محطات آسيوية جديدة في السياسة الخارجية المصرية

جولة شكري تهدف إلى ضبط التوازن مع ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وباكستان.
الأربعاء 2022/03/16
عودة مصرية إلى دول آسيا

تبعث الجولة الآسيوية التي يقوم بها وزير الخارجية المصري سامح شكري والتي تشمل ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وباكستان، برسائل مفادها أن القاهرة تريد إعادة الدفء إلى العلاقات مع هذه الدول الآسيوية مدفوعة بالمخاطر الناجمة عن الابتعاد عنها على غرار تمدد قوى إقليمية في آسيا مثل تركيا وإيران.

القاهرة- بدأت مصر تتطلع إلى تطوير علاقاتها السياسية مع عدد من الدول الآسيوية بعد مرحلة من الفتور بسبب انهماك القاهرة في مشكلاتها الداخلية وتحدياتها الإقليمية الفترة الماضية، حيث يقوم حاليا وزير الخارجية سامح شكري بجولة بدأها من ماليزيا الاثنين، وتشمل كلا من سنغافورة وإندونيسيا وباكستان.

يصب التوقف في هذه المحطات في خانة تنويع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتبناها القيادة المصرية وزادت أهميتها مع انعكاسات الحرب بين روسيا وأوكرانيا وما أثبتته من أهمية للتحالفات الإقليمية القوية، والتي قصرتها القاهرة تقريبا على الدول التي ترتبط معها بمصالح مباشرة، لم تكن من بينها الدول الأربع.

إحداث توازن سياسي

◙ سامح شكري يجري  مشاورات مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، حيث تولي القاهرة اهتماما خاصا بإسلام آباد عقب صعود طالبان في أفغانستان
سامح شكري يجري  مشاورات مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، حيث تولي القاهرة اهتماما خاصا بإسلام آباد عقب صعود طالبان في أفغانستان

أشارت مصادر مصرية لـ”العرب” إلى أن حرص القاهرة على إعادة الدفء مع دول آسيوية العامين الماضيين جاء بعد أن اكتشفت المخاطر التي يحملها البعد عنها، حيث تطورت علاقات كلّ من تركيا وإيران، وتقدر كلاهما الأهمية الحيوية لهذه الدول، ما يجعل أي تقارب مصري مهمّا لإحداث توازن سياسي في ظل تمدّ د هاتين الدولتين.

وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن جولة شكري كانت بعيدة نسبيا عن المسار الدبلوماسي المصري، وعلى صلة بأن الدول التي تشملها الجولة صارت هدفا لقوى إقليمية لها توجهات خفيّة ضد دول خليجية، “والزيارة لا تمثل القاهرة وحدها، بل تنطوي على هموم دول عربية لها توجه متقارب معها”.

وأضاف لـ”العرب” أن “مصر لديها استراتيجية حاليا تقوم على التوجه نحو الشرق وتطوير العلاقات مع دوله لسحب البساط من المحور التركي الإيراني الساعي إلى ملء الفراغ السياسي الحاصل لصالحهما، بما يضر بمصالح القاهرة وحلفائها في النهاية”.

وهناك استدارة مصرية حقيقية تسعى إلى الاستفادة من الرصيد التاريخي مع الدول الأربع، بعد تأكدها من الوزن الذي تلعبه في محيطها والنتائج السلبية التي ينطوي عليها تزايد نفوذ قوى إقليمية، لها طموحات كبيرة في دول تمثل هدفا لحركات إسلامية متطرفة يمكن أن تحدث أصداء داخل مصر.

ولفتت المصادر ذاتها إلى وجود تقديرات غربية بتصاعد تحركات المتطرفين، خاصة في باكستان وأفغانستان، وهو ما يشير إلى عدم استبعاد حدوث عنف في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة استقبلت عناصر تكفيرية من سوريا والعراق.

وظهرت معالم الاهتمام المصري في شكل زيادة أوجه التعاون الاقتصادي والاستفادة من الرصيد المعنوي للأزهر في جنوب شرق آسيا وتكليف السفراء المعتمدين بالمزيد من التفاعل مع النخبة السياسية عكس أوقات سابقة شهدت ركودا. 

◙ مصر تتطلع إلى تطوير علاقاتها السياسية مع عدد من الدول الآسيوية بعد مرحلة من الفتور
مصر تتطلع إلى تطوير علاقاتها السياسية مع عدد من الدول الآسيوية بعد مرحلة من الفتور 

والتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري في كوالالمبور الاثنين، مع رئيس الوزراء الماليزي إسماعيل يعقوب، وسلمه رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بين البلدين وسبل تطويرها على أصعدة مختلفة.

وشهدت الفترة الماضية زيادة في حجم التبادل التجاري بين القاهرة وكوالالمبور وصل العام الماضي إلى نحو مليار دولار بزيادة بلغت 80 في المئة مقارنة بالعام السابق عليه.

ودخلت مصر في شراكات مع سنغافورة في مجالي بناء السفن وتحلية المياه، وهو ما يتطلب توفير الغطاء السياسي اللازم لتعزيز العلاقات على الصعيد الاقتصادي.

وتنظر القاهرة إلى جاكرتا على أنها رمانة ميزان في منطقتها وتسعى إلى استعادة أحلام فترة الخمسينات التي شهدت تعاونا بين الجانبين على محور عدم الانحياز، لا تزال بقاياه في ذاكرة الشعب الإندونيسي وقيادته التي تواجه تحديات تنامي المتشددين بالحسم الذي تبنته القيادة المصرية حتى تمكنت من تقويض نشاط الإرهابيين.

اهتمام خاص بباكستان

يشارك شكري في اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي المقرر انعقاده في إسلام آباد يومي الثاني والعشرين والثالث والعشرين من مارس الجاري تحت عنوان “بناء الشراكات من أجل الوحدة والعدالة والتنمية”.

ومن المنتظر أن يجري شكري مشاورات مع رئيس الوزراء عمران خان ووزير خارجيته شاه محمود قريشي، حيث تولي القاهرة اهتماما خاصا بإسلام آباد عقب صعود حركة طالبان في أفغانستان، وما يمكن أن يترتب على هذه الخطوة من تأثيرات أمنية، حيث لا تزال تعيش قيادات وعناصر مصرية متطرفة على أراضيها.

ويذهب شكري إلى إسلام آباد في وقت يواجه عمران خان اختبار ثقة داخل البرلمان عقب زيادة قوة المعارضة التي تحركت سريعا في أجواء خيمت عليها تصريحات تهجّم فيها الرجل على سفراء غربيين في إسلام آباد حثوا بلاده على إدانة تحركات روسيا في أوكرانيا، وسألهم عمّا إذا كانوا يعتقدون بأن باكستان “عبد” لهم.

حرص القاهرة على إعادة الدفء مع دول آسيوية العامين الماضيين جاء بعد أن اكتشفت المخاطر التي يحملها البعد عنها

وبات وضع عمران خان على محك جديد مع الهند بعد سقوط صاروخ في أراضي بلاده قبل أيام، فعلى الرغم من اعتذار الهند رسميا عنه بحجة أنه سقط عن طريق الخطأ، غير أن رسالته السياسية ليست خافية على المتابعين، ومفادها إذا كنت تؤيد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا فلماذا تغضب من ضم كشمير للهند؟

وتمثل هذه الأزمة إشكالية أمام القاهرة وتحاول أن تضبط تقديراتها بين الطرفين بما لا يجعلها تخسر الهند أو باكستان، وهو اختبار صعب يحتاج إلى مرونة عالية.

وقررت القاهرة تحويل جزء من دبلوماسيتها نحو الدول الأربع، على اعتبار أنه من المتوقع أن تحدث داخلها أو على مقربة منها تغيرات، ومن الضروري في هذه الحالة ألا تكون مصر بعيدة تماما لأن التأثيرات السياسية والأمنية والاقتصادية لها ربما تمس مصالحها بصور مختلفة.

7