مثقفو السائد وخطاب التغيير

الجمعة 2016/06/03

يجلس مثقفون كبار بربطات عنق كبيرة وبدلات ومثقفات بشعر منكوش أو زينة مرتبة، أغلبهم فوق سن الستين، يجتمعون لتفكيك الوضع الثقافي العربي، الذي يبدو، في رأيهم، كارثيا ولا بد من تغييره، وضرورة تجديده، وتطويره، وغيرها من “اللابد” و”ضرورة”، هذه الكلمات التي أصبحت فضفاضة أكثر من قميص مستعمل.

إن وضع الثقافة بمنتجاته وتمظهراته سواء التظاهرات أو غيرها، يدعو فعلا إلى إعادة النظر في الحال الثقافي الذي بات على حافة خطرة من القطيعة التامة مع بيئته، حيث أضحت المنتجات الثقافية بعيدة عن واقع مجتمعاتها وعديمة التأثير فيه، رغم محاولة الكثير من المبدعين التطرق إلى الهامشي والمتروك واليومي المشترك من حيث المواضيع المعالجة وانتهاجهم أكثر من أسلوب للوصول إلى شرائح مختلفة من شعوبهم، سواء من خلال الرواية أو الشعر أو الموسيقى أو المسرح والسينما وغير ذلك من أصناف الإبداع. لكن رغم ذلك لم تنجح هذه المنتجات الثقافية في صناعة ثقافة مجتمع أو حتى التأثير فيه، وظل الإبداع منفصلا عن حال المجتمع المتهالك تحت ثقل الفقر والجهل والعنف.

من أين تبدأ معالجة الأمر إذن؟

لقد مات المثقف بصورته القديمة التي تفصله عن الناس في دور قيادي أو ريادي، هذا الذي نؤجل في كل مرة الإقرار به، ونعيد في كل مرة نطرح فيها أمر التغيير والتجديد إحياء هؤلاء المثقفين الموتى، واستقدامهم للحوار والتفكير في طرق إصلاح أفعال الثقافة وخطاباتها، بينما كان من الأجدر الإصغاء إلى الخطابات التي يفترض المثقفون أنها في خانة “اللاثقافة” أو “ثقافة العوام” لأنها هي الجوهر.

لا مجال للإصلاح الثقافي دون التعويل والتركيز على الجزء الأهم في الفعل الثقافي ألا وهو المجتمع الذي تنتج منه وإليه المنتجات الثقافية، حيث لا يمكن إصلاح واقع ثقافي مترد من خلال مجموعة من المثقفين – الذين نقر بأهمية دورهم ورسوخ تجاربهم- تجاوزت أغلبهم أحداث الشوارع وخباياها، وتقلصت عندهم جذوة الاكتشاف والاندفاع التي نجدها عند الشباب، وتحول أغلبهم إلى حملة “دالات” (نسبة إلى دال الدكتوراه) بعيدين معزولين في مكاتبهم.

إن الثقافة أبعد من كونها منتجا إبداعيا يقدمه مبدعون للآخرين، إذ هي حياة متداخلة متشابكة يميزها التأثير والتأثر، والتفاعل الخلاق، لذا فمن الأجدر بأي شعب اليوم يطمح إلى التأسيس لخطاب ثقافي يرقى إلى التطلعات أو يتجاوزها، أن يسعى بكل مكوناته إلى ذلك، ولا بد أن يبدأ بأهم ما ينبغي أن يستهدفه الفعل الثقافي ألا وهو المجتمع، لرصد تطلعاته وآماله وعناصر الخلل في جسده، من هناك يبدأ الفعل الثقافي المتجذر والمؤثر، ولسنا نطالب بثقافة شعبية واحدة، بل بثقافات هي بنت بيئتها بشكل حقيقي ولها تأثيرها لا ثقافة مستوردة أو أخرى يقودها المال بينما هي مجرد ديكور سلطوي.

لا بد من جديد، بالضرورة، ولا بد لهذا الجديد الذي نتطلع إليه أن يكون نقديا في جوهره حتى يمكنه إنجاز ما عجزت عن إنجازه التجارب الثقافية العربية التي نادت بالتغيير على مدار قرن مضى.

شاعر من تونس

15