مبادرات لإعادة تأهيل المدارس في غوطة دمشق

دمشق - في معقل مقاتلي المعارضة المسلحة السابق في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق الشرقي، يقوم أعضاء المجتمع المحلي بدور حاسم وهام في إعادة تأهيل مختلف القطاعات من بينها المدارس التي تعرضت للدمار خلال سنوات الصراع الذي اندلع في البلاد في مارس 2011.
ومع استعداد سوريا للعام الدراسي الجديد الذي بدأ في 8 سبتمبر الجاري تكافح مختلف الأسر السورية لتأمين مستلزمات أطفالهم للعام الدراسي الجديد، يلعب المجتمع المحلي في الغوطة الشرقية، وخاصة في مدينة عربين بريف دمشق الشرقي، دورا حيويا في إعادة تأهيل المدارس المتضررة. وأصبح هذا الجهد الشعبي ضروريا لضمان حصول الأطفال في هذه المنطقة على التعليم المناسب، وعودتهم لمقاعد الدراسة.
على الرغم من الصعوبات المالية الشديدة التي يواجهها سكان بلدة عربين، فقد حشدوا جهودهم لإعادة تأهيل المدارس من أجل تعليم أطفالهم، حيث قال عبدالحليم يوسف، مدير التربية في ريف دمشق، إن “المجتمع المحلي في عربين كان شريكا لوزارة التربية في إعادة بناء هذه المدارس من أجل أطفالنا”.
وقال لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، بأنه “عندما يبدأ العام الدراسي، سيكون لدينا معلمون وكتب جاهزة، وستكون مدارسنا مليئة بالطلاب. وبصفتنا وزارة التربية والتعليم، فنحن مستعدون لتأمين جميع المتطلبات وفقا لقدراتنا بالشراكة مع المجتمع المحلي”.
الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب العقوبات تركت الأسر تكافح من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية للدراسة
ومن جانبه أوضح عماد الجمل، وهو مهندس يشرف على إعادة تأهيل مدرسة الفنون التطبيقية النسائية في عربين حاليا، مدى الجدية في عملهم لإنجاز ما هو مطلوب قائلا إن “بعض الأجزاء الأساسية من المدرسة ستكون جاهزة بحلول اليوم الأول من العام الدراسي الجديد، في حين أن الأجزاء الأكثر تضررا ستستغرق وقتا أطول لتكون جاهزة”.
ولم يخل العمل من التحديات، فقد أدت العقوبات والموارد المحدودة إلى تأخير بعض المشاريع، ما دفع المجتمعات المحلية إلى التدخل بطرق تتجاوز الإصلاحات البسيطة.
بدورها أوضحت راوة غبرة، مشرفة مجمع الغوطة التعليمي، أنه “في الغوطة الشرقية، كانت هناك 157 مدرسة قبل الأزمة. ولكن لدينا الآن 120 مدرسة عاملة، مع 38 مدرسة لا تزال خارج الخدمة”.
وقالت “سنعيد أربع مدارس، أعيد تأهيلها حديثًا، إلى الخدمة للعام الدراسي الجديد. وقد تم ترميم المدارس إما من قبل المجتمعات المحلية أو بمساعدة المنظمات الدولية”.
أما في مدينة عربين، التي لحق الدمار بعدد من مدارسها، فقد ذكر راتب شحرور رئيس مجلس المدينة أنه “منذ عام 2018، تم ترميم 14 مدرسة في عربين، معظمها بمساعدة المجتمع المحلي. لقد عانت المدينة من أضرار جسيمة في بنيتها التحتية ومنازلها وشوارعها، لكن الناس هنا أخذوا على عاتقهم إعادة البناء، وضمان عودة أطفالهم إلى المدرسة”.
وتمثل المبادرة المجتمعية في عربين جهدا كبيرا لإعادة بناء المجتمع بعد سنوات من الصراع مع كون المدارس حجر الزاوية في هذا التعافي. وبالنسبة للعائلات في هذه المدينة، فإن عودة أطفالهم إلى المدرسة تُمثل خطوة كبيرة نحو مستقبل أفضل.
فقد قالت أم بلال (50 عاما)، إن رؤية الناس يعملون جنبا إلى جنب لإعادة بناء المجتمع أشعلت الأمل في أن يكون هناك نور أخيرا بعد سنوات طويلة من الأزمة.
ذكرت أم بلال أنه “قبل بضع سنوات، كان المستقبل صورة قاتمة بالنسبة لي”، ولكنها أشارت إلى أن تشاؤمها ثبت الآن خطأه بعد ما شهدته من تضامن داخل مجتمعها وتصميمه على تحقيق مستقبل أفضل للأطفال.
ويصعب على فرحان عبدالصمد، وهو أب لستة أطفال اتخاذ قرار صعب بسحب خمسة من أطفاله من المدرسة، تاركا واحدا فقط لديه للحصول على فرصة التعليم.
وقال عبدالصمد، “إنهم يقومون الآن بأعمال بسيطة لكسب بعض المال”، وأضاف: “لدي طفل واحد فقط في المدرسة، ولكن حتى هذا أصبح أكثر من اللازم، أفكر في أن أطلب منه ترك المدرسة والبحث عن عمل، لأن راتبي لا يكفي لتغطية جميع نفقاتنا الحياتية”، معربا عن أسفه لوصول حالته المالية إلى هذا الحد السيئ وتأثيرها على أسرته.
ووضع عبدالصمد ليس فريدا في بلد مثل سوريا الذي انهكته الحرب، إذ تواجه غيداء نجم، وهي موظفة حكومية، وهي أم لأربعة أطفال، مصاعب وتحديات مماثلة مع بدء العام الدراسي الجديد حيث تقول: “لقد تركت الأزمة الاقتصادية السورية، التي تفاقمت بسبب العقوبات الغربية والأميركية، العديد من الأسر في البلاد تكافح من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية، ناهيك عن تحمل تكاليف التعليم”.
تشكو غيداء نجم، التي أنشأت جمعية خاصة مع أصدقائها، (وهي عبارة عن مجموعة من الأشخاص يقومون بدفع مبلغ ثابت من المال شهريا، ويأخذه كل شخص من المشتركين نهاية شهر، حتى انتهاء الأشخاص المشتركين بموجب قرعة)، للحصول على بعض المال، تشكو من أن “كل شيء باهظ الثمن”.
وأشارت غيداء نجم إلى أن دورها في الجمعية جاء مع بداية العام الدراسي لتتمكن من شراء اللوازم المدرسية لأطفالها.
وقالت: “بالكاد يكفي ذلك، إن تأمين الدفاتر والكتب والزي المدرسي هو أحد أكبر التحديات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية”.
وأعربت سمر حميدة، وهي ربة منزل سورية، عن إحباطها إزاء ارتفاع أسعار المواد الأساسية مثل الحقائب والزي المدرسي والكتب، وقالت: “نعتمد على السلع المستعملة لأننا لا نستطيع شراء كل شيء جديد كما كنا نفعل من قبل، والوضع الاقتصادي السيئ يؤثر على جودة التعليم”.
كما لاحظ غدير محمود، وهو طالب جامعي يعمل في متجر قرطاسية في دمشق، انخفاض القدرة الشرائية بين زبائنه ورداءة جودة المنتجات الموجودة الآن على الرفوف، ومع ارتفاع الأسعار، لم تشهد السلع عالية الجودة طلبا كبيرا.
وقال: “كل عام يضعف الطلب”، مضيفًا: “يختار الناس خيارات أرخص تخدم الغرض، بغض النظر عن الجودة”.