محاربة الحزب الحاكم البريطاني للإسلاموفوبيا تفتقد الإرادة السياسية

حزب المحافظين يكتفي بتجميد عضوية 14 شخصا من المنتسبين إليه نشروا عبارات مسيئة للمسلمين على الإنترنت.
الخميس 2019/03/07
البريطانيون يعارضون الإسلاموفوبيا

أمام تنامي الممارسات العنصرية في بريطانيا يشكك كثيرون في جدية مساعي السياسيين لصد هذه الانتهاكات، فبعد الانتقادات التي وجهت لحزب العمال بسبب عدم اتخاذ مواقف حاسمة في مواجهة الممارسات المعادية للسامية -وكان أكثرها حدة انتقاد عدد من نوابه وانشقاقهم عن الحزب لهذا السبب إلى جانب ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- مما سلط الضوء من جديد على الجدل الذي أثارته تصريحات وعبارات مسيئة للمسلمين أطلقها البعض من المنخرطين في حزب المحافظين البريطاني.

لندن – ترتكز المواقف المشككة في جدية التعامل مع معاداة السامية أو الإسلاموفوبيا على حقيقة غياب الإجراءات الحاسمة التي تكون تداعياتها ملموسة في مواجهة الظاهرة العنصرية المشتقة من تنامي مشاعر الكراهية وعدم قبول الآخر والصراع بين الأديان والثقافات. هذه المواقف تلتمس إجراءات فعالة بإمكانها أن تؤدي إلى نتائج حقيقية تكون ملموسة في الحياة اليومية للبريطانيين، وليس الاكتفاء بمحاربة الإسلاموفوبيا وكل أشكال العنصرية والكراهية بمجرد شعارات.

اتخذ حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا والذي تتزعمه رئيسة الوزراء تيريزا ماي قرارا يقضي بتعليق عضوية 14 شخصا من المنسبين له بعد أن أثارت منشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي جدلا واسعا لتضمنها عبارات إسلاموفوبية.

وقال متحدث باسم الحزب، في تصريحات نقلتها صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، “حددنا بعض الأشخاص الأعضاء في الحزب ممن نشروا تعليقات مسيئة، وعلقنا عضويتهم على الفور، إلى حين إجراء المزيد من التحقيقات”.

وقرار تعليق العضوية جاء، وفق الصحيفة، بعد شكاوى من شخصيات إسلامية.

وضمن هذه المنشورات قال أحد أعضاء حزب المحافظين إنه يتمنى “طرد جميع المسلمين من الوظائف العامة”، وأعرب آخر عن رغبته في “التخلص من جميع المساجد في البلاد”. كما قال أحد أعضاء الحزب إنهم لن يصوتوا لساجد جاويد وزير الداخلية الحالي في أي سباق قيادي قادم “لأن ذلك سيكون تصويتا للإسلام ليقود البلاد”. فيما اعتبرت امرأة أن الحزب يسمح باجتياح المسلمين لبريطانيا حيث أن منصب الـ”عمدة” في الكثير من المدن يتولاه مسلمون. وقال شخص آخر “هذه ليست دولة مسلمة”.

الإسلاموفوبيا ليست بين أعضاء حزب المحافظين فقط فوفق وزارة الداخلية نصف جرائم الكراهية في بريطانيا تستهدف المسلمين

وهذه التصريحات المسيئة للمسلمين ليست الأولى من نوعها التي يقترفها أعضاء ينتمون إلى الحزب فقد كانت هناك أحداث مماثلة في فترات سابقة، مما دفع مجلس مسلمي بريطانيا الذي يعد أكبر منظمة للمسلمين في البلاد إلى دعوة الحزب العام الماضي في مناسبات عديدة إلى فتح تحقيق في تصريحات البعض من أعضائه التي تتعلق بالإسلاموفوبيا.

وتقول بعض المصادر إن عدد المسلمين في بريطانيا يقدر بحوالي 4.1 مليون مسلم، مما يشكل نسبة 6.3 بالمئة من مجموع السكان.

وازداد الجدل حدة عندما اتضح أن أحد الذين شملهم قرار تعليق العضوية من حزب المحافظين كان مرشحا من قبل الحزب لخوض الانتخابات المحلية قبل أن يتراجع عن ذلك ويقدم استقالته من الحزب على خلفية الضجة التي أحدثتها تصريحاته المعادية للمسلمين.

وكان بيتر لامب مرشح حزب المحافظين لانتخابات مجلس مدينة هارلو قد نشر تغريدة قبل عامين قال فيها إن “الإسلام مثل الإدمان على الكحول. الخطوة الأولى في العلاج هي الاعتراف بالمشكلة”.

وعززت هذه الحادثة المواقف التي تقول إن قيادة حزب المحافظين لا تملك رغبة حقيقية في مواجهة الإسلاموفوبيا داخل الحزب وإلا كيف لها أن ترشح للانتخابات المحلية شخصا يحمل كل هذا العداء للمسلمين ومواقفه معلنة ومعروفة ولا تخفى على أحد.

دفعت هذه الانتقادات لامب إلى الاعتذار عن تصريحاته حيث قال “كانت التغريدات موجهة إلى المتطرفين الذين خطفوا الإسلام واختبأوا خائفين جبناء خلف الدين”، ولم يكن القصد من ذلك أن ينطبق على “أولئك الذين يتبعون الدين بسلام ويساهمون في تنوع المملكة المتحدة”.

والثلاثاء أعلن لامب “لقد تراجعت عن تعليقاتي وقررت أنه يجب علي أن أتنحى عن منصبي كمرشح محلي للانتخابات وأن أستقيل من حزب المحافظين فورا”.

وقالت سعيدة وارسي، عضوة مجلس اللوردات والرئيسة المشاركة السابقة لحزب المحافظين، إن الشخصيات الكبرى في الحزب -بمن في ذلك تيريزا ماي- بحاجة إلى التعامل مع المشكلة بالمزيد من الجدية، مجددة دعوتها إلى إجراء تحقيقات في التصريحات المسيئة.

وأضافت أن الحزب لديه “مشكلة متجذرة في التعليقات المعادية للمسلمين والتعليقات ضد الإسلام والتعليقات العنصرية”.

مشكلة متجذرة في التعليقات المعادية للمسلمين
مشكلة متجذرة في التعليقات المعادية للمسلمين

وأثارت وارسي مشكلة الإسلاموفوبيا منذ ثلاث سنوات، واتهمت قيادة حزبها بـ”غض النظر عن هذه الممارسات على أمل أن تختفي” وبأن الحزب “لم تكن لديه الإرادة السياسية لمكافحة الخوف من الإسلام”.

لكن جيمس كليفرلي، نائب رئيس حزب المحافظين، يختلف مع وارسي التي تقول إن الحزب أصبح عنصريا من الناحية المؤسساتية، مؤكدا “نحن لا نقبل داخل حزب المحافظين الخوف من الإسلام والعنصرية ومعاداة السامية”.

هذا التأكيد يبدو أنه لا يقنع الكثيرين الذين يتشبثون بفكرة أن الحزب تنقصه الإرادة السياسية والرغبة الحقيقية في مواجهة تنامي الإسلاموفوبيا داخله، ومن بينهم الصحافي جوناثان فريدلاند. وقال فريدلاند، في مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية إن “رحيل هؤلاء المنتسبين إلى الحزب لا يؤدي إلا إلى لفت الانتباه إلى الإسلاموفوبيا التي أظهرتها الشخصيات الكبرى في حزب المحافظين، وهو تحامل معاد للمسلمين بقي دون عقاب”.

وكتب متهكما “يتحدثون عن عمل حاسم، لكن التحيز ضد المسلمين في حزب المحافظين يسير على القمة”. وأشار فريدلاند إلى تصريحات مسيئة للمسلمين أطلقتها شخصيات بارزة في الحزب من بينها وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي سخر في أغسطس الماضي من المسلمات اللاتي يرتدين البرقع أو النقاب وشببهن بـ”صناديق بريد” أو “سراق بنك”. كما لفت إلى حملة عمدة لندن وعضو حزب المحافظين زاك جولدسميث ضد خصمه في الانتخابات في 2016 صادق خان من خلال سعيه لربط خان بالمتطرفين الإسلاميين.

والإسلاموفوبيا ليست مقتصرة على أعضاء حزب المحافظين بل موجودة في البعض من أوساط المجتمع. فحسب تقارير لمنظمات ترصد حالة الكراهية في البلاد نشرت الشهر الماضي فإن 35 بالمئة من المواطنين في المملكة المتحدة يعتقدون أن الإسلام يهدد أسلوب حياة البريطانين فيما اعتبر 30 بالمئة أنه متوافق بشكل عام. وقالت التقارير إن التحيز ضد المسلمين قد حل محل الهجرة كمحرك رئيسي لنمو اليمين المتطرف.

وفي أكتوبر الماضي، كشفت وزارة الداخلية البريطانية أن نصف جرائم الكراهية في إنكلترا وويلز يستهدف المسلمين، مع تسجيل ارتفاع كبير في معدل تلك الجرائم بشكل عام في السنوات الخمس الماضية.

13