مبادرة ماكرون بإعادة تشكيل أوروبا: خطة مرحلية أم مناورة لإسكات أوكرانيا

هل يمثّل مقترح "مجتمع سياسي أوروبي" فرصة لعضوية تركيا.
الأحد 2022/05/15
وحدة سياسية أوروبية ممكنة

مقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن خلق مجموعة سياسية أوروبية تكون أوسع من الاتحاد وتقبل بعضوية الدول التي لا تستجيب لشروط عضوية الاتحاد أثار جدلا واسعا داخل الدول المعنية خاصة أوكرانيا ودول البلقان، فضلا عن تركيا. فما هي الشروط، ومتى تتم العضوية، وهل ثمة أفق، أم أن الأمر مجرد مناورة لتخفيف الضغوط عن الاتحاد خاصة في موضوع أوكرانيا.

باريس - أثارت دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بناء “مجتمع سياسي أوروبي” يكون أوسع من الاتحاد الأوروبي ويشمل دولا من خارج الاتحاد تساؤلات حول هذه الصيغة، فهل هي مناورة لرفع الحرج عن الاتحاد خاصة في ظل تمسك أوكرانيا بعضويته لمجابهة التدخل الروسي، أم هو منطقة وسطى يمكن من خلاله اختبار من تتحقق فيه شروط الانتماء في فترات لاحقة؟

وقال مراقبون إن فكرة بناء مجموعة سياسية أوروبية قد تكون جزءا من خطة إصلاح منظومة الاتحاد، لكن طرحها في هذا الوقت الهدف منه إيجاد مخرج لتطويق مخلفات الرفض الذي قوبل به مطلب أوكرانيا، وأنها أقرب إلى المناورة منها إلى خطة قابلة للتطبيق.

وكان الرئيس الفرنسي قد تساءل في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ “كيف ننظم أوروبا بطريقة سياسية؟ كيف يمكننا أن نذهب إلى ما هو أبعد من الاتحاد الأوروبي؟ إنه التزامنا التاريخي الآن بالرد على هذه الأسئلة”.

وأضاف أن الهدف النهائي هو الحفاظ على الاستقرار في القارة، مؤكدا أن الاعتماد على الاتحاد الأوروبي وحده ليس كافيا.

وقال “بالنظر إلى مستوى تكامله وطموحه” لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون الهيئة المنظمة الوحيدة في أوروبا.

ماكرون: المبادرة ستسمح للأمم الأوروبية الديمقراطية التي تؤمن بقيمنا الأساسية، بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي وللأمن

وأوضح أن هذه المنظمة الجديدة من شأنها أن تسمح للدول الأوروبية الديمقراطية “بإيجاد فضاء جديد للتعاون السياسي” في مجالات الأمن والطاقة والنقل والاستثمار في البنية التحتية وحرية الحركة، وأنها “ستسمح للأمم الأوروبية الديمقراطية التي تؤمن بقيمنا الأساسية، بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي وللأمن”.

وأضاف أن عملية الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي تستغرق وقتا طويلا، وغالبا ما تستغرق سنوات إن لم تكن عقودا.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد قال إنه يريد أن يستفيد من “إجراء خاص” يتيح لبلاده التي تشن عليها روسيا حربا واسعة، الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وقوبل المطلب بالترحيب من قبل نواب أوروبيين ومن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. لكن هذا الترحيب لم يكن يعني أكثر من مجرد الترحيب وإظهار التعاطف مع أوكرانيا دون بحث صيغة للاستجابة لطلبها، خاصة أن دول الاتحاد أوحت إليها قبل الحرب أنها ستقف إلى جانبها.

وصرح زيلينسكي “لا تتخلّوا عنا” في رسالة قوية وجهها إلى الاتحاد الأوروبي، خلال خطاب عبر الفيديو تم بثه في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل، جدد فيه طلب بلاده الاستفادة من “إجراء خاص” يسمح لها بالانضمام سريعا إلى التكتل.

وكان رؤساء ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هي التشيك ولاتفيا وليتوانيا وبلغاريا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، دعوا في رسالة مفتوحة إلى بدء محادثات انضمام أوكرانيا “بشكل فوري”.

مشروع على ورق

لا إجماع أوروبيا بشأن المقترح الفرنسي
لا إجماع أوروبيا بشأن المقترح الفرنسي

واستبعد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، خلال القمة الأوروبية الأخيرة أي انضمام “سريع” لأوكرانيا إلى الاتحاد، وأوضحوا أن “مساراً سريعاً للعضوية في الاتحاد غير ممكن”.

لكنهم وعدوا بأنهم سيواصلون العمل لـ”تقريب” أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي مع العمل على تعزيز الروابط والشراكة لدعم كييف في متابعة مسارها الأوروبي، مشددين على أنها “تنتمي إلى عائلتنا الأوروبية”. وفي سياق إظهار تعاطفها ودعمها المعنوي لكييف، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية “نريد أوكرانيا حرة وديمقراطية نتقاسم معها مصيرا مشتركا”.

وأقرت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا أن مؤتمر ستراسبورغ حول مستقبل أوروبا “أظهر أن هناك فجوة بين ما يأمله الناس وما تستطيع أوروبا تقديمه في الوقت الحالي”، داعية إلى “عدم إضاعة المزيد من الوقت” لإصلاح الاتحاد الأوروبي.

وقوبل مقترح إعادة تشكيل أوروبا الذي طرحه الرئيس الفرنسي باعتراضات وتساؤلات عن جدواه، وهل يقدر مثلا على إنقاذ أوكرانيا أو تحسيسها بوجود تضامن فعال حولها.

وقال سفير الاتحاد الأوروبي السابق في أنقرة مارك بيريني “إن الأحداث المروعة في أوكرانيا وموقف روسيا تجاه جيرانها في الاتحاد الأوروبي تتطلب ردًا” ، وأشار إلى أن اقتراح فرنسا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، يجب أن يتم تقييمه في هذا السياق.

عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تُعدّ مفترق طرق للدول المرشحة للانضمام والتي يجب أن تتسلح بالصبر قبل الوفاء بالمعايير المطلوبة

وأشار الدبلوماسي الفرنسي المتقاعد، وهو أحد خبراء مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في تقييمه، إلى أن الاتحاد الأوروبي في حاجة ماسة إلى تنسيق تعاون في المجالات السياسية والاقتصادية مع دول شرق أوروبا وجنوب شرقها، في ضوء التطورات الحالية.

ومشيرًا إلى أن سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي، التي تنص على معايير عضوية صارمة وعمليات تفاوض طويلة الأجل، لا يمكنها الاستجابة لهذا التوقع، أكد بيريني أن عدد الدول المرشحة التي تريد أن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي قد وصل إلى إحدى عشرة دولة، وهذا يجلب صعوبات مختلفة لبروكسل.

فبعد هجوم روسيا على أوكرانيا، تقدمت أوكرانيا بهذه الطلبات، جنبًا إلى جنب مع دول أخرى تنتظر في الطابور مثل تركيا.

وقام بيريني أيضًا بتقييم اقتراح ماكرون لتأسيس مجتمع سياسي جديد بالكلمات التالية “قرأته كنتيجة منطقية لكثافة البلدان المرشحة”، مضيفًا “تشكل هذه الترشيحات مستويات مختلفة جدًا من الصعوبات بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي.”

كما اعتبر أنّ “الوضع القانوني لتركيا مربك، ففي الحقيقة أننا لم نعد قادرين على الحديث عن سيادة القانون في تركيا، فيما وجود روسيا أو نفوذها في العديد من البلدان ليس سوى بعض التحديات التي نواجهها”.

شروط هل تتحقق؟

مقترح إعادة تشكيل أوروبا قوبل بتساؤلات عن جدواه، وهل يقدر مثلا على تحسيس أوكرانيا بوجود تضامن حولها
مقترح إعادة تشكيل أوروبا قوبل بتساؤلات عن جدواه، وهل يقدر مثلا على تحسيس أوكرانيا بوجود تضامن حولها

وأشار بيريني إلى أن هذه الصعوبات دفعت الاتحاد الأوروبي إلى وضع أساس للتعاون السياسي والاقتصادي في شكل مختلف، “سواء كان يمكن وصفه بأنه كونفدرالي أو مجتمع سياسي. شكل من أشكال التعاون السياسي والاقتصادي العاجل مع دول شرق أوروبا وجنوب شرقها مطلوب… وهذا يشمل شكل الحكومة واتفاقية إسطنبول. بما في ذلك تركيا، التي بات من المستحيل استمرار عملية مفاوضات انضمامها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي لأنها أدارت ظهرها للالتزامات الدولية خاصة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”.

ومن الغريب ما إذا كانت تركيا، التي وقّعت اتفاقية شراكة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1963، قد تم إعلانها رسميًا كدولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي في عام 1999، وبدأت المفاوضات للحصول على العضوية الكاملة في عام 2005، على الرغم من أنها كانت “مفتوحة”، سوف يتم تضمينها في العمارة السياسية لأوروبا، والتي يتم إعادة تشكيلها اليوم.

وأعلن الرئيس الفرنسي عن معيارين للبلدان التي يُرجّح أن تنضم إلى اقتراح المجتمع السياسي الأوروبي الجديد. الأول هو أن هذه البلدان يجب أن تكون موجودة في الجغرافيا الأوروبية، والثاني هو أنها ينبغي أن تشارك القيم الأساسية لأوروبا.

وتم تجميد عملية مفاوضات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بسبب تراجع الديمقراطية وعدم سيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان.

ويتبع معظم السياسيين في الاتحاد الأوروبي استراتيجية “انتظر وانظر” لتقرير كيف سيتشكل مستقبل العلاقات، قائلين إن “تركيا ليست أردوغان فقط”، ويريدون متابعة نتائج الانتخابات في تركيا وما إذا كان ستكون هناك عودة إلى الفلك الديمقراطي فيما بعد.

معظم السياسيين في الاتحاد الأوروبي يتبعون استراتيجية "انتظر وانظر" لتقرير كيف سيتشكل مستقبل العلاقات

وفي خطابه عن المجتمع السياسي الذي أراد تشكيله، ذكر ماكرون أوكرانيا ودول البلقان الغربية، لكنه لم يذكر تركيا.

ويرى مراقبون أنه طالما استمر الوضع الحالي لتركيا، فلن تكون هناك علاقات مؤسسية مع الاتحاد الأوروبي، وهم لا يتوقعون أيّ تحسن.

لكن يبدو أنّ فرنسا باتت تبحث جدّياً في إنشاء تكتل سياسي جديد في أوروبا يسمح بتسوية معضلة توسيع الاتحاد الأوروبي ومسألة الانضمام السريع جدًا إلى الاتحاد التي تُقلق العديد من الدول.

ولم تُخف باريس يومًا رفضها لتوسيع جديد قد يزيد من تعقيد عمل المؤسسات الأوروبية، لكنّ التكتل الجديد المُقترح يُقدّم فرصة “لأخذ الوقت اللازم للدول غير المستعدّة، لتستعدّ”.

وكان قد طُرح مشروع اتحاد سياسي أوروبي في العام 1989 بعد سقوط جدار برلين، وفشل فيما بعد. غير أن الفكرة عادت لتُطرح بعد ثلاثة عقود في إطار الحرب في أوكرانيا ومعضلة عملية توسيع الاتحاد الأوروبي.

ومن جديد طُرح المشروع في خطاب ماكرون الذي يُقدّم للدول الراغبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي “شكلًا آخر من التعاون”. وقد يسمح هذا المشروع، الذي ما زالت ملامحه غير واضحة، “للدول الأوروبية الديمقراطية المؤيّدة لنظام قيمنا، بإيجاد مساحة جديدة من التعاون السياسي والأمن” بحسب قول ماكرون.

نحو مجتمع سياسي جديد

Thumbnail

المشروع مستوحى من مقترح للرئيس فرانسوا ميتران في العام 1989 حين تمنّى، بعد سقوط جدار برلين، بجمع كلّ دول القارة الأوروبية داخل اتحاد. غير أن الطرح الذي رُحّب به في بادئ الأمر، لم يرَ النور.

ويقول رئيس الحكومة الإيطالية السابق إنريكو ليتا الذي يشغل منصب أحد رؤساء معهد “جاك دولور” في باريس “كانت فكرة فرانسوا ميتران جيدة جدًا لكن كانت فيها مشكلتان: كانت روسيا في الاتحاد، وجاء الطرح في وقت مبكر جدًا بحيث لم تكن إعادة توحيد ألمانيا قد حصلت بعد”.

وترى كريستين فيرجي نائبة رئيس معهد “جاك دولور” للأبحاث أن الدول المعنية بالفكرة “كان لديها هوس مزدوج، هوس الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وهوس الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولم تكن هذه الفكرة تبدو مكثّفة ورسمية بشكل كاف”.

ويعود طرح شبيه إلى الساحة بعد ثلاثة عقود، إنما بشكل شفّاف أكثر. فوفق ماكرون، الانضمام إلى هذا المجتمع الجديد لن يكون بأيّ حال من الأحوال “حكمًا مسبقًا” على “العضوية المستقبلية في الاتحاد الأوروبي” ولن يكون مغلقًا “أمام الذين تركوا الاتحاد الأوروبي”.

ومُستثنياً تركيا أيضاً التي فقدت هذا العام أيّ أمل لها بالانضمام إلى بروكسل، أضاف ماكرون أنّ الدول المدعوة للانضمام إلى هكذا مجموعة هي أوكرانيا ودول أخرى مثل البوسنة والهرسك التي قد لا تنضم إلى الاتحاد الأوروبي قبل عقود.

هناك خمس دول مرشّحة رسميًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهي ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وصربيا وتركيا

وتُعدّ عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مفترق طرق للدول المرشحة للانضمام والتي يجب أن تتسلح بالصبر قبل الوفاء بالمعايير المطلوبة.

وفي الوقت الحالي، هناك خمس دول مرشّحة رسميًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهي ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وصربيا وتركيا، فيما البوسنة والهرسك وكوسوفو مرشّحتان محتملتان للانضمام إلى الاتحاد. وانضمّت إليهما أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا، وجميعها قدّمت طلبات انضمام إلى الاتحاد في أعقاب بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دو كرو “يجب أن نغرس أوكرانيا جيّدًا في أوروبا، كما مولدافيا أو دول البلقان الغربية” بهدف السماح “لمواطنيها بالاستفادة مباشرة من مساحتنا الديموقراطية وسوقنا الواحدة، من خلال إشراكهم في بعض مؤسساتنا”.

ويعتبر إنريكو ليتا أن تأسيس هكذا مجموعة ممكن أن يكون سريعًا جدًا ويمكن عقد اجتماع أوّل “اعتبارًا من الخريف” في بروكسل.

ويمكن للاجتماع أن يضمّ دول الاتحاد الأوروبي وتسع دول غير منتسبة إليه (ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وصربيا وكوسوفو والبوسنة ومولدافيا وأوكرانيا وجورجيا)، بحسب قول ليتا. وتبقى معرفة كيف ستتلقى الدول المعنية الاقتراح.

وتقول فيرجي “يمكن النظر إلى الفكرة على أنها حل وسط إيجابي، شرط أن يتم منحها شكلًا ومضمونًا”، متسائلة “هل ينطبق بند المساعدة المتبادلة الوارد في معاهدة الاتحاد الأوروبي على أعضاء هذا المجتمع الجديد؟ إنه سؤال مفتوح”.

7