مبادرة باتيلي تمنح واشنطن فرصة اختبار نفوذها في ليبيا

طرابلس - تسعى الولايات المتحدة من جديد لاختبار نفوذها في الساحة الليبية عبر محاولتها إنقاذ المبادرة الأممية المتعلقة بالطاولة الخماسية، وذلك بعد اعتراف المبعوث الأممي عبدالله باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن الاثنين الماضي بأن "بعض القادة الليبيين يراوحون مكانهم، ولم يبدوا التزاما قاطعا بإنهاء حالة الانسداد السياسي في البلاد"، وأنهم لم "يرفضوا الدعوة إلى الاجتماع الخماسي بشكل مباشر، لكن البعض منهم وضع شروطا للمشاركة".
واتجه المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال بالسفارة الأميركية في ليبيا جيرمي برنت إلى بنغازي للاجتماع بالقائد العام للجيش الوطني الجنرال خليفة حفتر لمناقشة التطورات السياسية للأزمة الليبية، والتباحث حول مبادرة باتيلي لإجراء جولة جديدة للحوار بين الأطراف السياسية، وعلى أهمية أن يكون الحوار متوازنا بما ينسجم مع تطلعات الشعب الليبي لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، وذلك وفق ما ورد في بيان للمكتب الإعلامي لقيادة الجيش.
وأشارت السفارة الأميركية إلى أنه تم خلال اللقاء التباحث حول أفضل السبل لتعزيز العمل الحيوي الذي يقوم به باتيلي لجمع الأطراف المؤسسية في ليبيا لحل المسائل السياسية التي تقف عائقا أمام الانتخابات وحكومة وطنية موحدة. وبحسب إحاطة باتيلي أمام مجلس الأمن، فإن حفتر أبدى استعداده للحوار، إلا أنه أعرب عن أن مشاركة حكومة الوحدة الوطنية مشروط بإشراك الحكومة المعينة من مجلس النواب. وبالمقابل، فإنه سيقبل المشاركة إذا جرى استبعاد الحكومتين.
ويبدو أن هناك تصوّرا واضحا للمشهد العام في ليبيا، يفيد بأن الجنرال حفتر هو صاحب القرار الأول على الصعيد السياسي وراسم الخيارات العامة في المنطقة الشرقية، وأن قبوله بأيّ مبادرة يمكن أن يجرّ وراءه فعاليات الأساسية الأخرى ومن بينها مجلس النواب الذي وضع رئيسه عقيلة صالح شرطا لمشاركته بأن يركز جدول الأعمال على تشكيل “حكومة جديدة تعنى بالانتخابات”، في الوقت الذي يرفض فيه أيضا مشاركة حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبدالحميد الدبيبة، بحسب ما ورد في إحاطة باتيلي.
وخسرت الولايات المتحدة أغلب رهاناتها في ليبيا، وخاصة منذ العام 2021 عندما راهنت على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر من ذلك العام، لكن العراقيل الداخلية والأجندات الإقليمية كانت أكبر من قدرتها على فرض خياراتها.
وتتميز واشنطن بنفوذ واسع في ليبيا، ولكن في علاقة بمجال الطاقة وصناعة النفط ومصرف ليبيا المركزي بالخصوص، وهو ما تبين الأسبوع الماضي عندما ناقش نورلاند في مقر إقامته بتونس مع محافظ ليبيا المركزي الصديق الكبير متابعة خطوات توحيد المصرف والإنفاق العام لسنة 2023 والاستعداد لميزانية العام 2024، ومساعي ترشيد الإنفاق ومعالجة دعم المحروقات، ودور المركزي في إعادة إعمار درنة والمناطق المنكوبة بشكل يحقق الشفافية والإفصاح تجاه الأطراف المحلية والدولية.
وفي أوائل الشهر الجاري، أعلنت الولايات المتحدة أنها تدعم جهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بقيادة باتيلي لجعل الليبيين يتخذون “قرارات حاسمة” لمعالجة الأزمة المستمرة منذ سنوات. وقال نورلاند “تدعم الولايات المتحدة جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقيادة الممثل الخاص للأمين العام باتيلي لجعل القادة الليبيين يجتمعون في ليبيا لاتخاذ قرارات حاسمة من أجل استقرار وازدهار الليبيين".
وكان لنورلاند وبرنت لقاء بأعضاء بالمجلس الرئاسي الليبي، عبدالله اللافي وموسى الكوني، لبحث مستجدات العملية السياسية في ليبيا. وقال اللافي، إنه تم في الاجتماع استعراض تفاصيل مبادرة باتيلي المتعلقة بالحوار بين الأطراف الرئيسية المشاركة في العملية السياسية، بالإضافة إلى ملف المصالحة الوطنية، وإعادة إعمار مدينة درنة، والأوضاع في مدن الجنوب وحماية الحدود، وقضايا محلية ودولية أخرى، فيما أشاد المبعوث الأميركي بالدور الذي يقوم به المجلس الرئاسي مجتمعاً لدعم الجهود المبذولة لمعالجة الانسداد السياسي، وملف المصالحة الوطنية، المدعوم من الاتحاد الأفريقي وأبدى دعم بلاده الكامل لإنجاح المصالحة تمهيدا إلى إعادة الاستقرار والسلام إلى ليبيا.
ويواصل المبعوث الأميركي سلسلة لقاءاته مع أبرز الفرقاء الليبيين لإبلاغهم موقف بلاده من الوضع الحالي، وهو ما ترى فيه أوساط ليبية مطلعة اختبارا جديا لنفوذ الولايات المتحدة في البلد العربي الثري المتمدد على الضفة الجنوبية للمتوسط، لاسيما أن واشنطن عجزت خلال السنوات الماضية عن جمع الفاعلين الأساسيين في الملف الليبي على طاولة للحوار الجدي الذي يمكن أن يكون منطلقا للحل السياسي.
وقال محمد شوبار المتحدث باسم المبادرة الوطنية الليبية إن الولايات المتحدة من أهم الدول الداعمة لتحقيق الاستقرار في ليبيا وإعادة سيادتها ووحدتها وذلك ما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة، كما أن الخارجية الأميركية استخدمت ترسانتها الدبلوماسية للضغط على كل الدول التي تدخلت بشكل سلبي في الملف الليبي.
وذكر شوبار في تصريحات صحفية أن المجتمع الدولي اليوم داعم لدعوة باتيلي رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للأطراف الرئيسية لاجتماع يهدف إلى التوافق على القوانين الانتخابية وتشكيل سلطة جديدة تبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، لافتا إلى أن واشنطن لم تدعم أيّ طرف على حساب آخر منذ بداية الأزمة، وهي تدعم اجتماع الأطراف الرئيسية الليبية لإيجاد حل للانسداد السياسي بتيسير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ولا يوجد أي خلاف دولي حول هذا التوجه.
ولا تستبعد بعض الأوساط السياسية في ليبيا وجود تراخ أميركي إزاء الحل السياسي للأزمة المتفاقمة منذ العام 2011 وذلك لأسباب عدة من بينها عدم التوصل إلى قرار واضح بخصوص مرتزقة فاغنر الروس وبقية المسلحين الأجانب، وتوحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادة مدنية لا تكون مناوئة للمصالح الأميركية في الداخل الليبي وفي المنطقة ككل.