محنة التونسيين تتفاقم في حياتهم اليومية

حين رفع التونسيون في ثورتهم شعار "الخبز والحرية" كانوا يأملون في عيش كريم، لكن بعد سنوات صاروا يبحثون في المغازات عن مواد غذائية كانوا لا يتصورون أنها ستكون شحيحة اليوم، كما أنهم لم يعتقدوا يوما أن وقود السيارات سيكون عزيزا وهو ما يعيشونه اليوم، رحلة البحث عن مواد غذائية أساسية وطوابير تنتظر دورها في قسط من الوقود، وهم غاضبون وجيوبهم فارغة.
تونس - يواجه التونسيون موجة ارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية ونقص في المواد الغذائية الأساسية في الأسابيع الأخيرة، أضيفت لها في اليومين الأخيرين أزمة نقص الوقود التي دفعت بهم إلى رحلة طويلة للبحث والوقوف في طابور يفوق طاقة صبرهم للحصول على بعض البنزين لسياراتهم.
الغذاء ليس الشيء الوحيد الذي يعاني من نقص في المعروض، فحتى وقود السيارات صار شحيحا، وواصل سائقو السيارات المحبطون الوقوف في طوابير طويلة خارج محطات البنزين التونسية الثلاثاء حتى بعد أن قالت وزيرة الطاقة إن النقص سينتهي الاثنين بتسلم شحنة جديدة من الوقود.
وبدأ الوقود في العديد من محطات الوقود ينفد خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي مع تباطؤ الواردات وتراجع الإمدادات الوطنية، مما أدى إلى تكدس السيارات في صفوف لمسافة كيلومترات في بعض الأماكن، وهو ما خلق اكتظاظا مروريا في عدة مناطق.
وقالت زينة وهي امرأة تقف في طابور طويل بأريانة “انتظرت دوري لمدة ساعتين. إنه كابوس نعيشه كل يوم. لم أعد أثق بالدولة. إنها مفلسة، لكنهم في السلطة يواصلون إخبارنا بأن كل شيء متوفر”.

وتواجه تونس أزمة حادة في المالية العامة ويقول اتحاد الشغل إن سبب الأزمة هو شح السيولة والأزمة المالية التي تسببت في نقص ورادات العديد من السلع الحيوية.
وألقى الرئيس قيس سعيد، الذي انتقل للحكم بمراسيم بعد تجميد عمل البرلمان العام الماضي وتوسيع سلطاته بدستور جديد، باللوم على المضاربين في نقص السلع. ويرفض اتحاد الشغل هذا السبب ويقول إن على السلطات مصارحة الشعب بحقيقة الوضع المالي الحرج والكف عن تزييف الحقائق.
والاثنين قال سلوان السميري الكاتب العام لجامعة النفط باتحاد الشغل إن احتياطي تونس من المحروقات يكفي لأسبوع واحد بعد أن كانت المعدلات في حدود ستين يوما سابقا.
وتأمل تونس في القريب العاجل في إبرام اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي لبرنامج إنقاذ يمكن أن يوفر أيضا المليارات من الدولارات من الدعم الثنائي من دول أخرى. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان بإمكانها المضي قدما في الإصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك خفض الدعم على سلع غذائية في ظل معارضة قوية من اتحاد الشغل.
وبالقرب من محطات الوقود في تونس العاصمة، أطلق السائقون أبواق السيارات تعبيرا عن غضبهم وأغلقت طوابير السيارات المنتظرة الممرات المرورية، مع ازدحام العربات في الأماكن المحيطة. وفي عدد من محطات الوقود كان يُسمح للسيارات بتعبئة ما تصل قيمته إلى 30 دينارا أي ما يقارب تسعة دولارات فقط من البنزين أو ما يعادل 13 لترا فقط.
وفي بعض الحالات، كان عمال محطات الوقود يوزعون البنزين في الزجاجات البلاستيكية لتخفيف الازدحام في المضخات. وقال محمد ناجي الذي كان ينتظر لمدة ساعة ونصف الساعة في منطقة أريانة في تونس العاصمة "لم أذهب إلى العمل اليوم".
وأضاف "لقد أصبحنا مثل اللاجئين في بلدنا"، في إشارة إلى النقص الذي أصاب تونس في الأسابيع الأخيرة بما في ذلك الدقيق والسكر والزبدة والحليب وزيت الطهي.
يختفي السكر والزيت النباتي والأرز وحتى المياه المعبأة بشكل دوري من محلات السوبر ماركت ومحلات البقالة. يقف الناس في طابور لساعات للحصول على هذه الضروريات الغذائية التي تم دعمها منذ فترة طويلة والتي أصبحت الآن متوفرة بشكل متزايد في حصص الإعاشة فقط. عندما تظهر على الرفوف، لا يستطيع الكثير من الناس دفع الثمن الباهظ لهم.
وقالت المتسوقة أمينة حمدي (63 عاما) اليائسة من محاولة شراء السلع الأساسية "جئت للتسوق ووجدت أناسا يتقاتلون للشراء وكانت الأسعار مرتفعة للغاية". كما قالت عائشة خلال رحلة تسوق أخيرة إلى سوق الأسماك واللحوم في تونس العاصمة "لا يمكن العيش دون طعام.. يمكننا العيش دون أثاث ومواد بناء، لكن علينا أن نأكل".

وألقت الحكومة باللوم على المضاربين والمكتظين بالسوق السوداء والحرب في أوكرانيا، لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن أزمة الميزانية الخاصة بالحكومة وعدم قدرتها على التفاوض على قرض طال انتظاره من صندوق النقد الدولي، زادا من مشاكل تونس.
وتندلع المعارك في بعض الأحيان في طوابير في سوق المواد الغذائية، وحدثت احتجاجات متفرقة واشتباكات متفرقة مع الشرطة بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السلع في جميع أنحاء البلاد. كما انتحر مؤخرا في إحدى ضواحي العاصمة تونس بائع فواكه متجول شاب بعد أن صادرت الشرطة الميزان الذي كان يستخدمه لوزن بضاعته.
ووعدت وزارة التجارة الشهر الماضي بتخفيف النقص، معلنة عن استيراد 20 ألف طن من السكر من الهند لتكون متاحة في الوقت المناسب للمولد النبوي الشريف. لكن في الليلة التي سبقت العطلة، شكل المواطنون طوابير طويلة أمام محلات السوبر ماركت على أمل الحصول على حزمة من السكر، وهو طعام أساسي لإعداد الأطباق التقليدية للعطلة الدينية.
في دوار هيشر، وهي ضاحية فقيرة في ضواحي تونس تعتبر مقياسا للاستياء الشعبي، نزل المئات من الأشخاص إلى الشوارع ليلا الشهر الماضي للتنديد بتدهور ظروفهم المعيشية. كما كتب المتظاهرون على لافتة وكان غضبهم واضحا على الحكومة والنخب السياسية "كفى من الخطب والوعود، الناس محاصرون بالجوع والفقر".