مخاطر تداخل بوكو حرام والجريمة المنظمة في شمال الكاميرون

لم يعد بإمكان بوكو حرام، التي ضعفت إلى حد كبير، تنفيذ هجمات منسقة واسعة النطاق، لاسيما مع انقسام الجماعة.
الأربعاء 2023/02/01
بوكو حرام تستنزف الجهود الأمنية في الكاميرون

قبل امتداد جماعة “بوكو حرام” الإرهابية من شمال شرق نيجيريا إلى أقصى شمال الكاميرون في العام 2013، عانت المنطقة من مشكلات أمنية عديدة، لاسيما الصراعات القبلية وانتشار الجرائم المحلية. مع بروز هذه الجماعة الإرهابية في المنطقة، تداخلت الخطوط الفاصلة بين الإرهاب والجريمة المنظمة، بل إن الجرائم المحلية زادت في المدن، خاصة مع تركيز قوات الأمن الكاميرونية على مكافحة بوكو حرام، وبالتالي بات التطرف كظاهرة ذا طبيعة هجينة، مما يعقد مواجهتها.

ويستعرض تقرير نشر في موقع مركز المستقبل للدراسات للكاتبة دينا محمود استنادا على دراسة صادرة مؤخرا عن “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية” للباحث موسى بوبو، التداعيات الأمنية لانتشار جماعة بوكو حرام في شمال الكاميرون، من خلال إظهار كيف أدت التفاعلات المعقدة بين هذه الجماعة وبيئة الجريمة المنظمة إلى إخفاء المشكلات الأمنية الأخرى التي تتعمق بصمت في هذه المنطقة، وتستند الدراسة إلى بحث ميداني تم إجراؤه لأربع سنوات في أقصى شمال الكاميرون.

تتمركز جماعة بوكو حرام في منطقة بورنو المتاخمة لأربع دول، هي نيجيريا، الكاميرون، تشاد والنيجر. وتعد هذه المنطقة الحدودية تاريخيا مفترق طرق للشعوب ومنطقة تجارة مكثفة في حوض بحيرة تشاد.

النزاع مع بوكو حرام أدى إلى تضخيم وإخفاء الأنشطة الإجرامية الموجودة مسبقا في شمال الكاميرون

نتيجة لذلك، أصبحت المنطقة واحدة من مناطق الإرهاب مع تسلل بوكو حرام إليها. لكن تجدر الإشارة إلى أن قبل بدء النزاع مع هذه الجماعة الإرهابية، كان أقصى شمال الكاميرون يواجه العديد من التحديات الأمنية، من بينها قطع الطرق الذي كان ممارسة تقوم بها القبائل للتعويض عن سوء إنتاج المحاصيل، وساعد تداول الأسلحة غير المراقب في تسليح قطاع الطرق الذين كانوا يعملون بالأسلحة التقليدية.

ويتمثل التحدي الأمني الثاني في التجارة غير المشروعة، حيث تعبر التدفقات الاقتصادية الإقليمية غير المشروعة من خلال منطقة شمال الكاميرون، حيث تنتشر تجارة العظام البشرية تحت أسماء منتجات مختلفة، كـ”الزئبق الأحمر”، و”الخشب الأبيض” بأسعار تصل إلى الملايين من الفرنكات الأفريقية.

 كما تعد منطقة حوض بحيرة تشاد من أسهل الأماكن في العالم لشراء السلاح، فقد وصلت الأسلحة التي تستخدمها حركة “تحرير دلتا النيجر” والجماعات المتحالفة معها إلى نيجيريا عبر محور تشاد والكاميرون. بالإضافة إلى ذلك، تعد المنطقة نقطة تهريب للمستحضرات الصيدلانية المقلدة، إذ تعتبر نيجيريا البوابة الرئيسية للأدوية المقلدة في أفريقيا، فضلا عن انتشار الاتجار بالمخدرات في المنطقة، حيث مر ما بين 5 و10 أطنان من الكوكايين ومئات الكيلوغرامات من الهيروين عبر الشمال الكاميروني خلال الفترة من 2006 إلى 2013.

هذا إضافة إلى الصراعات القبلية، حيث تشهد منطقة شمال الكاميرون، لاسيما مقاطعات مايو – تساناغا – كاني ولوجون وشاري، سلسلة من الاشتباكات بين المجتمعات المحلية منذ بداية التسعينات، وقد ساهم انعدام الأمن في المناطق الريفية في تسليح الجماعات العرقية تدريجيا. وكانت الخلافات المتعلقة بالأراضي على رأس ملفات النزاعات، منذ موجة الجفاف في السبعينات.

ظهرت بوكو حرام في البداية كجماعة اجتماعية دينية في نيجيريا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم تحولت إلى العمل السري، وممارسة العنف منذ عام 2009، إذ امتدت المواجهة بين نيجيريا وهذه الجماعة في النهاية إلى أقصى شمال الكاميرون، الذي يجاور ولاية “بورنو” النيجيرية. وتشترك منطقة شمال الكاميرون مع سكان شمال شرق نيجيريا في السمات الثقافية (اللغة، الدين) والأنشطة الاقتصادية، كما أنها واحدة من أفقر مناطق الكاميرون، إذ يوجد بها أدنى معدل للالتحاق بالمدارس (20.53 في المئة) وأعلى معدل للخصوبة (5.9 أطفال لكل امرأة)، وقد استغلت بوكو حرام حالة التكامل الوطني الضعيف والإهمال التنموي والتاريخي في أقصى الشمال الكاميروني لجعل هذه المنطقة قاعدة لوجستية ومخزن تجنيد وإمداد للحركة.

خخ

 وبدأت العمليات الهجومية الأولى لبوكو حرام في أقصى الشمال الكاميروني في عام 2013، ومنذ ذلك الحين، مرّت أعمال هذه الجماعة الإرهابية بثلاث مراحل. أولاها في الفترة ما بين مايو 2013 ويونيو 2015، حيث اتسمت بعمليات الاختطاف للسكان، كما هاجمت الجماعة مواقع القوات الكاميرونية في المنطقة، فيما تضمنت المرحلة الثانية، التي امتدت من يونيو 2015 إلى أبريل 2016، أساليب قتالية هجينة وغير متماثلة للإرهابيين، حيث تعرضت بوكو حرام، التي صدتها جهود جيوش الكاميرون ونيجيريا وتشاد والنيجر، لخسائر فادحة حرمتها من بعض الأراضي التي تسيطر عليها، وكذلك من القدرة على شن هجمات منسقة وتقليدية كما فعلت في البداية، ثم اختارت الجماعة أساليب قتالية غير متماثلة، كالهجمات الانتحارية والمذابح ضد السكان واستخدام العبوات الناسفة، حيث تعرضت مدينة ماروا، العاصمة الإقليمية لأقصى الشمال الكاميروني، لهجمات انتحارية في يوليو 2015، إلا أن هجمات الجماعة انخفضت حدتها في هذه الفترة مقارنة بهجماتها الأولى التي حشدت فيها المئات من المقاتلين المجهزين بمدرعات وقذائف هاون.

أخيرا، تتسم المرحلة الثالثة الراهنة منذ عام 2016 وحتى الآن بممارسات متفرقة، فلم يعد بإمكان بوكو حرام، التي ضعفت إلى حد كبير، تنفيذ هجمات منسقة واسعة النطاق، لاسيما مع انقسام الجماعة إلى فصيلين متنافسين الأول هو الأكثر تطرفا، ويقوده أبوبكر شيكاو حتى مقتله في يونيو 2021 والآن بقيادة باكورا مودو، فيما يقود الفصيل الآخر أبومصعب البرناوي، والذي تمكن من حشد دعم محلي واسع.

من أبرز انعكاسات تداخل الإرهاب والجريمة في شمال الكاميرون إعادة تنشيط التجارة غير المشروعة، فمن أجل الحصول على الإمدادات وتمويل نفسها، تتفاعل بوكو حرام مع قطاع الطرق

وأدى النزاع مع بوكو حرام إلى تضخيم وإخفاء الأنشطة الإجرامية الموجودة مسبقا في شمال الكاميرون، ناهيك عن الصراعات العرقية القائمة بالفعل في هذه المنطقة. تنطوي فكرة “التضخيم” على تطوير التبادلات بين الجماعة الإرهابية والأوساط الإجرامية المحلية، فيما يشير “الإخفاء” إلى تشتيت اهتمام السلطات الكاميرونية، ودفعها إلى التركيز على محاربة بوكو حرام على حساب المشاكل الأمنية الأخرى التي تزداد تفاقما.

 ومن أبرز انعكاسات تداخل الإرهاب والجريمة في شمال الكاميرون إعادة تنشيط التجارة غير المشروعة، فمن أجل الحصول على الإمدادات وتمويل نفسها، تتفاعل بوكو حرام مع قطاع الطرق والتجار المحليين المنخرطين في أنشطة غير مشروعة، وقد تمكنت العديد من الجماعات الإجرامية من إعادة تشكيل وتكثيف أنشطتها، ومن هنا، أصبحت سرقة الماشية أحد مصادر تمويل أنشطة بوكو حرام، إذ سُرق ما يقرب من 30 ألف ثور في المنطقة منذ عام 2014 حتى اليوم.

ومن بين تلك الانعكاسات أيضا، تنامي وتيرة عمليات التهريب شمال الكاميرون بسبب انعدام الأمن الذي تسببت فيه جماعة بوكو حرام، حيث مهّد الصراع بين قوات الأمن والجماعة الطريق للمهربين في هذه المنطقة، والذين أعادوا هيكلة شبكاتهم الإجرامية. كذلك، تصاعد تهريب الكوكايين والترامادول، فوفقا لإحصاءات قوات الأمن والدفاع الكاميرونية، فقد مر أكثر من طنين من الكوكايين عبر المنطقة بين عامي 2014 و2017، فيما تمكنت قوات الأمن الوطني، منذ عام 2016، من ضبط ما يقرب من 1200 كيلوغرام من القنب، و5000 قرص من الترامادول، واعتقال حوالي عشرين مهربا.

ونجحت بوكو حرام في توظيف الجريمة المنظمة، فمن ناحية، ولأغراض لوجستية لا علاقة لها بأيديولوجيتهم الدينية، يسهم مقاتلو الجماعة في أعمال اللصوصية المحلية من خلال الانغماس في سرقة الماشية ونهبها، ومن ناحية أخرى، يحافظ مقاتلو الجماعة على علاقات مع خبراء الجريمة المحليين، على غرار سارقي الماشية والمهربين، ويقومون بتدريب الفاعلين المحليين في نظامهم اللوجستي. واعتمدت بوكو حرام على الجماعات الإجرامية الموجودة بالفعل في أقصى شمال الكاميرون لتعزيز نفوذها في الإقليم، ومن ثم تحويل بعض قادة هذه الجماعات الإجرامية إلى مساعدين لها في مناطق معينة على طول الحدود بين الكاميرون ونيجيريا.

Thumbnail

كما تؤدي التفاعلات بين بوكو حرام والدوائر الإجرامية المحلية إلى طمس الخط الفاصل بين الجريمة المنظمة والإرهاب، إذ يتم استيعاب مجموعات قطاع الطرق الريفيين المستقلين في القرى الحدودية في ميليشيات بوكو حرام في شمال الكاميرون. ومن ثم، تظهر هذه الجماعة الإرهابية على أنها مظلة تتضمن ثلاث مجموعات على الأقل: المقاتلين الحقيقيين للحركة، وشركاءها الظرفيين (المقاولين من الباطن الإجراميين)، وقطاع الطرق المستقلين الذين تم استيعابهم.

أدى صراع بوكو حرام إلى عودة ظهور الجريمة في المدن في شمال الكاميرون، لاسيما مع تركيز قوات الأمن على محاربة الإرهاب على حساب المهمة العادية لمكافحة انعدام الأمن. فعلى سبيل المثال، أصبحت سرقة الدراجات النارية، المصحوبة أحيانا بقتل السائقين، جريمة متكررة في أحياء ماروا في شمال الكاميرون، فوفقا لإحصاءات الشرطة، من 2015 إلى 2021، كان هناك أكثر من 50 جريمة قتل مرتبطة بسرقة الدراجات النارية في ماروا.

 ومنذ صراع بوكو حرام، باتت مقاطعة لوغون وشاري في منطقة أقصى الشمال الكاميروني مسرحا للاشتباكات بين المجتمعات المحلية، خاصة بين عرب “تشوا” و”كوتوكو” من ناحية، و”موسجوم/ ماسا” من ناحية أخرى. تعود جذور الاشتباكات إلى صراعات على السلطة المحلية والتي لم تتوقف أبدا، وإن كان يتم احتواؤها من قبل قوات الدفاع والأمن الكاميرونية. مع ذلك، ونظرا لتركيز الاهتمام الأمني على بوكو حرام، فإن هذا النوع من الصراعات يكون مخفيا بشكل عام ولا يجد سوى صدى محلي.

7