محاكمة صحافي تونسي وفق المجلة الجزائية تضع حرية التعبير في الميزان

الحكم بسجن الصحافي التونسي توفيق بن بريك سنة سجنا مع النفاذ يعتبره إعلاميون ومراقبون "ضربة قاصمة لحرية التعبير وعدالة القضاء" في تونس.
تونس - أكدت مصادر قضائية في محكمة محافظة بن عروس التونسية أن محكمة الجهة قضت الخميس بالسجن لمدة سنة واحدة مع التنفيذ العاجل في حق الإعلامي والكاتب التونسي توفيق بن بريك، على خلفية تصريحات أدلى بها على قناة “نسمة” الخاصة واعتُبرت اعتداء على هيبة القضاء.
وكان توفيق بن بريك قد أطل عبر “نسمة تي.في”، نهاية عام 2019، واتهم القضاء التونسي بالفساد والمحاباة، على خلفية إلقاء القبض على واحد من مالكي القناة وأحد المرشحين للرئاسة حينها نبيل القروي، المتهم بالفساد والتهرب الضريبي.
وأكد نبيل عكريمي، محامي بن بريك، أنه تم إيقاف موكله على خلفية حكم غيابي صادر في حقه بسنة سجنا مع النفاذ العاجل بتهمة التشهير بقضاة. وأضاف الذي استنكر الحكم، أن أطوار القضية تعود إلى فترة الحملة الانتخابية إثر إيقاف المرشح للانتخابات الرئاسية حينها نبيل القروي حيث انتقد بن بريك القضاة في فترة حكم بن علي خلال تصريح إعلامي مستشهدا بأسماء بعض القضاة.
وتابع عكريمي أن القانون واضح في هذه النقطة حيث ينص الفصل 69 على أن المتضررين من التشهير فقط لهم حق التظلم ورفع قضية في الغرض، لكن في قضية الحال النيابة العمومية هي من أثارت القضية وحكم على توفيق بن بريك بالسجن لمدة سنتين مع النفاذ العاجل غيابيا دون أن يتم إعلامه بذلك.
وأشار عكريمي إلى أنه توجه مع موكله لاستئناف الحكم نظرا للخطأ الإجرائي الواضح لكن تم الحكم على بن بريك بالسجن لمدة سنة مع النفاذ العاجل وتم نقله إلى السجن بعد إيقافه لمدة تجاوزت الساعتين.
الإعلامي توفيق بن بريك اتهم القضاء التونسي بالفساد والمحاباة عبر قناة نسمة الخاصة، وهو ما تسبب في سجنه
واعتبر محامي الإعلامي التونسي في تصريحات أن الحكم قاس، خاصة أن موكله انتقد القضاء قبل الثورة التونسية، ولم تصدر بحقه عقوبة سالبة للحرية، وفقا له.
يذكر أن الإعلامي والكاتب توفيق بن بريك عمل مراسلا لصحف فرنسية عدة، من أهمها “ليبراسيون”، وكان من أبرز المعارضين لنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وتعرض في عهده للكثير من المضايقات والمنع من السفر، كما يعتبر واحدا من أكثر الكتاب التونسيين جرأة في كتاباته الإبداعية، ومن أهمها روايتا “كلب بن كلب” و”وهران”.
وقال الإعلامي برهان بسيس “توفيق بن بريك الكاتب الذي عارض بن علي ذات إضراب جوع غداة جنازة الزعيم الحبيب بورقيبة مخترقا جدار صمت سميك صُنع حينها حول السياسة في تونس… نادرا ما تحدث بن علي علنا أمام كاميراهات التلفزيون عن معارض… لكنه تحدث حينها عن بن بريك وإضراب جوعه في جلسة شهيرة غير مسبوقة نقلها التلفزيون الرسمي…”.
وأكد نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري أن “سجن الصحافي والكاتب توفيق بن بريك على خلفية انتقاده للقضاء فضيحة، وضربة قاصمة للفكر ولحرية التعبير ولعدالة القضاء”.
من جانبها أدانت نقابة الصحافيين التونسيين بشدة الحكم. واعتبرت في بيان أن “الحكم انحراف خطير في المعالجة القضائية لملف يدخل في إطار حرية التعبير، وطالبت بإطلاق سراح بن بريك فورا”.
وقال بيان النقابة إن “هذا الحكم القاسي يأتي في سياق تنامي الاتهامات للقضاء بالانحياز والارتهان لسلطة بارونات المال والسياسة وهو ما من شأنه أن يضرب في العمق ثقة الرأي العام في السلطة القضائية التي من المفروض أن تكون ضامنة للحقوق والحريات وحامية لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس”.
وعبرت النقابة عن خشيتها من إقحام الصحافيين في الصراعات السياسية.
وذكرت النقابة أن ”توفيق بن بريك كان أحد عناوين مقاومة الاستبداد وتكميم الأفواه فوأنه شخصية إعلامية وأدبية لها أسلوب متميز يعتمد على المجاز في الخطاب”.
كما أكدت أن ”مؤسسة القضاء مثلها مثل باقي مؤسسات الدولة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية لا يمنحها القانون التونسي ولا المعايير الدولية لحقوق الانسان أي حصانة تجاه النقد الذي يطال مدى استقلاليتها عن النفوذ السياسي والمالي”.
وأضاف بيان النقابة أنّ ”المدونات القانونية لكل البلدان الديمقراطية تتفق أنه يُسمح في النقاش العام المتعلق بشخصيات عامة في المجال السياسي والمؤسسات العامة بكافة أشكال التعبير غير المقيد وهو ما لم يراعيه الحكم الصادر في حقّ بن بريك مما من شأنه يعّزز المخاوف من العودة السافرة لحظر انتقاد مؤسسات”.
من جانبه أكد الصحافي زياد الهاني أن إيقاف بن بريك “خطير جدا”.
وقال في تدوينة على فيسبوك أن ”الحكم على توفيق بن بريك بالسجن في قضية رأي، تجاوز صارخ لمقتضيات المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة، الذي يعاقب بالخطية فقط في جرائم الصحافة والنشر وليس بالسجن”. واعتبر زياد الهاني أن “ما يحصل جريمة في حق حرية الإعلام والتعبير واعتداء خطير على أهم مكسب تحقق للتونسيين”.
ويحصر المرسوم 115 العقوبة المستوجبة في صورة ثبوت ثلب في خطية مالية. ورغم أن المحاكم التونسية نأت بنفسها عن الجدل السياسي الذي أعقب سن المرسوم وباشرت في تطبيقه، فإنه يلاحظ وفق رجال قانون أن نفس المحاكم عادت وفي موازاة تطبيقه لاستعمال أحكام المجلة الجزائية التي تنظم الثلب والتي هي عبارة عن نصوص مطاطة تنص على عقوبات سجنية رادعة دون اعتبار لتعارض أحكامها مع المرسوم 115 الذي فعلته.
وينص الفصل 128 من المجلة الجزائية على أنه “يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها مئة وعشرون دينارا كل من ينسب لموظف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم أو عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار أمورا غير قانونية متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك”.
وحذرت الأستاذة الجامعية رجاء بن سلامة من “دكتاتوريّة القضاة”. وكتبت بن سلامة في تدوينة على فيسبوك “أرجو ألا أسجن بسبب هذا التّعليق”. وتابعت في نص التدوينة “العدالة ليست انتقاما، سادتي، سيّداتي القضاة والقاضيات. والأحكام السّالبة للحرّيّة يجب أن تكون قليلة جدّا، ويجب أن تكون للإرهابيين وكبار المجرمين، والقتلة، لا لأصحاب الفكر والقلم، ولا للمدوّنين”.
وعبرت بن سلامة عن رفضها للحكم بالسّجن على توفيق بن بريك، لأنّه انتقد القضاة. وتساءلت في هذا السياق “ماذا قال توفيق بن بريك ليسجن؟ انتقد بعض القضاة؟ وهل القضاة فوق النّقد وفوق المساءلة والمحاسبة؟ هناك قضاة مرتشون وفاسدون. وهناك قضاة تلاعبوا بملفّ الشّهيدين، وهناك قضاة لا يبالون بالقانون، وهناك قضاة لا يعرفون حقوق الإنسان، ويحكمون بأحكام قاسية لا مبرّر لها.
ونوهت بن سلامة بوجود الكثير من القضاة النّزهاء، والكثير من القضاة أصحاب الفكر النيّر، والكثير من القضاة مرجعيّتهم حقوق الإنسان.
ودعا النائب في البرلمان مبروك كرشيد إلى إطلاق بن بريك. وأشار إلى أن بن بريك كان يمتع التونسيين بجرأته الزائدة بعض الأحيان، وبثقافته العالية ونقده المرير للواقع. وأضاف أنه “كان وما زال ضد السيستام منذ بداية دهره”.
واعتبر كرشيد أن توفيق بن بريك أو “بن بريك مسيب (حر)” حسب برنامجه على قناة نسمة الذي أحيل من أجله أمام محكمة بن عروس، جعله “بن بريك مربوط (مسجون)” بسجن المرناقية من أجل موقف من القضاء اعتبره القضاة مسا وحطا من اعتبارهم فقضى غيابيا بالسجن لمدة سنتين مع النفاذ العاجل.
ونوه بالموقف المحزن الذي وجد فيه مثقف كبن بريك نفسه اليوم، ما يصيب كل المثقفين بالخوف والهلع من مجريات الحرية ومستقبلها وتقدمها في تونس.
وأفاد كرشيد “بن بريك تكلم ونقد الجميع رئيس الجمهورية والوزراء، الداخل والخارج؛ الأبيض والأسود لم يستثن أحدا. الكل تحمل نقده وسخريته اللاذعة إلا القضاة والحال أنهم الأكثر عرضة للنقد والطعن في مواقفهم وأرائهم وأحكامهم وبالنص القانوني”.
وأضاف كرشيد أن القاضي الذي حكم على بن بريك ووضعه في السجن واعتبره خطرا داهما على الأمن العام لم يخطئ في حق نفسه وفي حق زملائه وحق بن بريك، بل الأخطر أنه أخطأ في حق كل المثقفين وأصحاب الرأي. لقد أخطأ في حق الحرية التي يتمتع بها هو وزملاؤه دون حدود”.