من العبث تعليق خصوصياتنا، ولا أقول عللنا، على مشجب الخارج. الطائفية جزء من تاريخنا، والمذهبية جزء من إسلامنا.

على الرغم من تراكم كمٍ من الاحتمالات لتفسير هذا السأم الأميركي بقيادة أوباما من شؤون المنطقة، إلا أن المراقبين لا يخاطرون في حسم أمر استقالة واشنطن.

يستطيع ترامب وصحبه أن ينشدوا إلياذتهم الطموحة، لكن لا حل نهائيا لصراع الشرق الأوسط دون الشركاء في المنطقة، ولا مكان في المنطقة لقرار يصدر عن واشنطن يفرض على الفلسطينيين دون أي توافق يصدر عنهم.

ما جمع جمهور التيار العوني و"جمهور المقاومة" هو قاسم مشترك عماده مقت صعود السنية السياسية بالنسخة الجديدة التي قادها الراحل رفيق الحريري في بداية التسعينات من القرن الماضي والتي لم تلق ارتياحا لدى الموارنة.

روسيا تظهر مرونة وتهيبا من العاصفة الجديدة التي تهب من الغرب، ستعمل موسكو على المضي بسوتشي مطمئنة إلى فشل آخر سيتحقق في فيينا. في موسكو من يؤمن أنه مهما أمطرت الغيوم فوق سوريا، فإن خراجها عنده.

تفصح المناورة الأميركية في شقيها العسكري والسياسي عن عزم على استعادة زمام المبادرة في سوريا. والأمر يتجاوز الحسابات السورية لينبسط باتجاه ما تدبره واشنطن في العراق وما تحيكه من خطط لمواجهة إيران في كل المنطقة.

باتت الأوراق مكشوفة فوق الطاولة السورية. موسكو تتهم واشنطن بالوقوف وراء الليلة السوداء في حميميم، لكن ذلك الاتهام يميل إلى تلميح لا تعتبره روسيا عملا حربيا يستحق ردا ضد أهداف أميركية، وفي الأمر غرابة.

عواصم المنطقة تطمح إلى تغيير جذري في شخوص وفلسفة ومفاصل النظام يسحب فتائل من ملفات مشتعلة، فيما يسعى العالم للتأمل من بعيد لعل في تلك العاصفة ما يحمل نسمات ربيع حقيقي.

الملك عبدالله الثاني لاحظ أنه لم يعد بالإمكان الركون بشكل كامل إلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، قرأ الملك الأردني ذلك جيدا في زياراته إلى واشنطن واستنتج أن بلاده تحتاج إلى رشاقة في علاقاتها مع العالم.

الدولة العميقة الأميركية التي تقصدت السهر على عدم العبث بمسألة حساسة كوضع مدينة القدس، ترى في قرار ترامب تجاوزا غير مقبول لمصالح الولايات المتحدة.

فيما يمعن بوتين في تكرار إشارات الإذلال التي يمارسها بحق بشار الأسد عند كل لقاء يجمعه به، تبدو طهران، كما دمشق، مستسلمة لحقيقة أن مصير رجل دمشق هو رهن ما يقرره الكرملين وسيده يوما ما.

لم تنته المعركة في اليمن كما لم تنته في سوريا والعراق. تعرف طهران ذلك تماما، لكنها في اليمن مازالت تمتلك هامشا أكبر يتيح لها الإطلالة على العالم من موقع المهدد لأمن الخليج.

سواء آثر العالم العبور نحو سوريا الجديدة من مداخل جنيف (العزيزة على واشنطن) أو مداخل سوتشي (العزيزة على موسكو) أو الاثنين معا، فإن مفتاح الحل الأساسي موجود في جيب سيد الكرملين.

"تريث" الحريري يعبر عن حاجة لبنانية محلية لا يخفيها الممانعون قبل غيرهم، لكن ذلك "التريث" هو صيغة توافقت عليها العواصم لمنع أي انفجار لبناني يشوش على الورشة الكبرى التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاجتراح التسوية السورية.