشال عون في الآونة الأخيرة، اذ قال إن المال سينفد، “ماذا نقول؟” في إشارة لاحتياطيات البلاد.

وقال مصدر مسؤول مقرب من الحكومة إن الأموال المتبقية للدعم ستستمر لستة أشهر أخرى عبر قطع الدعم عن بعض السلع.

وتتراشق الدولة، التي يصفها المعارضون بأنها غارقة في الفساد، والقطاع المصرفي المشلول، وهو أكبر دائنيها، بسهام النقد في معركة المسؤولية عن الأزمة.

في غضون ذلك، تزداد الفجوة اتساعا بين الفقراء والأثرياء، رغم أنها بالفعل تقف بين أكبر نظيراتها في المنطقة. وفي بلد ينتج القليل ويعتمد بشكل كبير على الواردات، تضاعفت أسعار الكثير من المواد الاستهلاكية حتى حفاضات الأطفال التي زاد سعرها لثلاثة أمثال.

وفي بيروت، يبحث رجال ونساء، بعضهم برفقة أطفال صغار، عن الطعام في حاويات القمامة، قرب مفترقات الطرق في مشهد يمكن أن يتكرر كثيرا.

تخزين الأدوية

أسعار باهظة
أسعار باهظة

بعد شهرين من انفجار المرفأ، يتوقع اللبنانيون حياة أشد قسوة، اذ تعتمد الكثير من العائلات الآن على المؤسسات الخيرية. وقد يدفع الانهيار الاقتصادي الناس للاعتماد بشكل أكبر على الفصائل السياسية في الحصول على المساعدات والأمن، في ردة إلى عصر الميليشيات إبان الحرب الأهلية.

وكان بعض المحللين قد حذروا من أن قوات الأمن التي تتراجع قيمة رواتبها بسرعة لن تكون قادرة على احتواء الاضطرابات المتزايدة.

وتتحمل المستشفيات ما يفوق طاقتها تحت وطأة الزيادة في حالات كوفيد-19. وأظلمت شوارع المدينة بفعل نقص الوقود. ووقفت السيارات في طوابير أمام المحطات للحصول على حصتها.

وقالت سهام عيتاني الصيدلانية التي تشعر بالخوف من ارتفاع الأسعار والتعرض للسرقة “نحن خائفون من ألا نتمكن من الاستمرار” مضيفة أن إمدادات الأنسولين وأدوية ضغط الدم تراجعت بالفعل.

وقالت صيدلانية أخرى إن رجلا كان يخفي وجهه وراء قناع احتجزها تحت تهديد السلاح وطلب منها طعاما لطفل رضيع.

وقام مصطفى المهلهل، الذي يبلغ من العمر 62 عاما ويعاني من السكري، بتخزين أربع قوارير من الأنسولين في ثلاجته، لكنها فسدت بفعل انقطاع التيار الكهربائي.

وقال “لو ارتفع السعر، كيف سأدفع ثمنها؟.. سيموت الناس في الشوارع”.