محور الجزائر - باريس يتعزز بالمزيد من التقارب

الجزائر - يتجه محور الجزائر - باريس إلى مزيد من التقارب في ظل الأجندة التي رسم معالمها الرئيسان الجزائري عبدالمجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون خلال شهر أغسطس الماضي، وهو ما بإمكانه تفكيك أو تحييد الألغام التي ما فتئت تؤثر على العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التطورات الإقليمية والدولية، كما هو الشأن بالنسبة إلى مسألة الطاقة.
وتعتزم رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن زيارة الجزائر قبل نهاية العام الجاري لترأس أشغال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، مما يزيد من التقارب في محور الجزائر - باريس الذي أرساه الرئيس ماكرون خلال زيارته إلى الجزائر في شهر أغسطس الماضي، ويفتح آفاقا جديدة قد تطوي فصول التوتر المتجدد بين البلدين.
ولم يعلن عن الزيارة رسميا سواء في باريس أو الجزائر، لكن تقارير إعلامية فرنسية تحدثت عن أنها ستتم قبل نهاية العام الجاري، فيما ذهبت مصادر مطلعة إلى أن زيارة بورن إلى الجزائر ستجري في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر المقبل.

رئيسة الحكومة الفرنسية تعتزم زيارة الجزائر قبل نهاية العام الجاري لترأس أشغال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين
وسترأس بورن رفقة نظيرها الجزائري أيمن بن عبدالرحمن اللجنة الحكومية المشتركة العليا التي لم تلتئم منذ العام 2017 بسبب التوتر الدبلوماسي الذي ساد العلاقات بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، ثم جائحة كورونا.
وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لرئيسة الحكومة الفرنسية إلى الجزائر منذ تعيينها في المنصب بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في فرنسا شهر يونيو الماضي، ويرجح أن يرافقها وفد هام من الوزراء وكبار المسؤولين ورجال المال والأعمال.
وحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، فإن أجندة الزيارة ستكون مثقلة بمختلف ملفات التعاون الاقتصادي والاجتماعي، وأن رئاسة الحكومة الفرنسية تراهن على مرافقة ممثلين عن مجموعة الجزائريين مزدوجي الجنسية من أجل تقديم ضمانات أكثر ثقة للمسؤولين الجزائريين.
وينتظر أن تكون مسألة ضمان تدفق كميات من الغاز الجزائري إلى فرنسا تلافيا لأي أزمة استهلاك داخلي بحسب توقعات المسؤولين الفرنسيين نتيجة تداعيات الأزمة الأوكرانية على رأس المباحثات، حيث شرعت الحكومة الفرنسية في تجريب إجراءات تقشف على الاستهلاك الداخلي نظرا إلى ما أسماه ماكرون بـ”الشتاء البارد” الذي ينتظر أوروبا وفرنسا تحديدا.
وكان الرئيس الفرنسي استبعد في تصريح له خلال زيارته إلى الجزائر فرضية الحاجة الزائدة إلى الغاز الجزائري كونه لا يمثل إلا نسبة رمزية من حاجيات بلاده التي تعتمد في الغالب على الطاقة النووية، لكن سيناريوهات الأزمة المنتظرة في الشتاء القادم تجعل باريس في أمس الحاجة إلى ضمان كميات إضافية لتلبية الاستهلاك الداخلي، فضلا عن أن مكانتها في الاتحاد الأوروبي تحتم عليها البحث عن ضمان الطاقة للجزء الغربي من القارة بغية الاستمرار في مواجهة الضغوط الروسية.
وتأتي قضية تنقل الأشخاص والتأشيرات، حسب الصحيفة، في صدارة الأجندة التي تحملها بورن، في ظل توجه بلادها إلى رفع الحظر عن الطلبات المقدمة من طرف الجزائريين الراغبين في زيارة فرنسا، مقابل استقبال الجزائر لرعاياها المقيمين بطريقة غير شرعية، وهي المسألة التي ظلت لشهور طويلة محل تجاذب بين الطرفين، بسبب توجس الجزائر من إمكانية تغلغل عناصر غير جزائرية ضمن الأفراد الذين تريد باريس ترحيلهم.
الرئيس الفرنسي استبعد في تصريح له خلال زيارته إلى الجزائر فرضية الحاجة الزائدة إلى الغاز الجزائري
وتعتبر اللجنة العليا الحكومية المشتركة من بين الهيئات التي شدد عليها إعلان التعاون المتجدد المبرم بين البلدين خلال زيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر، ويعول عليها لتفعيل التعاون الثنائي المعطل، مما يمنح لفرنسا فرصة استعادة مكانتها في السوق الجزائرية، ومنافسة الشركاء الآخرين الذين أزاحوها في السنوات الأخيرة كالأتراك والصينيين.
ويرجح مراقبون فرضية إعطاء الأولوية في الزيارة المذكورة للملفات الاقتصادية والاجتماعية، تنفيذا للتوجيهات التي أسداها ماكرون وتبون لحكومتيهما.
ويرى متابعون أنه بهذه الزيارة يكون محور الجزائر - باريس قد طوى صفحة من الشكوك والتردد وحتى القطيعة، وقد تكون الزيارة التي أداها ماكرون إلى الجزائر قد رسمت معالم العلاقات المستقبلية بين البلدين في إطار اتفاق التعاون المتجدد، والذي يراد له أن يدخل حيز التنفيذ عبر تجسيده من طرف القطاعات الحكومية والمالية والاجتماعية.