محلات الأنتيكة.. دمشق تغلق إحدى أجمل نوافذها

تمتاز دمشق بسحر أحيائها وأبوابها وأسواقها القديمة، إلا أن العاصمة السورية تفتقد اليوم محلات بيع الأنتيكة التي تعتبر واحدة من أجمل نوافذها التي تفتح أسرار الحاضرة الشرقية للسياح الذين غابوا عنها منذ سنوات فأعلنت إفلاسها.
دمشق ـ أُغلقت العشرات من محلات الأنتيكة في دمشق بسبب غياب الزبائن الحقيقيين، وهم السياح القادمون من خارج البلاد.
تكثر محال بيع الأنتيكة في الأسواق المشهورة في العاصمة السورية، وخاصة أحياء دمشق القديمة التي تعدّ أبرز الوجهات السياحية، ومنها سوق الحميدية وسوق باب شرقي، إلا أن غياب السياح وتحديدا الأوروبيين أفقد تلك المحال التجارية أهم زبائنها، ما دفع بالكثير من أصحاب تلك المحال إلى إغلاقها أو التحول إلى تجارة أخرى.
في سوق الحميدية الشهير وسط دمشق القديمة، يصر أحمد سبيني أبوفراس البالغ من العمر 80 عاما، ورغم اعتلال صحته، على الحضور اليومي إلى محله في مدخل سوق الحميدية قائلا “قطع الأنتيكة من خشب ونحاس وصدف وفخار وغيرها هي جزء من شخصيتي وعندما تباع قطعة أفرح وأحزن بذات الوقت، لأنها تذهب لشخص قد دفع بها مبلغا جيدا فهو يقدر قيمتها”.
ويحبس أبوفراس في صدره حزنا على ما آلت إليه هذه المهنة بعد إغلاق عدد كبير من المحال التي كانت مخصصة لبيع الأنتيكة وتحولها إلى مهن أخرى. يقول “قبل الحرب كان في سوق الحميدية أكثر من 25 محلا لبيع الأنتيكة والقطع التراثية، أما الآن فهي ثلاثة محال فقط وباقي المحال تحولت إلى مهن أخرى تبيع ألبسة وأحذية وغيرها، وبهذه الحال تفقد دمشق واحدة من أهم ميزاتها”.
ويضيف “عمل بيع قطع الأنتيكة لا يجيده أي شخص، فهو يحتاج إلى شخص عاشق لهذه المهنة، الكثيرون مروا مرور العابرين، مستغلين طفرة السياحة قبل سنوات الحرب ولكنهم اليوم غيروا مهنتهم إلى عمل آخر”.
ويبرر عيسى محمد ترك هذه المهنة وتحوله إلى مهنة بيع الألبسة، قائلا “المحل الذي أشغله هو استثمار، وقيمة بدل الإيجار في تصاعد مستمر، انتظرت عدة سنوات آملا في أن تتحسن الأوضاع، ولكن كانت الأمور في تراجع، لذلك قمت ببيع ما لدي من قطع تراثية، والآن أبيع ملابس أطفال”.
ويستذكر عيسى سنوات ما قبل الحرب وكيف كان العمل في محله، قائلا “عندما يزورنا سياح يشترون بالجملة ويدفعون مبالغ كبيرة، لأنهم يفتقدون إلى القطع النحاسية والخزفية والخشبية المشغولة يدويا… وكانت أفواج السياح على مدار العام، خلال فصل الصيف أغلبها خليجية وعربية، وفي باقي الفصول من دول أوروبية وأميركية وغيرها”.
يُرجع مازن لطفي التراجع في عدد المحال التجارية إلى التطور التقني، خاصة لجهة العرض، “هناك العشرات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر قطع الأنتيكة وأصبح التفاوض والبيع يتم بين البائع والشاري مباشرة دون وجود وسيط”.
ويضيف “دخول وسائل التواصل الاجتماعي عبر العروض على الإنترنت كان له أثر سلبي على حركة البيع، فالسياح وحتى المتسوقون المحليون أصبحوا يبحثون عبر الإنترنت، الأمر الذي ساهم في تدهور وضع السوق أكثر”.
من جهته يجلس أبونادر لطفي أمام محله وسط سوق باب شرقي، ويقضي معظم وقته يلعب طاولة الزهر مع جاره ولا يكترثان لحركة المارة، ويقول “كما ترى نحن أصحاب 5 محال لبيع الأنتيكة لم يبق سوى محلي فقط، أما الأربعة الآخرى فقد أغلق أول محل منها قبل 5 سنوات وآخرها مطلع العام الحالي، نجلس أغلب اليوم ولا يدخل إلى المحل أحيانا أي زبون، ولكن يبقى الجلوس في المحل أرحم من الجلوس في المنزل”.
ويضيف لطفي “لم تقتصر حركة الإغلاق على المحال التجارية، بل وصلت إلى ورش التصنيع التي تعاني من انقطاع التيار الكهربائي أكثر ساعات اليوم، وغلاء المواد التي أغلبها مستوردة”.
نقص الورش الفنية في تصنيع الأنتيكة قابلته زيادة في العرض من قبل السكان المحليين، حيث يكشف لطفي عن عرض الكثير من القطع التي لها قيمة كبيرة من قبل أصحابها، “يمرّ علينا رجال وسيدات يحملون قطعا زجاجية وخزفية ونحاسية وخشبية وغيرها، يريدون بيعها بسبب الأوضاع الاقتصادية أو بدافع الهجرة، البعض منهم لا يقدر قيمتها ربما ورثها من عائلته”.
وخلال وجودنا أمام محل لطفي تحمل سيدة تدعى أم جورج قطعة زجاجية تريد بيعها، وهي عبارة عن خزف صيني، هذه القطعة عمرها أكثر من 40 عاما. تقول “اشتريتها وكانت قيمتها تعادل 5 غرامات من الذهب، والآن أبيعها بسبب ضيق ذات اليد ولا تساوي أقل من غرامين”.
وتضيف أم جورج “مازلنا نعيش بفضل خيرات الزمن الجميل، لقد بعت الكثير من مقتنيات المنزل ومصاغي الذهبي، حتى تدبرت تكاليف سفر ولدي إلى أوروبا، وأنتظر أن يباشر عمله حتى يساعدني على تدبر أموري المعيشية”.
