ما وراء انتصار تدمر: تمدد استراتيجي أم كسب لرضى الغرب

نجح النظام السوري في استعادة مدينة تدمر من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه في واقع الأمر يضع عينه على نصر من نوع آخر أكثر أهمية من مجرد استعادة المدينة الصحراوية، حتى ولو كانت مصنّفة على قائمة التراث العالمي. وهذا النصر استراتيجي وسياسي بالأساس، فتدمر ستفتح طريق الرقة واستعادتها لا تنفصل عن معركة استعادة مدينة الموصل العراقية وعما يجري في العراق عموما، خصوصا بالنسبة إلى الإيرانيين.
الثلاثاء 2016/03/29
حضارة مدنسة

دمشق - بعد ثلاثة أسابيع من المعارك الضارية، نجحت قوات النظام السوري، بدعم من الميليشيات المسلحة وغارات جوية روسية مكثفة، في استعادة السيطرة على مدينة تدمر الأثرية بعد أن انسحبت منها قوات النظام دون قتال لصالح تنظيم داعش في مايو 2015.

هذا الانتصار العسكري مناسبة ثمينة للنظام السوري ليوجه من خلاله رسالتين إلى المعارضة السورية وللغرب في آن معا، الأولى ينفي من خلالها انهيار مؤسسته العسكرية، ويؤكد على أنه ما يزال قادرا على المضي في الحل العسكري.

والرسالة الثانية تقول إن على الغرب الانفتاح عليه، لأنه الوحيد القادر على دحر تنظيم الدولة الإسلامية تماشيا مع “استراتيجيته الناجعة” التي تحدث عنها الرئيس بشار الأسد خلال استقباله لإعلاميين فرنسيين دعاهم إلى تلميع صورته في الغرب.

حاول النظام السوري التحدّث عن قدرة قواته ونجاعة استراتيجيته متناسيا أنه لولا الروس لما كان استطاع طرد أحد من أي مكان في سوريا.

من الواضح أن روسيا كانت قد قرّرت الانتصار في هذه المعركة، فوضعت كل ثقلها، وشارك سلاح الطيران الروسي بقوة استثنائية، وقصف ألف صاروخ على المدينة وحولها، كما زجت روسيا بأحدث دباباتها وآلياتها الثقيلة ومدافعها، وأشركت ضباطا بغرفة العمليات الميدانية (قُتل منهم واحد)، وسمحت لمقاتلين من لواء فاطميين الموالي لإيران ولمقاتلي ميليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات النظام الطائفية بالاشتراك.

تعتقد المعارضة السورية، وعلى نطاق واسع، أن ما جرى في تدمر تمثيلية، حيث يقول جبر الشوفي، عضو المجلس الوطني المعارض، “ليس موقع تدمر الإمدادي هو هدف النظام وروسيا، بل استعجالهما في لفت أنظار العالم إلى إنجازهما في محاربة الإرهاب، وذلك ما سيساعد في فك الحصار المفروض على النظام من قبل الغرب بالتوازي مع عقد مؤتمر جنيف”.

ويضيف الشوفي أنه “على العالم ألا ينسى كيف أخلى النظام تدمر لتنظيم الدولة الإسلامية حين أراد أن يضغط معنويا على الدول لإعادة اعتباره وتوظيفه”، أي أن إخراج التنظيم من تدمر، برأي النظام، دليل للغرب على أنه محارب يُعتمد عليه ضد الإرهاب ويجب إعادة الثقة فيه، وربما يستدعي ذلك التضحية بالعشرات من القتلى والجنود من الطرفين.

وتستدلّ المعارضة في هذا الطرح بأن أهالي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية خرجوا من تدمر دون أن يقصفهم الطيران الروسي، كما أن الطيران المروحي والحربي كان يُحلّق على ارتفاعات منخفضة جدا كان باستطاعة الأسلحة الخفيفة لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الوصول إليها لو أرادوا.

موريس سارتر: استعادة تدمر نبأ جيد ولكن
باريس - قال المؤرخ المتخصص في علم الآثار، موريس سارتر إن “استعادة مدينة تدمر نبأ جيد، لكن يبقى تقييم الأضرار”.

* ما هو تعليقكم على إعلان استعادة الجيش السوري لمدينة تدمر؟

- لا يمكننا إلا أن نشعر بالارتياح لرحيل مقاتلي داعش بما أننا كنا نتعامل مع مجموعة عنيفة جدا كانت تخطط للتدمير المنهجي للآثار. إنه نبأ جيد للسكان وللموقع الأثري. لا لبس حول ذلك حتى وإن كانت المدينة ستعود إلى أيدي نظام دكتاتوري آخر.

* ما الأمر الأكثر إلحاحا الآن؟

- أولا نحتاج إلى محصلة دقيقة عن أعمال التدمير التي حصلت. وبالطبع سيحّمل النظام السوري داعش المسؤولية كاملة، لكنّ قسما من عمليات التدمير لم يقم بها تنظيم الدولة الإسلامية. نعلم جيدا أن جيش بشار الأسد نهب تدمر قبل سيطرة التنظيم المتطرف عليها بوقت طويل. ما أخشاه هو أن يتم التركيز على التدمير الذي أصاب آثارا معروفة جدا، وهو بالطبع أمر في غاية الخطورة.

* كيف سيستفاد في المحصلة الكاملة من الأضرار التي أصابت تدمر؟

- علينا أن نرى ما يمكن استرجاعه وترميمه. ما دمر في غاية الأهمية. معبد بل، جوهرة الموقع، دمر، لكن يبدو أنه لم تلحق بالبهو مع أعمدته أضرار. أما معبد بعل شمين فقد دمر تدميرا تاما واختفت منه الأبراج الجنائزية الجديدة ولدي الانطباع بأنها تحولت إلى غبار.

رسائل وأهداف

وبعيدا عن هذه الرسائل المُفترضة، التي من الممكن أن تكون صحيحة، هناك ثلاثة تفسيرات أخرى لمعركة تدمر. يقول التفسير الأول، إن النظام يسعى إلى السيطرة على تدمر لأنه سيصبح نظريا مسيطرا على أكثر من نصف مساحة سوريا، على اعتبار أن تدمر تتبعها صحراء واسعة خالية من البشر.

والتفسير الثاني يقول إن تدمر ستُشكّل قاعدة ارتكاز لتوسيع العمليات العسكرية لقوات النظام نحو دير الزور، آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية عند الحدود العراقية شرقا، ونحو الرقة عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا.

أما التفسير الثالث، فيقول إن النظام يسعى إلى بلوغ الحدود العراقية بأي ثمن لأنه بوصوله إلى هناك سيسمح للإيرانيين المتواجدين في العراق بإيصال التعزيزات له.

وعمليا، لا يفيد هذا الانتصار العسكري المسار السياسي التوافقي لأن النظام سيعتبره دعوة إلى التشدد خلال المفاوضات والتقليل من أهمية الحل السياسي بل رفضه تماما، وفق ما سرّبت مصادر إعلامية تابعة لحزب الله اللبناني على لسان الأسد وأنكرتها الرئاسية السورية بطريقة غير مسبوقة، حيث لا ترد الرئاسة السورية عادة على مقالات وأخبار صحافية، وفسّر كثيرون نفي الرئاسة السورية بأنه جاء بضغط من موسكو.

استراتيجية قاصرة للمعارضة

من الممكن أن تلوم المعارضة السورية نفسها لأنها لم تعرف كيف تستغل الأوضاع هي وحلفاؤها لتحقيق انزياحات عسكرية لصالحها كما يفعل النظام السوري. لكن الخلافات من جهة ومحاباة جبهة النصرة من قبل بعض الإسلاميين من جهة ثانية أسهمت في إفشال هذا التوجّه، بينما يستغل النظام الهدنة لينقل قواته وميليشياته من الجبهات المقابلة للثوار والمفروض عليها هدنة لتحقيق انتصارات عسكرية على تنظيم الدولة وانتصارات سياسية على المعارضة السورية.

ويعتقد كثيرون أن الخطوة المقبلة بعد تدمر ستكون الرقة، لكن المعارض السوري سمير عيطة، مؤسس المنبر الديمقراطي، يرى أن ذلك أمر لن يتحقق، ويعتقد أن الدول الكبرى لن تسمح لطرف واحد بالانتصار لوحده في مثل هذه المعركة، سواء أكان هذا الطرف هو قوات النظام السوري أم القوات الكردية أو حتى المعارضة السورية المسلحة، لأن معركة الرقة برأيه أمر منوط بجهد مشترك لكل هذه القوى لإدارة مرحلة ما بعد داعش، وهنا يكمن جوهر العملية السياسية في جنيف.

لا يمكن النظر إلى معركة تدمر على أنها نقطة تحوّل في الموازين بين المعارضة السورية والنظام، فالمدينة أساسا لم تكن في أي يوم من الأيام بيد المعارضة، فقد تخلى عنها النظام لصالح داعش دون قتال، ليستفيد من التنظيم.

وتخشى المعارضة الآن من أن يكون انتصار تدمر قد تم التحضير له مسبقا للتسويق لصالح النظام وإظهاره في صورة الشريك في الحرب على الإرهاب، على أمل أن يقتنع الغرب بإعادة العلاقات معه، عندها فقط سيكون النظام السوري قد حقق نصرا أكبر بكثير من مجرد استعادة مدينة صحراوية.

7