متظاهرو العراق يخشون السياسيين أكثر من كورونا

بغداد - تسبب كشف حالات إصابة بفيروس كورونا المستجدَ في العراق بتصاعد غضب المحتجين الذين يطالبون منذ خمسة أشهر بإصلاحات سياسية وتغيير الطبقة السياسية، إذ اعتبروه دليلا إضافيا على عجز السلطات عن تقديم الخدمات العامة.
وتقول المتظاهرة فاطمة، الطالبة في كلية الطب البالغة 18 عامًا، لوكالة فرانس برس، "الفايروس الحقيقي هو السياسيون العراقيون"، مضيفة "نحن محصنون من كل شيء آخر تقريبا".
وتم تسجيل 19 إصابة بفايروس كورونا المستجد في العراق هم إيراني أعيد الى بلاده، و18 عراقيا كلهم عائدون من إيران المجاورة حيث سجلت 54 وفاة وحوالى ألف إصابة. وينتقد المتظاهرون منذ أشهر أيضا النفوذ الإيراني الواسع في بلادهم.
وأخذ المتظاهرون المناهضون للحكومة في ساحات العاصمة التي تتواصل فيها الاعتصامات منذ وفي المناطق الجنوبية الساخنة، موضوع الصحة العامة على عاتقهم.
ويقوم شباب متطوعون بتوزيع منشورات وإلقاء محاضرات حول سبل الوقاية من كورونا، كما يوزعون أقنعة طبية مجانية بعدما ارتفعت أسعار الأقنعة أكثر من ثلاثة أضعاف في الأسواق المحلية.
وتحولت العيادات الميدانية التي كانت جهزت بالمعدات الطبية والأدوية منذ أشهر لعلاج المتظاهرين الذين يصابون بالرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع، إلى مراكز لتوزيع سوائل التنظيف المطهرة والنصائح.
في ساحة التحرير في وسط العاصمة، كان متطوعون يرتدون بزات واقية يفحصون حرارة متظاهرين اصطفوا في طابور.
وتقول فاطمة، وهي متطوعة في ساحة التحرير، "النظام الصحي لدينا منهك تماما في الظروف الطبيعية"، مضيفة "الآن فوق كل شيء، تفشى عندنا فيروس كورونا، ويفترض بنا الاعتماد على هذه المنشآت؟".
وينشر الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لكميات القمامة المنتشرة في محيط المستشفيات التي تعرضت للكثير من الإهمال بسبب عقود من النزاعات مر فيها العراق.
وتثير الأوضاع السيئة في الحمامات خصوصا داخل المراكز الطبية والتي لا تتوفر فيها الشروط الصحية بالدرجة الأدنى، قلقًا كبيراً.
رغم ذلك، أعلن عضو لجنة الصحة النيابية حسن خلاتي أن "المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية مجهزة بالكامل للتعامل مع تفشي المرض" (كوفيد-19).
وبعد إعلان السلطات العراقية إغلاق المدارس والجامعات ودور السينما والمقاهي والأماكن العامة الأخرى حتى السابع من مارس، من المتوقع ان تنخفض نسبة المشاركة في الاحتجاجات، خصوصا بعد أن قال المسؤولون إنهم سيفرضون قيودا على التجمعات الكبيرة.
ومنع رجل الدين مقتدى الصدر الذي كان داعما للاحتجاجات قبل أن يتخلى عن الحراك الشهر الماضي، الموالين له من التظاهر بسبب مخاوف من كورونا.
لكن الطلبة الذين يشكلون الجزء الأكبر من المحتجين في الشارع، استغلوا تعليق الدارسة ليعودوا إلى التظاهر.
وشارك متظاهرون في بغداد ومدن جنوبية الأحد في احتجاجات كبيرة بهدف الضغط على الحكومة لتنفيذ إصلاحات سياسية. ووضع عدد منهم أقنعة واقية.
وهتفوا "قناصك ما ردعنا، شنو هية كورونا".
واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي والمطاطي وحتى الأسلحة الآلية لتفريق الاحتجاجات.
وقتل نحو 550 شخصا وأصيب 30 ألفا آخرين منذ الأول من أكتوبر معظمهم من المحتجين، وقتل خلال الأسبوع الماضي أربعة محتجين بالاضافة الى أحد الناشطين داخل منزله.
ويتوقع أن تستمر الأزمة السياسية مع اعتذار رئيس الوزراء المكلّف محمّد علاوي الليلة الماضية عن عدم تشكيل حكومة. ولدى رئيس الجمهورية برهم صالح مهلة 15 يومًا لاقتراح مرشّح لتشكيل حكومة جديدة.
وقال محمد خلال تظاهرة في الديوانية "عندنا فايروس أخطر من كورونا هو الأحزاب والسياسة والفساد وخرجنا للقضاء عليه نهائياً لأنه دمر العراق"، مؤكدا "كورونا لا يخوفنا، ونحن مستمرون".
ويوجد في العراق أقل من عشرة أطباء لكل عشرة آلاف مواطن، بحسب أرقام حديثة لمنظمة الصحة العالمية.
وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة المركزية في العراق أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الانفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان.
وقال علاء علوان وزير الصحة العراقي لرويترز في أغسطس الماضي "الوضع الصحي في العراق تراجع بشكل كبير جدا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية. وأحد أسباب هذا التراجع، وليس فقط السبب الوحيد، هو عدم إعطاء أولوية من قبل الحكومات المتعاقبة للصحة في العراق".
وأضاف "الصحة في العراق لا تعتبر أولوية. ولذلك ركزنا على المعطيات التي تشير إلى مدى إعطاء أولوية للقطاع الصحي في الموازنة الحكومية".
واستقال علوان، الذي سبق أن شغل مناصب عليا في منظمة الصحة العالمية، من منصبه الوزاري في الشهر التالي بعد أن أمضى عاما واحدا في المنصب مستشهدا بفساد لا يمكن التغلب عليه وتهديدات من معارضين لجهوده الإصلاحية.
وتعتبر حصيلة الوفيات بسبب كورونا في إيران الأكبر خارج الصين التي تمثل مركز الوباء.
وتعد إيران ثاني أكبر بلد مصدّر للعراق، والعراق وجهة مقصودة من الزوار الإيرانيين الذين يتوافدون على مدار السنة إلى مدينتي النجف وكربلاء المقدستين. كما يتوجه العديد من العراقيين إلى إيران لأغراض السياحة والعلاج الطبي والدراسات الدينية.
وأقفل العراق حدوده مع إيران التي تمتد على مسافة مئات الكيلومترات، ومنع السفر منها وإليها.
في مخيمات الاحتجاج ضد السلطة حيث يتهم المتظاهرون الجمهورية الإسلامية بالتدخل في الشؤون الداخليةـ تسود أيضا شكوك في الأرقام المعلنة حول الفايروس في كل من إيران والعراق.
وتقول المتظاهرة رسل في مدينة الديوانية الجنوبية "نلاحظ أن هناك أرقاما لم تعلن عنها الحكومة" العراقية.
وتضيف الشابة التي تدرس الطب "على الحكومة أن تعلن هذه الأرقام، مثل تلك المتعلقة بالحجر على الحالات المشتبه بها. ولا بدّ من اتخاذ إجراءات أكثر صحة مثل التعقيم في المستشفيات".
ويتهم بعض المحتجين المسؤولين الإيرانيين بتعريض سلامة العراقيين للخطر "بسبب التستر على مستوى انتشار الوباء".