محاولة الانقلاب أنهت المعارضة ومهدت طريق الاستبداد لأردوغان

على الرغم من الغموض والمخاوف اختارت حكومة العدالة والتنمية سياسة القمع فيما لم تواجه المعارضة النظام السلطوي واكتفت بالصمت توجسا من عزلها أو تصفيتها.
الجمعة 2020/07/17
محاولة الانقلاب لا تزال لغزا

في الذكرى الرابعة لمحاولة الانقلاب في تركيا، يسلط المتابعون الضوء على دور المعارضة في كشف مستجدات الحادثة الانقلابية الفاشلة أمام شكوك في الرواية الحكومية تفاقمت مع عدم نشر البرلمان التركي تقريره عن الحادثة إلى الآن، وتعتقد أوساط سياسية تركية أن المخاوف من التصفية أجبرت المعارضة على الوقوف في صفه أثناء حادثة الانقلاب، ما سهل له طريق الاستبداد بمزيد من إحكام قبضته على الحكم.

إسطنبول- في 15 يوليو 2016، عندما كانت طائرات إف- 16  تحلق فوق إسطنبول وأنقرة، خرج السكان إلى الشوارع تحت أصوات هدير محركاتها ووقفوا في طريق دبابات الانقلابيين. وعندما أُحبطت محاولة الانقلاب التي وصفها الرئيس بأنها هدية من الله، اغتنم رجب طيب أردوغان الفرصة لتعزيز سلطته.

ولا يزال النقاش دائرا حول الأحداث التي جرت في ذلك اليوم، لكن المعارضة حفرت قبرها بموقفها بعد الانقلاب، وهو ما أكده مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والنائب السابق في البرلمان التركي، أيكان أردمير، والموظف السابق في وزارة الخارجية الأميركية هنري باركي في بودكاست في حوارهما مع رئيس تحرير موقع أحوال تركية ياوز بيدر نشر على موقع يوتيوب.

تتهم تركيا الداعية، المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن وأتباعه الناشطين ضمن ما يسمى بحركة غولن بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في 2016. ومنذ ذلك الحين، عزلت مئات الآلاف من المسؤولين الحكوميين وأفرادا من الجيش في سلسلة من عمليات التطهير واعتبرت الجماعة منظمة إرهابية.

وقال أردمير “منذ اللحظات الأولى لمحاولة الانقلاب، كان تفسيري هو أن ضباط غولن والفروع المدنية للحركة كانت العمود الفقري الرئيسي للانقلاب. وعندما ننظر إلى الوراء، نرى أن هذا التنبؤ ليس خطأ”.

شهادات

لكن الانقلاب لا يزال لغزا بالنسبة إليه رغم أنه يرى أن منظمة غولن تقف وراءه، وهو مع ذلك لا يستطيع فهم بعض النقاط، “فالقوات المسلحة التركية تعين الكثير من الضباط كل عام وتنظف نفسها باستمرار بسبب الخوف المستمر من التسلل”.

وأضاف “لا يمكنني أن أفهم كيف دخل عدد كبير من المنتمين إلى حركة غولن إلى مثل هذه المؤسسة. عندما ننظر إلى التطورات بعد الانقلاب، طُرد المئات من الضباط وأكثر من 200 من الجنرالات والأدميرالات،  نجد العديد من الأشخاص في السجن. هل كانوا جميعا من حركة غولن؟”. يتفق الخبراء على أن هناك أسبابا عديدة وراء رغبة حركة غولن في الإطاحة بحكومة أردوغان، على الرغم من أن المنظمتين الإسلاميتين كانتا حليفتين في الفترة التي سبقت الانقلاب، لكن المتشككين في رواية الحكومة لديهم رأي آخر.

ويجد المتشككون بعض الأسئلة العالقة حول ليلة الانقلاب بسبب الذكرى السنوية للانقلاب. حيث اتهم كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، الرئيس وحزب العدالة والتنمية الحاكم بمعرفة مسبقة بحركة الانقلاب الفاشل.

وقد أجرت اللجنة البرلمانية تحقيقا على مدى أشهر لكتابة تقرير عن أحداث 15 يوليو كان من المفترض أن يقدم وصفا مفصلا لما حدث. واختتم التقرير لكنه لم ينشر قط، ولا تزال المعارضة التركية تسأل عن مكان وجوده. ويبقى السؤال حول دور أردوغان بالضبط قبل وأثناء تلك الليلة. وما هو أكثر من ذلك، فإن رئيس المخابرات، ووزير الدفاع الحالي خلوصي أكار، رئيس هيئة الأركان آنذاك، وصهر أردوغان بيرات البيرق، وزير المالية الحالي الذي كان يرافق أردوغان في تلك الليلة، لم يشهدوا أبدا بشهادات أمام اللجنة البرلمانية بشأن الانقلاب الفاشل.

وعلى الرغم من الغموض والمخاوف اختارت حكومة العدالة والتنمية سياسة القمع، فيما لم تواجه المعارضة النظام السلطوي واكتفت بالصمت توجسا من عزلها أو تصفيتها حسب ما ذهب إليه المتابعون.

تنفذ السلطات حملة مستمرة على من تشتبه بأنهم من أنصار غولن، رجل الدين المقيم بالولايات المتحدة، منذ محاولة الانقلاب التي سقط فيها 250 قتيلا. وينفي غولن الذي كان يوما حليفا للرئيس رجب طيب أردوغان أي صلة له بتلك المحاولة.

ووقع طرد العديد من الجنرالات والأدميرالات من الجيش التركي إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في إطار المحاكمات الجنائية؛ والتسريح الإداري والتقاعد المبكر والاستقالة القسرية.

وبالإضافة إلى الضباط المتهمين بالتخطيط لمحاولة الانقلاب وتنفيذها، طُرد أكثر من 10 آلاف طالب عسكري من المدارس العسكرية في عمليات التطهير، وحكم على المئات منهم بالسجن مدى الحياة بتهمة “محاولة الإطاحة بالنظام الدستوري بالقوة والعنف”.

وقال باركي “هناك قسوة في عمليات الحكومة. ويبرز أهم مثال مع هؤلاء الطلاب المساكين الذين كانوا ينفّذون الأوامر ولم يعرفوا أي شيء آخر. يبلغون من العمر 18 عاما فقط. تهدد الحكومة الجميع دفعة واحدة. تحاول إعطاء رسالة مفادها أنه لا يمكن لأحد معارضتها”.

أردوغان قام بتجريم المعارضة بكل الطرق
أردوغان قام بتجريم المعارضة بكل الطرق

ومنذ محاولة الانقلاب، تم سجن حوالي 80 ألفا إلى حين محاكمتهم وفصل نحو 150 ألفا من موظفي الدولة ومن الجيش وغيرهم أو أوقفوا عن العمل.   يشير المحللان إلى أنه لا أحد يعرف اليوم تفاصيل عن الانقلاب أكثر مما كان يعرفه قبل أربع سنوات. وعلقت لجنة برلمانية عملها على صياغة تقرير حول محاولة الانقلاب في 2017 عندما أعرب أردوغان عن عدم موافقته على التحقيقات العميقة.

وبين أردمير “هناك سببان يخبراننا أنه لن يكون من السهل الوصول إلى حقيقة الانقلاب. أولا، إذا ظهرت الحقائق، فهذا يعني تبرئة العديد من الشخصيات والمؤسسات المعارضة التي جرّمتها الحكومة منذ الانقلاب ليتحول الائتلاف الحاكم إلى الجاني الحقيقي. ولهذا سيفعلون كل شيء لمنع ذلك”.

وأضاف أن هناك العديد من الصحافيين وأعضاء المنظمات غير الحكومية والسياسيين الذين اتهموا وسجنوا بتهمة التحريض ومساعدة حركة غولن دون أي دليل قوي.  ويرى باركي أن “حركة غولن اخترقت البيروقراطية بإذن أردوغان. كان يعرف هويات كل واحد منهم. لذلك، طرد الكثير. إذا كانت القوات المسلحة التركية تجمع عددا من ضباط غولن، فقد جاؤوا إلى هذه الوظائف بموافقة الحكومة. وقد يكون هذا سبب طردهم”.

وينتقد المتابعون أداء المعارضة في التعاطي مع حادثة الانقلاب الفاشلة حيث أذعنت لإجراءات النظام واختارته دعمه في الحادثة بدل البحث عن حقيقة ما جرى.

وقع طرد أكثر من 10 آلاف طالب من المدارس العسكرية في عمليات التطهير، وحكم على المئات منهم بالسجن مدى الحياة بتهمة محاولة الإطاحة بالنظام الدستوري

ولفت أردمير إلى “أن أردوغان كان يتوقع أن تصطف الانتقادات القوية لحكومته خلف الانقلابيين، ولكن المعارضة وقفت ضد المحاولة ودافعت عن الحكومة المنتخبة على الرغم من رفضها. وبذلك، أضاع أردوغان الفرصة لتصنيف المعارضة على أنها غير شرعية كداعمة للانقلاب لتصفيتها. فأصبحنا نرى جهود نظام أردوغان لتجريم المعارضة بطرق أخرى”.

لكنه أضاف أن المعارضة حفرت قبرها بسياساتها بعد الانقلاب. حيث انضمت أحزابها، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، وحزب السعادة، وباقي الأحزاب إلى دعوة أردوغان للوحدة الوطنية بعد الانقلاب الفاشل. وعملت على تنظيم تجمع حزبي سياسي في ميدان يني كابي في إسطنبول إثر الانقلاب الفاشل.

 وخلص أردمير بالقول “مرت المعارضة باختبار انقلاب صارم، لكنها دعمت السلطوية القادمة وحفرت قبرها بعد تجمعها في ميدان يني كابي، ربما بسبب افتقارها لبُعد النظر، أو لأنها أجبرت على ذلك”.

6