متحف أم كلثوم يخلد إرث "كوكب الشرق"

متحف أم كلثوم الذي يقع على ضفاف النيل في القاهرة والفريد من نوعه يمثل تكريما لتاريخ "كوكب الشرق" الفني الذي لا يُنسى، ويعكس المكانة الرفيعة التي حظيت بها في العالمين العربي والعالمي.
القاهرة ـ على ضفاف النيل الساحر، وفي قلب جزيرة الروضة بالقاهرة، يقف متحف أم كلثوم شاهدا على مسيرة “كوكب الشرق”، التي رحلت عن عالمنا في 3 فبراير 1975 عن عمر يناهز 76 عاما، تاركة وراءها إرثا فنيا خالدا ما يزال يتردد صداه في قلوب عشاقها بعد نصف قرن من الغياب.
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الثقافة المصرية أخيرا أن العام 2025 سيكون عاما خاصا يحمل اسم كوكب الشرق “أم كلثوم”، وذلك بالتزامن مع الذكرى الخمسين لرحيلها؛ حيث يأتي هذا الإعلان تأكيدا على الدور المحوري الذي لعبته في تشكيل وجدان الأمة العربية، بوصفها رمزا خالدا من رموز الفن المصري، وصوتا عابرا للأجيال ما يزال ينبض بالحياة في قلوب الملايين.
وقبل دخول متحف أم كلثوم، يستقبل الزائر تمثالا لأم كلثوم يظهر هيئتها وهي تمسك منديلها الشهير أثناء الغناء على خشبة المسرح. ثم يأذن باب المتحف بالدخول إلى عالم “سيدة الغناء العربي”، حيث يستقبل الزائر صوتها العذب يتردد في الأرجاء، بينما تتزين جدران قاعة الاستقبال بمجموعات من صورها الفريدة التي تسرد مسيرتها الفنية.
ويحتوي متحف أم كلثوم على تسع فترينات تعرض 157 قطعة، حيث تقدم كل فترينة جانبا من حياتها ومسيرتها الفنية. ومن بين المقتنيات المعروضة بعض النظارات والأحذية وحقائب اليد والفساتين والأوسمة والنياشين الخاصة بأم كلثوم، وبعض المفكرات المكتوبة بخط يدها، وأول عقد لها مع الإذاعة، وبعض أشعار أغانيها بخط يد الشعراء الكبار مثل أحمد شوقي وأحمد رامي. وشهد المتحف، بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل أم كلثوم، التي لُقبت بـ”الهرم الرابع”، إقبالا كبيرا من الزوار من مختلف الفئات العمرية.
و”رغم أننا من جيل مختلف ولم نعاصرها، لكن صوتها يدخلني في مود خاص، كما أن أسلوبها في الغناء يجعلني أعيش في عالم آخر، بالرغم من أن هناك أنواعا جديدة من الموسيقى، إلا أن الأغاني القديمة، وخاصة أغاني أم كلثوم، تظل الأفضل،” هكذا قالت أسماء محمد، وهي طالبة في كلية الحقوق، جاءت مع صديقتها لزيارة المتحف والتعرف أكثر على عالم أسطورة الطرب أم كلثوم.
وأضافت أسماء الشابة المصرية لوكالة أنباء (شينخوا) “أم كلثوم تستحق كل الألقاب التي حصلت عليها وكل الجوائز التي نالتها، أم كلثوم قدمت فنا لا مثيل له”. وكانت أغاني أم كلثوم تمتد لأكثر من ساعة في الكثير من الأحيان، لكن جمهورها لم يكن يشعر بالملل، بل كان يجد في طول الأغنية رحلة موسيقية غنية متكاملة.
ويعرض المتحف أهم الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها أم كلثوم، ومنها “قلادة النيل” من مصر، و”وسام الأرز الوطني” من لبنان و”وسام الاستحقاق” من سوريا، وكذلك أوسمة من تونس والمغرب والعراق وباكستان وغيرها من البلدان.
وقال محمود جابر، مدرس فيزياء، الذي حضر برفقة زوجته وطفليه، إنه لا يعتبر المكان مجرد متحف، بل “بوابة إلى زمن الفن الأصيل”. وتابع جابر “نحن جيل الثمانينات نشأنا على حب أم كلثوم من آبائنا، لكن عندما كبرنا، أدركنا أنها ليست مجرد مطربة، بل هي صوت مصر الأصيل الذي يعبّر عن أصالة هذا البلد وعراقته.”
المتحف يعرض أهم الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها أم كلثوم ومنها "قلادة النيل" من مصر، و"وسام الأرز الوطني" من لبنان و"وسام الاستحقاق" من سوريا وغيرها من البلدان
ويضم المتحف ثلاث قاعات رئيسة وهي قاعة السينما الصغيرة التي تعرض فيلما وثائقيا مدته حوالي 25 دقيقة عن مسيرتها الفنية وصولا إلى جنازتها التي تُعد واحدة من أكبر الجنازات في التاريخ، والمكتبة السمعية – البصرية التي تضم أبرز ما كتب عن أم كلثوم في مصر وخارجها وشاشات عرض تفاعلية للاستماع إلى أغانيها المصورة ومشاهدة مجموعة من صورها، وأخيرا قاعة البانوراما وهي حاليا قيد التطوير والصيانة.
وقال حاتم البيلي مدير متحف أم كلثوم، إن المتحف افتُتح في ديسمبر 2001، وهو الشهر الذي وُلدت فيه أم كلثوم، وجاء في موقع استثنائي على ضفاف النيل وبجوار مقياس النيل التاريخي داخل قصر المنسترلي العريق، “وهو مكان يليق بقيمتها”.
وأضاف البيلي “أم كلثوم اسم كبير، ودورنا كمتحف أن نحافظ على إرثها، لأنها حالة لن تتكرر، فـ50 عاما قد مرت على رحيلها لكنها ما تزال تتربع على القمة،” مشيرا إلى أنها كانت تُستقبَل كالملكات والرؤساء عندما كانت تسافر إلى الخارج.
وأوضح أن أعداد الزوار تزداد بشكل ملحوظ خلال الذكرى السنوية لرحيل أم كلثوم، خاصة هذا العام، حيث قررت وزارة الثقافة جعل دخول المتحف مجانا طوال شهر فبراير الجاري بهذه المناسبة، وقال البيلي “أنا سعيد جدا بهذا الإقبال، وأحب رؤية الناس تملأ المتحف، أم كلثوم جزء من تاريخنا ورمز نتباهى به أمام العالم”.
وكانت أم كلثوم المطربة المفضلة لدى الكثير من الزعماء والسياسيين والمفكرين والكتاب في مصر والعالم العربي، ومنهم الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل، والذي أسمى ابنته على اسم أم كلثوم.
◙ أم كلثوم ظاهرة فنية استثنائية تجاوزت حدود الزمان والمكان، وقد نجحت في إيصال الأغنية العربية إلى آفاق عالمية
وقالت أم كلثوم نجيب محفوظ، “أم كلثوم قيمة عظيمة، وأبي كان يحب الاستماع إلى صوتها، ومن شدة حبه لها أسماني على اسمها”. وأضافت “وكان أبي يفتح الراديو على محطة أم كلثوم ليستمع إليها، بينما كانت والدتي تشتري الأسطوانات ليستمع إليها وهو يتمشى في غرفة الاستقبال بالمنزل قبل موعد الكتابة”.
كانت أم كلثوم ظاهرة فنية استثنائية تجاوزت حدود الزمان والمكان، وقد نجحت في إيصال الأغنية العربية إلى آفاق عالمية، حتى أن إذاعات أجنبية بثت أعمالها.
وبعد مرور خمسة عقود على رحيلها يظل اسم أم كلثوم حاضرا بقوة، وما يزال متحفها يستقبل زوارا من مصر والعالم العربي وأجانب من مختلف الجنسيات. وقد جاء خليل جابو، سائح دنماركي من أصل سوري، إلى مصر في رحلة سياحية، لكنه خصص وقتا لزيارة متحف أم كلثوم، التي يعتبرها “قامة لها نغم خاص ومقام خاص”.
وقال جابو “زيارة المتحف تجربة روحانية فريدة ورؤية مقتنياتها تمنح شعورا غريبا بالحنين، في الدنمارك، حينما أسمع صوتها، أشعر وكأنني أعود إلى جذوري، وكأن صوتها يربطني بالعالم العربي”.