متاحف الإمارات فسحة في تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها

تشكل المتاحف منصة ثقافية عالمية تعكس مدى تقدم البشرية عبر العصور المختلفة، وإقامتها ضرورية للحفاظ على المقتنيات التراثية والحضارية والثقافية لأي دولة، مما يجعلها مكانا لجذب السياح والزوار وتنمية القطاع السياحي والثقافي. وفي ظل الحجر الصحي بسبب انتشار فايروس كورونا توفر إمارة دبي زيارة افتراضية لكنوزها التراثية من المنازل.
دبي – تتميز دولة الإمارات بتعدد المتاحف بمختلف تخصصاتها وندرة معروضاتها التي تروي تاريخ شبه الجزيرة العربية وترصد تطور الحياة في دول الخليج.
ومن يزور المدن الإماراتية يرى عددا كبيرا من المتاحف ذات المباني الشاهقة، والتي تتميز بتصميمات معمارية لافتة مستقاة من الطراز المعماري الإسلامي.
وتتنوع المتاحف ما بين متحف اللوفر- أبوظبي، ومتحف اتحاد دولة الإمارات بدبي، ومتحف الشارقة للآثار، ومتحف لتاريخ الطيران، ومتحف للحياة البحرية وآخر لتاريخ السيارات وكانت تجذب الآلاف من الزوار يوميا من مختلف الدول الآسيوية والأوروبية والعربية، قبل انتشار فايروس كورونا.
مشاهد بانورامية
في ظل انتشار فايروس كورونا وإغلاق معظم المتاحف والمواقع الأثرية حول العالم، ودخول قرارات الحجر الصحي حيز التنفيذ في دول عدة منها الأمارات، توفر كثير من المتاحف حول العالم خاصية التجول الافتراضي في أروقتها، والتعرف إلى مقتنياتها الثمينة باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي، ومنها متاحف دبي التي أتاحت جولات افتراضية في متاحفها عبر موقع دبي 360 الإلكتروني، الذي تعاونت معه هيئة دبي للثقافة والفنون مؤخراً.
وعبر هذه الشراكة يوفر موقع "دبي 360" لمستخدمي الإنترنت إمكانية رؤية مشاهد بانورامية من الأعلى للكنوز التراثية والتاريخية الساحرة في المدينة، من خلال مجموعة كبيرة من الصور البانورامية ومقاطع الفيديو التفاعلية الملتقطة بتقنية التصوير المتباطئ.
متاحف دبي تتيح جولات افتراضية في قاعاتها عبر موقع دبي 360 الإلكتروني، الذي تعاونت معه هيئة دبي للثقافة والفنون
وانطلاقاً من حرص "دبي للثقافة" الدائم على خلق أفضل التجارب للجمهور، يقدم الموقع جولات فريدة داخل تلك المواقع، مستفيداً من التقنيات التفاعلية والصور البانورامية مكتملة الزوايا، وكذلك الصور المتتابعة والفيديو. وبالاعتماد على هذه التقنيات المتطورة، يمكن للمشاهد رؤية المواقع من زوايا لم يشاهدها من قبل.
وتشمل الزيارة الافتراضية كلاً من متحف الاتحاد، ومتحف المسكوكات، ومتحف نايف، ومتحف الشاعر العقيل، ومجلس غرفة أم الشيف، ومتحف دبي، إلى جانب حي الفهيدي التاريخي.
وتحتوي إمارة دبي على العديد من المتاحف أبرزها متحف دبي الذي يعود تاريخ تشييده إلى عام 1787، وكان مقرا لحاكم الإمارة، ثم تحول إلى مخزن للذخائر والسلاح، ثم استخدم سجنا للخارجين عن القانون، وفي عام 1971 أصبح متحفا يعرض تاريخ دبي وتراثها.
ويطلع زائر المتحف على حياة دبي القديمة، الحياة البحرية والساحلية والصحراوية والجبلية والزراعية.
وتتوزع القطع الأثرية النادرة والعينات الأصلية واللوحات والنماذج التوضيحية والمواد الصوتية والضوئية في مختلف أجنحة المتحف.
ويعرض المتحف أواني فخارية وأسلحة ومعروضات ومقتنيات تعود لخمسينات القرن العشرين.
ويأخذ المتحف زوّاره في جولة للتعرف على صناعة السفن وأدوات الصيد، ومهنة الغوص بحثا عن اللؤلؤ، والحياة البحرية في قاع الخليج العربي.
كما يعرض نماذج للفنون الشعبية، والأسلحة القديمة، وتتوسط المتحف نماذج من القوارب المحلية.
وفي دبي أيضا، يبرز متحف الاتحاد الذي يروي قصة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويأخذ المتحف الزائر في رحلة تستكشف التسلسل الزمني للأحداث وصولا إلى إعلان دولة الإمارات في العام 1971. ومن خلال المعارض التفاعلية والبرامج التعليمية، يحكي المتحف قصة الاتحاد من وجهة نظر قادة الدولة.
ويهدف المتحف إلى شرح دستور الدولة، خصوصا الحقوق والامتيازات التي يمنحها لمواطني الإمارات، وما تترتب عليهم من مسؤوليات. وتضم معروضات المتحف مواد ووثائق تتعلق بأحداث تأسيس الدولة.
ويعرض “متحف المسكوكات” ما يقارب الـ500 عملة من جميع أنحاء الشرق الأوسط ويحتوي على سبع غرف للعرض تروي قصة التاريخ التجاري لدبي والتي تضيف الكثير للمتحف.
ويقع متحف “قرية التراث والغوص” إلى جانب الخور ويعمل به المرشدون والخزافون والحائكون وحرفيون آخرون حيث يركزون على ماضي دبي البحري ويصورون الظروف المعيشية للبحارة الأصليين الذين مشطوا مياه الخليج بحثا عن اللؤلؤ والسمك للتجارة.
أما متحف بيت الهجن، فيتكون من طابق واحد على ساحة مركزية فسيحة كانت تستخدم في الأساس كإسطبل للهجن بعد تجديده تم تقسيمه إلى عدة أقسام يعرض كل منها تاريخ الجمال في الإمارات وسباق الجمال، فيما يعرض “متحف القهوة” الواقع في حي الفهيدي تاريخ القهوة والطرق المختلفة في صنعها حول العالم كما يعرض الأدوات الخاصة والمختلفة في الصنع بالإضافة إلى بعض الوثائق التاريخية المتعلقة بالقهوة.
من المنتظر أن تعم تجربة الزيارة الافتراضية معظم متاحف الأمارات لكسر حواجز الحجر الصحي الذي سيكون له تأثير على نفسية الأطفال خاصة، وتتوفر الآن بعض مقاطع الفيديو لمتحف اللوفر في أبوظبي، الذي أقيم بموجب شراكة بين فرنسا والإمارات.
ويعمل متحف اللوفر- أبوظبي بالتعاون مع وكالة متاحف فرنسا التي تضم 17 مؤسسة ثقافية فرنسية عريقة.
وقررت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي إغلاق عدد من المراكز الثقافية في الإمارة مؤقتا، بدءا من الأحد وحتى 31 مارس 2020.
ويعرض المتحف نماذج للإنجازات الثقافية للإنسانية من عصور ما قبل التاريخ وحتى اليوم، وخصص مساحة 6 آلاف متر مربع لصالات العرض والمعارض، بالإضافة إلى مركز للأبحاث.
ويقدم المتحف، الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، أعمالا وتحفا فنية معارة من متاحف محلية وإقليمية بالإضافة إلى مجموعة متحف اللوفر- أبوظبي الدائمة و300 عمل معار من 12 متحفا ومؤسسات فرنسية. ومن المعروضات أعمال معارة تضم أداة حجرية تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، ولوح حجري يحمل نقوشا كوفية يبين المسافة من مكة، و”شاهد قبر” من مكة المكرمة.
كما يقدم “كنز صدامة (الوقبة)” ويضم دراهم يعود بعضها إلى فترة الخلافة العباسية في العراق، والبعض الآخر إلى الدولة السامانية وإلى فترة السلالة الصفارية تم اكتشافه سنة 2005، ويتضمن أكثر من 400 درهم فضي من المتحف الوطني بسلطنة عمان، وتمثالا حجريا برأسين يبلغ عمره 8 آلاف عام من دائرة الآثار العامة الأردنية ويُسمى تمثال “عين غزال”. كما يعرض المتحف أعمال زخارف وتصاميم من الجص من الدير المسيحي الأثري في جزيرة صير بني ياس بالإمارات، و”نصل فأس” من متحف العين الوطني يعود تاريخه إلى ما بين عامي 1000 و600 قبل الميلاد.
أما “متحف غوغنهايم أبوظبي” فيعد منبرا عالميا للفنون والثقافة المعاصرة ويقدم للعالم بعضا من أهم الإنجازات الفنية حاليا ويشغل المتحف موقعا مميزا في المنطقة الثقافية في السعديات بمجموعته الدائمة التي تشكل مثالا حيا لتلاقي الفنون العالمية التي تمتد من ستينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.
كما يسهم المتحف من خلال سلسلة متكاملة من الأعمال الفنية والمعارض والبرامج التعليمية في بناء وتعزيز مفهوم عالمي لتاريخ الفن ويعتمد على التوزيع الجغرافي وذلك من خلال التركيز على الديناميكيات المترابطة لمراكز الفنون المحلية والإقليمية والدولية فضلا عن سياقاتها التاريخية المتنوعة ومصادر الإلهام الإبداعي.
إمارة المتاحف
توصف الشارقة بأنها إمارة المتاحف، لما تتميز به من كثرة عددها وتنوع معروضاتها، ومن أبرزها، متحف الشارقة للآثار الذي يعرض مقتنيات أثرية تتنوع ما بين العملات والمجوهرات والفخار والأسلحة القديمة التي يرجع تاريخ أقدمها إلى 125 ألف عام.
ومن المتاحف البارزة في الإمارة أيضا، متحف الشارقة الإسلامي الذي أفتتح عام 1996، ويحفل بآلاف القطع التي تعكس روعة الحضارة الإسلامية وعالميتها، ويقدم تفاصيل مهمة من التاريخ الإسلامي والعلوم والاكتشافات والثقافة الإسلامية.
ويعرف المتحف الزوار بمبادئ الإسلام والقرآن الكريم، ويعرض أركان الإسلام الخمسة ومبادئ العقيدة الإسلامية والتعريف بشكل عام بشعائر الحج، والعبادات الأخرى، ويضم مجسما للكعبة وعدة أجزاء من كسوة الحرم المكي، ومخطوطات نادرة من القرآن الكريم والتفاسير، ونماذج مجسمات وصورا وعروض معلومات عن المساجد والجوامع من مختلف أنحاء العالم الإسلامي القديم والحديث.
ويعرض المتحف إنجازات علماء المسلمين وإسهاماتهم الكبيرة في الحضارة الإنسانية، من خلال النماذج المجسمة والصور والمعلومات عن أهم الاكتشافات والاختراعات والنظريات التي وضعها العلماء المسلمون في الفلك والطب والجغرافيا والعلوم الطبيعية والهندسة المعمارية والرياضيات والكيمياء والتكنولوجيا العسكرية والملاحة البحرية والهندسة. وتضم قاعات المتحف أعمالا فنية ومشغولات مصنوعة من الخزف والمعدن والزجاج وغيرها من الفنون التي تم إنتاجها في العالم الإسلامي بين القرنين (الأول هجري/السابع ميلادي والسابع هجري/الثالث عشر ميلادي). وعلى مقربة من هذا المتحف يقع “متحف المحطة” وقد كان مطارا تأسس عام 1932، ويعد أول مطار في دول الخليج، وتحول إلى متحف يعرض تاريخ الطيران بالمنطقة.
ولا بد للسائحين في إمارة الشارقة أن يزوروا متحف الشارقة للسيارات القديمة، والذي يعرض أكثر من 90 سيارة كلاسيكية تعود للقرن الماضي.
كتاب مفتوح
يتيح المتحف للزوار التعرف على تاريخ صناعة السيارات ومدى تطورها، مع عرض سيارات ذات أشكال فريدة يعود تاريخ تصنيع بعضها إلى عام 1915، بالإضافة إلى عرض دراجات نارية وأخرى هوائية كلاسيكية.
أما متحف الشارقة البحري الذي تم افتتاحه عام 2003، فيسجل الموروث البحري للإمارة، والذي تم جمعه وتوثيقه بشهادات السكان الذين كان البحر جزءا هاما من حياتهم اليومية.
ويركز المتحف على الحياة البحرية التي كانت تشكل جزءا رئيسيا من تراث الإمارات، حيث لعب البحر دورا مهما في تطور مدن ساحلية، وكان سببا في ازدهارها قبل أكثر من ستة آلاف سنة.
ويشاهد الزائر السفن الخشبية التقليدية التي جابت البحار لأغراض الصيد والغوص بحثا عن اللؤلؤ والتجارة ويمكنه التعرف على الأنواع المختلفة من السفن التي تتباين أشكالها تبعا لطبيعة استخداماتها، ومشاهدة اللآلئ التي كان يجمعها الصيادون القدماء. ويعلق السائح الروسي أندريا جون بأنه سعد جدا بالتعرف على تاريخ دول الخليج من خلال المتاحف التي زارها في دولة الإمارات.
ويضيف، أن السائح الروسي أو الأوروبي يجهل كثيرا من المعلومات عن نشأة وتاريخ دول الخليج، ومن خلال الجولة في متاحف الإمارات، يتعرف على مظاهر الحياة القديمة لأبناء الخليج، خصوصا صيد اللؤلؤ وتجارته التي كانت التجارة الرائجة قديما لكافة الخليجيين. أما السائحة البريطانية دون فوج، فعبرت عن إعجابها
بالتطور الكبير الذي تتمتع به متاحف الإمارات، خصوصا في ما يتعلق بوسائل العرض المتحفي، ووسائل الإضاءة والصوت والفيديو التي تأخذ الزائر في جولة ممتعة بين التاريخ القديم لشبه الجزيرة العربية، وصولا للأيام الحالية.