الأزمة الحالية تعكس واقعا لم يجرؤ القطاع الصحافي اللبناني على الاعتراف به على مدى العقود الماضية، من حيث أن رواج الصحافة اللبنانية لا يعود إلى استقلالها، بل على العكس، إلى تبعيتها الكاملة لعواصم المال والقرار العربيين.

الوعي السياسي العربي، حتى في طبعته المعارضة المنتفضة (سوريا مثالا) ما زال قاصرا عن إنتاج مشروع حديث يجد فيه الأكراد حيزا رحبا داخله يغنيهم عن طموحات قومية صارت متقادمة.

لم ينسحب بوتين من سوريا بل أعاد تموضعه الاستراتيجي على النحو الذي أحاله، بمهارة، حاجة للتسوية السورية، بعد أن استباح الحلفاء والخصوم هجاء استراتيجياته في سوريا.

إيران التي تطمح، بعد الاتفاق النووي، إلى الانفتاح غربا، باتت تجد في الاقتراب من تركيا سلوكا تستظل به بشريك إقليمي يقيها أطماع "الحليف" القادم من صقيع الشمال بحثا عن المياه الدافئة في المنطقة.

المشكلة في لبنان مع حزب الله أن اللبنانيين يريدون دولة "عادية" كتلك في الجزائر وتونس تماما، حيث لا سلاح شرعيا إلا سلاح الجيش والقوى الأمنية، ولا ميليشيات تعمل ضمن دويلة في قلب الدولة.

لا يمكن للمسيحيين إلا أن يعتبروا أنفسهم استثناء في محيط طاغ. المسيحيون العرب هم أقلية في الكم مقارنة بالمسلمين، وبالتالي لا يمكن تجاهل هذا الثابت خجلا من متحولات هذه الأيام.

"الانتصار" في لبنان وأفغانستان وذلك الذي يبشر به الأسد في دمشق وأي ميدان آخر، تصنعه تقنيات الحرب لا همة المحاربين، وأن ما تنضح به الأروقة الدبلوماسية يستوحي صداه من ضجيج النار.

من داخل براكين المنطقة يتقدم سعد الحريري بخطاب ليست فيه حيادية أو رمادية، يلقي الرجل كلماته في قلب بيروت بحضور سفير العاهل السعودي، بما يضفي إشارة إضافية على موقع الرجل الإقليمي.

من أجل الدفاع عن أمن المملكة الإستراتيجي، انتقلت الرياض من دبلوماسية الصمت إلى دبلوماسية الضجيج، ومن إستراتيجية الاحتواء وتجنب الصدام إلى إستراتيجية المواجهة المباشرة.

إذا ما ثبت أن ميزان الأسعار يتحدد في الرياض، فذلك يعني أن الإدارة السعودية ماضية في خيارات مستقلة لصون مصالحها، على منوال "عاصفة الحزم" في اليمن، أو تبني المواجهة مع إيران، أو البراغماتية مع روسيا.

يعيد المسيحيون قرار انتخاب رئيس للجمهورية إلى الزواريب اللبنانية المحلية. وفي التحفظات التي أفصحت عنها أحزاب وتيارات مسيحية خارج دائرتي معراب والرابية ما يحمل مزيدا من الماء إلى الدينامية المارونية المستجدة في الملف الرئاسي.

اجتماع الأضداد الفتحاوية على التغيير، قد يكون هدفه إعادة العافية إلى البيت الفتحاوي وتحضيره ليكون شريكا كاملا ومرجّحا في ترتيبات المرحلة القادمة قيد الدرس.

واشنطن ستكتشف سريعا أن القطيعة بين الرياض وطهران، وتمددها نحو كل المنطقة على ما وشى بيان الجامعة العربية الأخير، يفرغ الاتفاق النووي من مضامينه بعيدة المدى، ويعطل حالة التطبيع المطلوبة مع إيران.

ترنح المبادرة وربما انهيارها، لا يعود إلى تراجع بعض أطرافها، لا سيما الطرف المعطل، بل بسبب ثباته على موقف جديد- قديم بتدجين النظام اللبناني برمته لصالح رؤاه في لبنان ومزاج الولي الفقيه في إيران.