محمد خلف المزروعي: مسيرة عطاء حافلة من أجل الإمارات

الراحل عمل على تعزيز الثقافة والتراث لتحقيق مجتمع قوي ومترابط.
السبت 2020/11/14
الثقافة ترسم غد المجتمع

يظل الراحل محمد خلف المزروعي في ذاكرة الإماراتيين بعد أن كرس حياته خدمة للثقافة والحفاظ على التراث، بعد أن آمن بأنهما من أهم السبل الداعمة لتطوير المجتمع والحفاظ على هويته، في ظل عولمة تخطط لتشابه البشر والمجتمعات في حياتهم اليومية بلا خصوصيات حضارية.

دبي - يُصادف يوم 13 نوفمبر 2020 الذكرى السادسة لرحيل محمد خلف المزروعي، الذي ما زالت بصماته واضحة في المشهد الثقافي على كافة الأصعدة المحلية والعربية والدولية.

لقد آمن الراحل بأنّ مسيرة العطاء هي مسيرة وطنية وشعبية متواصلة، فاعتبر نفسه منذ أولى سنوات حياته جنديا في كتيبة البناء والتطوير في إمارة أبوظبي ودولة الإمارات.

ولجهوده المميزة بالإمارات، فقد كرّمه في العام 2016 الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بعد رحيله، بوسام أبوظبي الذي يمثل أرفع تكريم مدني، لدوره البارز في إطلاق المبادرات ووضع السياسات التي تهدف إلى التمسك بالعادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، ونجاحه من خلال عشرات المشاريع والفعاليات التراثية والثقافية في تشكيل صلة وصل بين الحاضر والماضي بغاية نقل التراث الإماراتي العريق إلى جيل الشباب.

واستطاع الراحل ترك بصمة واضحة في كل مشروع تولاه، وقد وجه جهوده في كل اتجاه من خلال عمله كمستشار لشؤون الثقافة والتراث في ديوان سمو ولي عهد أبوظبي، وكرئيس للجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، لأجل تشجيع الإماراتيين من مختلف الأعمار والاهتمامات، بكل تفان وإصرار وشغف، على المشاركة في كل نشاط ثقافي يهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية لدى جيل الشباب في الإمارات، وتأكيد مفاهيم حب الوطن والذود عنه والولاء للقيادة الرشيدة.

وقد مُنح المزروعي خلال حياته جائزة الشخصية الاتحادية لعام 2013 من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. وفور رحيله المُفاجئ كرّمه مجلس الوحدة الإعلامية العربية بجائزة الهيثم 2014.

وأطلقت القيادة الإماراتية في العام 2015 اسم محمد خلف المزروعي على أحد أهم شوارع مدينة زايد بمنطقة الظفرة، كما مُنح وسام أبوظبي في العام 2016، فيما بدأ في العام 2017 مجلس محمد خلف في مدينة أبوظبي مهامه كمنارة ثقافية مجتمعية هامة، وبادرت شرطة أبوظبي خلال معرض الصيد في سبتمبر 2017 لتكريم أسرة فقيد الإمارات.

مسيرة حافلة

التراث يحمي خصوصية الإمارات
التراث يحمي خصوصية الإمارات

عمل محمد خلف المزروعي من خلال المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، للتأكيد على أهمية استدامة الهوية الوطنية والتراث الإماراتي، والمُساهمة في تعزيز الروابط الإنسانية والمجتمعية، وتعزيز جهود تحقيق مجتمع قوي ومترابط يؤمن ويثق بأنّ مستقبله واحد.

وقد شغل المزروعي كذلك من قبلُ العديد من أبرز المناصب القيادية التي عمل من خلالها على ترسيخ مدينة أبوظبي كملتقى ثقافي وحضاري عالمي، منها: عضو مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، المدير العام لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، عضو مجلس إدارة نادي صقاري – الإمارات، رئيس شركة أبوظبي للإعلام، إضافة إلى عضويته في مجالس إدارة المركز الوطني للوثائق والبحوث (وزارة شؤون الرئاسة) ونادي أبوظبي للفروسية، حيث كان يؤمن بأهمية المبادرة والتعاون في تحقيق الإنجازات على جميع المستويات الفردية والقيادية. وقد عمل خلال مهامه تلك على تأسيس برنامج إعلامي وثقافي فريد، لتأكيد الهوية والحضور الثقافي لأبوظبي ودولة الإمارات.

وتكثفت جهوده بشكل خاص منذ العام 2003 حيث عمل على إطلاق المعرض الدولي للصيد والفروسية بأبوظبي كأول التحديات التي اختارها لنفسه ونجح فيها، إذ تحوّل المعرض خلال فترة وجيزة من مناسبة محلية إلى مهرجان تراثي واقتصادي وسياحي من الطراز الأول ببعديه الإقليمي والعالمي.

وبالنظر إلى أهمية الشعر العربي كلون أدبي مميز في الثقافة العربية، فقد أطلق اثنين من أنجح البرامج التلفزيونية في العالم العربي “شاعر المليون” للشعر النبطي، و”أمير الشعراء” للشعر الفصيح، اللذين تحولا إلى ظاهرتين ثقافيتين عربيتين تستقطبان عشرات الملايين من المشاهدين.

كما شملت جهوده في المجال الشعري والأدبي، تأسيس أكاديمية الشعر الأولى من نوعها عربيا، إطلاق مجلة “شاعر المليون”، وإدراج فن التغرودة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، إضافة إلى برنامج “الشارة”، التراثي الثقافي والتلفزيوني.

أما في مجال العمل التراثي، فقد ساهم في تأسيس نادي صقاري الإمارات وإصدار مجلة “الصقار” كدورية علمية تراثية، وإطلاق مهرجان الظفرة والعديد من مزاينات الإبل، وتطوير مهرجان ليوا للرطب، واحتفالية مئوية الشيخ زايد الكبير، وإعادة إطلاق مهرجان الصداقة الدولي للبيزرة، فضلا عن تأسيس المشاركة الإماراتية الفاعلة في مهرجان طانطان الثقافي بالمملكة المغربية، وتطوير مهرجان الظفرة البحري.

كما نجحت جهوده أيضا عبر فرق عمل مُخلصة في تسجيل الصقارة في منظمة اليونسكو في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وكذلك تسجيل مدينة العين في قائمة مواقع التراث الثقافي الإنساني في اليونسكو، إضافة إلى إعادة افتتاح قلعة الجاهلي بعد ترميمها، وتكثيف مشاريع التنقيب عن الآثار وترميم المباني التاريخية، ومشروع تجميع الثقافة الإماراتية المكتوبة والشفاهية.

أما على الصعيد الثقافي، فقد نجح سريعا في إبراز اسم أبوظبي على خارطة صناعة الكتاب في العالم، من خلال تأسيس مشروع كلمة للترجمة، وإطلاق جائزة الشيخ زايد للكتاب، فضلا عن تطوير معرض أبوظبي الدولي للكتاب بالتعاون مع معرض فرانكفورت الأضخم والأهم عالميا، وكذلك إطلاق مؤتمر أبوظبي للترجمة، ومجلة “شواطئ” باللغتين العربية والإنجليزية.

وتميّزت جهوده كذلك في المجال الفني والسينمائي، من خلال العديد من أهم الفعاليات والمشاريع ذات الصبغة الدولية، ومنها مهرجان فن أبوظبي (آرت باريس – أبوظبي)، ومهرجان أنغام من الشرق، وموسيقى أبوظبي الكلاسيكية، ومهرجان ووماد أبوظبي، ومهرجان موسيقى العالم. وذلك إضافة إلى تأسيس بيت العود العربي، وفرقة أبوظبي للفنون الاستعراضية.

مُبادراته عززت مفاهيم حب الوطن والولاء للقيادة الرشيدة
مُبادراته عززت مفاهيم حب الوطن والولاء للقيادة الرشيدة

وعلى صعيد صناعة الفن السابع، فقد أطلق مهرجان أبوظبي للسينما، ولجنة أبوظبي للأفلام، وأكاديمية نيويورك – أبوظبي للفيلم، ومؤتمر “ذا سيركل” لصناعة السينما.

وامتدت جهود الراحل لتشمل في المجال الإعلامي تأسيس قناة بينونة تحت شعار “تراها إماراتية”، وإطلاق نشرة أخبار “علوم الدار” عبر قناة أبوظبي، واكتشاف مواهب العشرات من المذيعات والمذيعين الإماراتيين، وكذلك إطلاق صحيفة “ذا ناشيونال” بالإنجليزية، وقناة ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي، بالعربية.

وتحوّلت قناة أبوظبي الفضائية خلال فترة قصيرة من رئاسته شركة أبوظبي للإعلام إلى منبر استقطاب للنتاج الثقافي والدرامي والفكري والفني.

وإضافة إلى إطلاق قناة أبوظبي دراما، وتطوير قنوات أبوظبي الرياضية، فقد أطلق قمة أبوظبي للإعلام، وأسس شركة إيماجينيشن لتمويل وصناعة الأفلام.

أما في مجال العمل الفكري، فقد ساهمت جهوده الشخصية ومُبادراته في تعزيز مفاهيم حب الوطن والولاء للقيادة الرشيدة، ودعم فعاليات الوحدة الوطنية وصون الهوية الإماراتية الأصيلة، والمُساهمة في محاربة الفكر المُتشدّد، ونشر مفاهيم المحبة والسلام، إضافة إلى المُساهمة في إطلاق جمعية “كلنا الإمارات”.

سيرة ذاتية

الإمارات لا تنسى رجالها
الإمارات لا تنسى رجالها

ولد محمد خلف المزروعي في واحة ليوا بأبوظبي حيث اهتمّ منذ صغره بالبيئة الطبيعية، وخصوصا الصِقارة، والأدب العربي بأشكاله المكتوبة والشفاهية. وحاز شهادة البكالوريوس في الإدارة الحكومية من جامعة الإمارات، وشهادة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة ولاية بورتلاند – أوريغون الأميركية.

كما شملت مهامه في مجال العمل الإداري العديد من المناصب الهامة، منها عضو مجلس الإدارة ورئيس اللجنة التنفيذية للمركز الوطني للوثائق والبحوث، وعضو لجان التنسيق الإداري والتنمية الاجتماعية ومجلس الخدمة المدنية في المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.

وكذلك، عضو مجلس الأمناء في مؤسسة التنمية الأسرية، ونائب رئيس مجلس الإدارة في جمعية الظفرة التعاونية، ورئيس مجلس الإدارة لشركة بناء (الشركة الإماراتية الألمانية)، وعضو مجلس إدارة جمعية “كلنا الإمارات”، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة صروح العقارية، وشركة مبادلة كعضو في مجلس تنمية المنطقة الغربية (منطقة الظفرة)، وعضو مجلس الإدارة للهيئة العامة لحديقة العين، وكذلك عضو مجلس الإدارة في كلية هورايزن الدولية للطيران – العين.

اقرأ أيضاً: أبوخلف ودار زايد

17