مبادرة "ولو بشق حجر".. وجوه تغبرّ في الصومال لتعيد ألق البلاد

الحكومة الصومالية تسعى لرد الاعتبار للمسرح الوطني واستعادة رونقه من جديد من خلال مبادرة تطوعية أطلقتها بهدف ترميم المنشآت الحكومية التي دمرتها الحروب.
الاثنين 2019/02/04
حب البلاد بالسواعد

مقديشو- بعد نحو ثلاثة عقود من الخراب والدمار، تسعى الحكومة الصومالية لرد الاعتبار للمسرح الوطني واستعادة رونقه من جديد من خلال مبادرة تطوّعية أطلقتها بهدف ترميم المنشآت الحكومية التي دمرتها الحروب الأهلية.

يستقبل “المسرح الوطني” يوميا نحو 400 شاب متطوع؛ بينهم موظفون حكوميون وغير حكوميين في محاولة لإعادة بناء ما دمره آباؤهم خلال الحروب التي أكلت الأخضر واليابس.

في الساحة الأمامية للمسرح، تبدأ أعمال توزيع الأدوار على المتطوعين صباح كل يوم، ما بين منكب على إزالة القاذورات ورص الأحجار، لمساعدة عمال البناء فيما يعكف آخرون على تنظيف أقسام المسرح وهدم الجدران الآيلة للسقوط.

يقول شرماركي عبدالله صلاد، (موظف حكومي ومتطوع)، إنه في غاية السعادة لمشاركته في مثل هذه المبادرات، مؤكدا أن أغلى شيء عند المواطن هو أن “يساهم في بناء بلده ولو بشق حجر”.

ويشير إلى أنه والكثير من أقرانه ملتزمون بتحقيق حلمهم بالمساهمة في إعادة بناء المنشآت الحكومية، لتكون ثقافة وتاريخا يورثونه لأبنائهم والأجيال القادمة.

دون كلل أو ملل، يعمل المتطوعون نحو 6 ساعات يوميا، يستمدون طاقاتهم من كلمات أناشيد وطنية وأغان تقليدية تصدح في أرجاء المسرح، تؤجج حماسهم وتجدد نشاطهم وتبدد متاعبهم.

على حجر، تجلس الشابة المتطوعة أسمهان علي محمد، لتأخذ استراحة قصيرة بعد 3 ساعات من العمل المتواصل، قبل أن تقول والغبار يزين وجهها “مشاركتي في هذا العمل التطوعي تشكل بالنسبة لي فخرا عظيما، وأنا محظوظة جدا لأكون جزءا في بناء بلدي”.

المتطوعون يعملون دون كلل أو ملل نحو 6 ساعات يوميا
المتطوعون يعملون دون كلل أو ملل نحو 6 ساعات يوميا

وتشير إلى أن الجيل الجديد يتوق إلى مثل هذه الأعمال التطوّعية، وكان ينتظر منذ عقود من يرشده ويقود زمام المبادرة؛ داعية المجتمع الصومالي للمساهمة في هذه الأعمال التي تنير درب الوطن.

ويقول القائمون على المبادرة إنها تستهدف المنشآت التي بُنيت تطوعيا في عهد الحكومة المركزية التي انهارت عام 1991 إبان الحرب الأهلية، واليوم يعيد التاريخ نفسه طالما الوطنية حية في قلوب الصوماليين حيث يجري ترميم جميع المنشآت الحكومية.

ومن جانبه، يقول المنسق العام في المبادرة، إسماعيل معلم عبدالله، إن أعداد الراغبين في الانضمام تقدر بالآلاف، وتتجاوز العدد المطلوب وأغلبهم موظفون، ما يعكس جاهزية المواطن الصومالي للمساهمة في بناء وطنه رغم الآلام التي يعيشها في مراحل حياته الحاضرة والماضية.

ويوضح في حديثه أن المبادرة التطوعية ستشمل المسرح الوطني والمتحف الصومالي والمستشفيات الحكومية والمكتبة الوطنية والتماثيل الوطنية واستاد مقديشو ومركز الحرف اليدوية إلى جانب بعض كليات الجامعة الوطنية.

ويشارك المتطوعون يوميا في خدمة المبادرة، حيث يتناوب على العمل موظفون بالوزارات وطلبة المدارس والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب مجموعات من المغتربين الصوماليين من أجل المساهمة في الخدمة الوطنية الجليلة.

وسبق أن أطلق رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري مبادرة الأعمال التطوعية في شهر ديسمبر الماضي، لإعادة بناء المنشآت الحكومية بهدف تشجيع المواطنين على الأعمال التطوعية وترسيخها في حياتهم اليومية.

سِجل تاريخ تدمير المسرح الوطني لا يقتصر على الحروب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، بل يمتد إلى الوقت الراهن حيث تعرض لهجمات انتحارية في محيطه وداخله نفذتها حركة “الشباب”، ما يجعله شاهدا عبر الأزمنة على الصراعات الصومالية المختلفة.

الجيل الجديد يتوق إلى مثل هذه الأعمال التطوّعية
الجيل الجديد يتوق إلى مثل هذه الأعمال التطوّعية

ويعاني البلد المضطرب الواقع شرقي أفريقيا من هجمات متكررة لحركة “الشباب” المتمردة منذ نحو عشر سنوات. وحسب الأمم المتحدة، أوقعت هجمات الحركة 2078 قتيلا و2507 جرحى بين يناير 2016 و14 أكتوبر 2017.

وفي زوايا وأطلال المسرح، تتوارى حكايات وأسرار الكثير من الصوماليين الذين عاصروه عندما كان أكبر منصة ثقافية لتوعية المجتمع ويستهوي أفئدة عشاق الفن والموسيقى الصومالية. “للإنسان دائما حنين لماضيه”، بهذه الكلمات يستجمع أبوكر عثمان، (65 عاما) وهو أحد رواد المسرح قبل 30 عاما، ذكريات لياليه بحلوها ومرها.

قبل كل حكاية يرويها، ينظر أبوكر إلى السماء، وكأنه يخطف منها الكلمات، ثم يهرول إلى المقعد الذي كان يجلس فيه إبان الزمن الجميل، يسترجع تفاصيل من أروع الروايات التي شاهدها، ومنها رواية “مشاكل الحب” عام 1984.

ويقول “إن أعادوا لك الأماكن القديمة فمن يعيد لك الأصدقاء القدامى”، في إشارة إلى أصدقائه الذين سهروا وعاصروه في حياته ثم رحلوا. واعتبر أبوكر أن إعادة ترميم المسرح الصومالي تُساهم بشكل فعال في صون ثقافة وتقاليد المجتمع في ظل غزو الثقافات الأجنبية طوال السنوات الماضية.

وفي مقديشو، تشكل قاعات الفنادق مسرحا للفنانين الجدد بعد توقف المسرح الصومالي عن العمل بفعل الحروب والصراعات، حيث تغيبت السينما والروايات التي كانت تشكل يوما ما مصدر إلهام للمواطنين عن الوجود.

ووفقا للقائمين على المبادرة، المسرح الوطني كان منبرا، ليس للفن الصومالي فحسب، وإنما لثقافة القرن الأفريقي حيث يتألف من ثلاثة طوابق ويضم ساحة كبيرة لمشاهدة الروايات تسع نحو 1500 مشاهد.

20