محاولات للالتفاف على رغبة ولي العهد في حل البرلمان العائد تعمق الأزمة الكويتية

تتخذ الأزمة السياسية في الكويت منعرجا جديدا مع إصرار رئيس مجلس الأمة على عقد جلسة تشريعية على الرغم من إعلان ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد في وقت سابق عن حل المجلس العائد، والدعوة إلى انتخابات جديدة. ويرى مراقبون أن الغانم يحاول استغلال بعض الثغرات من أجل الدفاع عن بقاء مجلس 2020، مشيرين إلى أن الكرة الآن في ملعب القيادة الكويتية لحسم الأمر.
الكويت - تقول أوساط سياسية كويتية إن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ومن خلفه أجنحة داخل الأسرة الحاكمة، يعملان على إعادة خلط الأوراق مجددا والالتفاف على إعلان ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح اعتزامه حل مجلس الأمة (البرلمان) العائد، محذرة من أن هذه الأطراف تدفع باتجاه خلق أزمة دستورية قد تصعب معالجتها لاحقا.
وتوضح الأوساط الكويتية أن إصرار الغانم على عقد جلسة تشريعية الأسبوع المقبل، هو خطوة جديدة من قبله للمناورة، وعملية توظيف لبعض الثغرات ومن بينها عدم صدور حتى اللحظة مرسوم أميري يقضي بحل مجلس 2020.
وتلفت الأوساط إلى أن ما يجري يعكس احتداد الصراع بين شقين: الأول يتصدره الغانم، ويضم شيوخا من الأسرة الحاكمة، والثاني رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي يحوز دعم قوى المعارضة.
وعمد رئيس مجلس الأمة العائد، الخميس، إلى استغلال جلسة لمجلس المكتب تهدف إلى النظر في مقترح تقدم به رئيس اللجنة التشريعية والقانونية عبيد الوسمي بشأن فتح صناديق الاقتراع لفحص محاضر الفرز وأوراق المقترعين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليجدد الدعوة إلى عقد جلسة تشريعية جديدة الثلاثاء المقبل، من المتوقع أن تلقى مصير الجلسة السابقة.
◙ وفق الدستور الكويتي لا يمكن عقد أي جلسة لمجلس الأمة دون حضور أغلبية النواب وأحد الممثلين عن الحكومة
وقال الغانم في تصريح صحفي بعد اجتماع مكتب المجلس "لا زلنا حتى الآن بانتظار صدور مرسوم الحل بشكل دستوري سليم، وهذه الإجراءات المتعلقة بإصدار مرسوم الحل مسؤول عنها بشكل مباشر رئيس الوزراء، الذي عليه اتخاذ كافة الإجراءات الدستورية السليمة، منعا لوقوع أي خطأ إجرائي كما حدث في المرة السابقة".
وأضاف "على الحكومة حتى إصدار مرسوم الحل التعامل بشكل دستوري مع السلطة التشريعية وفق المقتضيات الدستورية المعروفة، وبناء عليه قرر مكتب المجلس الدعوة إلى جلسة عادية الثلاثاء المقبل الموافق للثاني من مايو طبقا لما جاء في المواد 71 و72 من اللائحة الداخلية".
وتقول الأوساط إنه كان هناك تنسيق مسبق بين الوسمي والغانم بشأن طرح المقترح الذي لم يمر عليه يوم واحد ليسارع الطرفان إلى عقد جلسة للمكتب بخصوصه، والذي تقرر خلالها تأجيل مناقشته وإعلان جلسة تشريعية عادية الثلاثاء.
وكان رئيس اللجنة التشريعية والقانونية المعروف عنه قربه من رئيس مجلس الأمة، قد تقدم الأربعاء بطلب رسمي إلى مكتب المجلس لإصدار قرار يتم بموجبه اتخاذ إجراءات من ستة بنود "بشكل فوري"، تتعلق بـ"التحفظ على صناديق الاقتراع الموجودة بمجلس الأمة"، وذلك "تمهيداً لفتحها وإعادة فرز الأوراق والمحاضر والمستندات التي يوجب القانون تضمينها هذه الصناديق".
وتضمّن الطلب دعوة كافة مرشحي الانتخابات الأخيرة في الدوائر الانتخابية الخمس، وفق جدول زمني يبدأ من الخميس المقبل ويتواصل حتى يوم الثلاثاء الذي يليه ويُخصص كل يوم لدائرة واحدة باستثناء الجمعة، لحضور "إجراءات فتح وإعادة فرز الصناديق والتحقق من سلامة المحاضر والأوراق المودعة هذه الصناديق والكشوفات ووثائق الجنسية الممنوحة قبل يوم الاقتراع".
ولم يخل هذا المقترح من عملية تشكيك في نزاهة نتائج الانتخابات التشريعية السابقة التي جرت في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي، والتي كان يراهن عليها الكويتيون لعودة الاستقرار السياسي بعد تجاذبات أدت إلى حالة شلل في الحياة السياسية، وأثرت على جهود الإصلاح الاقتصادي التي كانت ترنو الدولة الخليجية إلى إطلاقها.
ويرى متابعون أن هناك من داخل الأسرة الحاكمة من هو غير راض على توجه القيادة الكويتية إلى حل مجلس الأمة العائد، ويحاول عبر الغانم الحيلولة دون ذلك، الأمر الذي سيقود إلى المزيد من التوتر السياسي، حيث أن الشيخ أحمد النواف وأيضا قوى المعارضة لن يقبلا بذلك.
وأعلن وليّ العهد الكويتي في السابع عشر من أبريل الجاري، في كلمة وجهها إلى الكويتيين بمناسبة الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، نيابةً عن أمير البلاد، “الانتصار للإرادة الشعبية” بحلّ مجلس 2020، العائد بحكم من المحكمة الدستورية، والدعوة إلى انتخابات عامة خلال الأشهر المقبلة.
◙ ما يجري يعكس احتداد الصراع بين شقين الأول يتصدره الغانم والثاني بقيادة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح
وقبلها أصدر الشيخ مشعل الأحمد مرسوما أميريا يقضي بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ أحمد النواف، في التاسع من أبريل الجاري، ضمت 14 وزيراً واشتملت على تغيير ستة وزراء، هم في واقع الأمر محل تحفظات من قبل قوى المعارضة. وتعود جذور الأزمة الراهنة إلى قرار صدر في التاسع عشر من مارس الماضي عن المحكمة الدستورية وقضى بإبطال مجلس الأمة 2022 وإعادة مجلس 2020.
واستندت المحكمة الدستورية في قرارها إلى خلل في الإجراءات التي صاحبت عملية حل مجلس 2020. وقد أثار قرار المحكمة صدمة في الأوساط السياسية والشعبية الكويتية، قبل أن يبرز لاحقا محوران الأول ينادي بالالتزام بموقف المحكمة ويقوده الغانم والوسمي، والثاني يقوده نواب المعارضة ويرفض الاعتراف بالمجلس العائد.
وقد شدد نواب المعارضة في وقت سابق على "أن إحياء المجلس أمر لا يمكن أن يحصل"، مشيرين إلى أن "ما بُني على باطل فهو باطل والأمير هو الحكم، ومرسوم الحل هو عمل سيادي ولا يجوز للمحكمة الدستورية النظر في مراسيم الأمير، وأنهم سيجلسون على مقاعد الوزراء ولن يسمحوا بانعقاد جلسة القسم".
ويرى المتابعون للشأن الكويتي أن محاولات الغانم اليوم للإبقاء على المجلس التشريعي ستسْهم في تأزيم الوضع، مستبعدين إمكانية عقد الجلسة التشريعية التي كان أعلن عنها الخميس، في ظل مقاطعة نواب المعارضة وأيضا حكومة الشيخ أحمد النواف. ووفق الدستور الكويتي لا يمكن عقد أي جلسة دون حضور أغلبية النواب وأحد الممثلين عن الحكومة.
ويشير المتابعون إلى أن القرار اليوم بيد القيادة الكويتية التي سيتوجّب عليها إصدار مرسوم أميري في حل البرلمان العائد، والذي من المرجح أن يتم خلال الأيام المقبلة، عكس ذلك يعني أن المشكلة في البلاد مرشحة لأن تتحول إلى أزمة كبيرة.
وعلى خلاف المجالس التشريعية في منطقة الخليج، فإن البرلمان الكويتي يحظى بسلطات واسعة، ويشمل ذلك سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الحكومة والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة. وقد شهدت العلاقة بين مجلس الأمة والحكومات المتعاقبة سجالات لا تنتهي خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يدفع البعض إلى الدعوة إلى إعادة تشكيل النظام السياسي في الدولة الخليجية.