مخاطر سياسة ضبط النفس الأميركية في سوريا

تواجه القوات الأميركية الموجودة في سوريا هجمات متصاعدة يُرجعها البعض إلى تجاهلها من قبل الولايات المتحدة وهو ما شجع الواقفين خلفها على التمادي وتصعيد الاستهداف، حيث لم تتوقف تلك الهجمات في العام الماضي واستمرت هذا العام إذ سقطت في وقت سابق من شهر يناير الجاري 8 صواريخ على قاعدة عسكرية تستضيف القوات الأميركية في شمال شرق سوريا.
دمشق - يُثير غياب رد حازم من الولايات المتحدة على تعرض القوات الأميركية لهجمات في سوريا تساؤلات بشأن غياب هذا الرد وتداعياته المحتملة، خاصة وأن تلك الهجمات تصاعدت بشكل لافت في العام الماضي.
ولم تتوقف هذه الهجمات مع بداية العام الحالي حيث سقطت في وقت سابق من شهر يناير الجاري 8 صواريخ على قاعدة عسكرية تستضيف القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، مما يشير إلى استمرار مسلسل استهداف الجنود الأميركيين.
في الوقت الذي لم تتبن فيه أيّ جهة مسؤولية الهجمات المتزايدة على القوات الأميركية تشير المعطيات المتوفرة إلى أن هناك استجابة فاترة من واشنطن حيال هذه الهجمات، حيث لم يتم ردع الجهات المسؤولة عنها لعدة أسباب وفقا لمراقبين، ومن أبرز هذه الأسباب:
أولاً غياب ضحايا أميركيين؛ ذلك أن الجهات المسؤولة عن الهجمات تستهدف من خلالها بعث رسائل بدلاً من إلحاق أي أضرار، وثانياً قرار واشنطن الواعي بتجنب الرد شجع من يشن تلك الهجمات على استخدام الصواريخ كوسيلة أساسية للتواصل.
ويُعتقد أن لدى الولايات المتحدة حوالي 900 جندي منتشرين في سوريا، وتركز هذه القوات على دعم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد لمواصلة الضغط على فلول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومنعهم من استعادة الأراضي، بالإضافة إلى لعب دور استشاري، ويقوم الجنود الأميركيون بدوريات منتظمة في شمال شرق سوريا ويشاركون في عمليات أمنية ضد الجماعات التابعة للتنظيم المتطرف.
استجابة فاترة
لكنْ لا تتمركز جميع القوات الأميركية داخل المنطقة الخاضعة للسيطرة الكردية، حيث لواشنطن وجود عسكري كبير نسبيًا في التنف التي تقع على طريق استراتيجي يربط طهران بلبنان عبر العراق وسوريا.
وبالتالي ينظر خبراء عسكريون إلى القاعدة على نطاق واسع على أنها جزء من الاستراتيجية الأميركية الكبرى لاحتواء النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة، وذلك من بين الأسباب الأخرى التي تتعلق بالتنافس التاريخي بين البلدين، والتي منعت طهران من اعتبار واشنطن شريكاً تكتيكيّا في الحرب على داعش في سوريا.
قرارات بايدن الانسحاب من أفغانستان وإنهاء المهمة القتالية في العراق شجعت الميليشيات المدعومة من إيران على جس نبض واشنطن في كل من سوريا والعراق
ويتضح ذلك في ارتفاع وتيرة الهجمات ضد المواقع العسكرية الأميركية الرئيسية في سوريا، وبحسب ما ورد فقد تعرضت القوات الأميركية لما معدله هجوم واحد كل شهر منذ يونيو 2021، وهو معدل غير مسبوق في تاريخ العمليات الأميركية في سوريا، وقد تمت معظم هذه العمليات ضد مواقع أميركية في دير الزور حيث تتمركز عمليات هذه القوات ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى الرغم من أهميتها بالنسبة إلى إيران جاءت قاعدة التنف في المرتبة الثانية، وذلك لأن استهداف المواقع الأميركية في الشمال الشرقي أسهل بكثير، كما يسمح موقع التنف في صحراء البادية السورية للولايات المتحدة بتحديد أي مهاجمين أرضيين والقضاء عليهم بسهولة، كونها منطقة مسطحة وغير مأهولة.
وقد لجأ المنفذون لهجمات ضد أهداف أميركية إلى استخدام طائرات دون طيار (الدرون) للتغلب على تلك العقبة العملياتية. وعلى عكس صواريخ أرض – أرض قصيرة المدى التي استخدمت في هجمات أخرى، يتطلب استخدام الطائرات دون طيار المزيد من الخبرة التقنية، وبسبب ذلك كشف استخدامها عن معلومات قيمة حول هوية المهاجمين.
وهذه الطائرات المسيرة المستخدمة في هذه الهجمات أكثر تعقيدًا من الأجهزة التجارية المعدلة التي تستخدمها مجموعات مثل داعش، والأهم من ذلك أنها تشبه الطائرات المستخدمة ضد القواعد الجوية الأميركية في العراق، كما تعكس الهجمات في سوريا أيضًا التكتيكات التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في اليمن والعراق. وتشير هذه القراءات، من ضمن ما تشير إليه، إلى أن إيران أو الجماعات المدعومة من إيران وراء تلك الاعتداءات.
تشجيع ميليشيات إيران
بالرغم من أن الانطباع السائد بشأن الهدف من هذه الهجمات يشير إلى أنها تستهدف طرد القوات الأميركية إلا أن وراءها دوافع أخرى متباينة.
ويُعتقد أن موجة الهجمات الأخيرة، التي تم تنسيقها في كل من سوريا والعراق، كانت مدفوعة برغبة الفصائل المدعومة من إيران في إحياء الذكرى الثانية لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة جوية أميركية خلال يناير 2020.

كما يُشتبه في ارتباط بعض الهجمات الأخرى بالمفاوضات النووية في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران، ويعتقد البعض أن الهجمات تُستخدم استراتيجيا للتأثير على مجرى المفاوضات، بينما يعتقد البعض الآخر أن هذه الحوادث رتبها متشددون لإفساد المحادثات كلياً.
وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إن الجماعات الموالية لإيران في سوريا تهاجم القوات الأميركية رداً على الضربات الجوية الإسرائيلية، بالإضافة إلى شن هجمات رداً على الضربات الجوية الأميركية، وحدد تقرير -أعدته صحيفة نيويورك تايمز في شهر نوفمبر- هجوماً مسلحاً بطائرة دون طيار على التنف باعتباره أول انتقام إيراني ضد الولايات المتحدة رداً على هجوم شنته إسرائيل.
وأكد مصدر معلوماتي استهداف قاعدة التنف الجوية بعد أيام قليلة من قصف طائرات مُسيرة مجهولة للفصائل الموالية لإيران مرتين في غضون أيام بريف دير الزور الشرقي، وقد قتلت تلك الغارات الجوية ما لا يقل عن سبعة عناصر من الميليشيات، ودمرت عدة مستودعات للأسلحة، وسببت انفجارات ضخمة في المنطقة.
ورأى حايد حايد -وهو كاتب عمود سوري وزميل مشارك استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس أن "تلك الدوافع ليست جديدة ولا يمكنها وحدها تفسير سبب التصعيد الأخير في الهجمات ضد القوات الأميركية، وقد يكون الجواب في السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة جو بايدن، حيث شجعت قرارات البيت الأبيض التي تقضي بالانسحاب من أفغانستان وإنهاء المهمة القتالية الأميركية في العراق الميليشيات المدعومة من إيران على جس نبض واشنطن في كل من سوريا والعراق".
وتابع حايد أن "الأهم من ذلك هو امتناع الولايات المتحدة عن الانتقام بقوة من المتورطين في الهجمات على قواعدها، فبدلاً من تحديد ومعاقبة الجماعات المسؤولة، من خلال الوسائل العسكرية أو غيرها، اقتصر رد فعل واشنطن إلى حد كبير على استهداف أولئك الذين يطلقون النار".
وأوضح أن "سبب نهج واشنطن المتسامح في المقام الأول هو خوفها من تعريض محادثات الاتفاق النووي مع طهران للخطر، فضلاً عن رغبتها في تجنب التصعيد العسكري في المنطقة، وليس من الواضح ما إذا كان نهج الولايات المتحدة المتسامح سيسمح للبيت الأبيض بتجنب تلك الفخاخ، لكن عدم توفر رد حازم على تلك الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية لن يخفف بالتأكيد من المخاطر التي يواجهها الجنود الأميركيون في سوريا".