ما لا نكتبه في الرواية

الزوائد السردية هي تلك التي لا ضرورة أو معنى لها لكنها تعيق من انسيابية السرد الذي يهدف إلى دراما مخطط لها بتشكيل قائم على الحرفنة والدقة.
الخميس 2018/11/01
النص يستقي من اللا أدبي جمالياته وفنياته (لوحة سمعان خوّام)

حتى ينتهي الكاتب من كتابة روايته الطويلة التي أمضى فيها أشهرا كثيرة وربما سنوات من المثابرة والجهد الشخصي، سيجد القارئ أن هناك ما لم يقله الروائي في روايته أو تجاوَزه أو عدّه هامشيا أو لم يلفت أنظاره إليه أو تناساه عمدا أم بغير عَمْد؛ ومثل هذا القارئ يمتاز بالقدرة على الدخول في التفاصيل والتضاعيف غير الممكنة وربما غير المهمة أحياناً، لكنها من وجهة نظر القارئ ممكنة ومهمة تفصح عن سلوكيات معينة للشخصيات قد لا تكون مرئية في بناء الرواية، ووجودها من عدمها قد لا يضير بالنسبة إلى الروائي غير أنّ هناك قارئاً يدقّق كثيراً ويسأل وربما يحاسب.

ثمة قارئ وهو يقرأ سرداً طويلاً ويتفاعل مع شخصيات كثيرة متفرعة من شجرة الرواية لكنه على المدار الزمني الذي تستحوذه الرواية لم يجد – مثلاً- أن رجلاً أو امرأة أو طفلاً قد دخل الحمّام في بيت الراحة وأفرغ معدته؛ ولم يجد أن شخصية روائية نظّفت باب بيتها أو كنست الصالة أو السطح أو الأدراج أو غسلت ملابسها، كما لا يجد مثل هذا القارئ التفصيلي أن شخصية روائية قامت بتشذيب شجيرات الحديقة أو سقتها أو تعاملت بالأزبال والنفايات ومجاري الصرف الصحي في حدود المكان الذي تعيشه في الرواية. أو أن شخصية روائية تمارس لعبة كرة القدم أو تشاهد فيلماً سينمائياً أو تذهب لزرق إبرة في العضلة، وكأن هذه التفاصيل غير موجودة في الحياة الاجتماعية، فلماذا لا يكتبها الروائي وهي جزء تفاعلي طبيعي مع اليوميات في مداراتها الرتيبة؟

هل السؤال صحيح؟

بخبرتنا السردية المتواضعة نقول إن السؤال صحيح وأيضا غير صحيح. والصحيح فيه أن هذه الجزئيات موجودة في الحياة فعلاً ولا يمكن إنكار الدورة البايولوجية اليومية في جسد الإنسان أو الفعاليات الأخرى في الحياة وهي هامشية ربما لا تقع عليها العين الروائية والأدبية أو تتجاوزها لعدم ضرورتها الفنية، لكن من غير الصحيح أن يدرج الكاتب كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة ويتعامل مع دورة الحياة اليومية بقوانين البايولوجيا الطبيعية أو قوانين الحياة اليومية الرتيبة، وهذا ما يسميه أحد النقاد بـ“اللا أدبي” الذي لا يخضع لـ“الأدبي” كليا ولا يوفر له غطاءً فنياً معقولاً أو يساهم في رسم الشخصيات، وبتقديري يُعد هذا من الزوائد السردية التي لا ضرورة أو معنى لها والتي تعيق كثيراً أو قليلاً من انسيابية السرد الذي يهدف إلى دراما مُخطط لها بتشكيل صوري قائم على الحرفنة والدقة، ومثل هذه الزوائد تقطع الصورة أو تضفي عليها شيئاً من التشوش وهي التي يحذرها الكثير من الكتّاب لما فيها من تضمين في غير موقعه؛ فالذي يحدث في الكتابة والذي لا يعرفه القارئ هو الخبرة.

والخبرة بمعناها الفني هي الخيال السردي الذي يرفع من مستوى الكتابة سرداً أو شعراً، وفي تشكيل الصور الدرامية في السرديات بشكل عام، تلك التي يتوخاها القارئ سيجد أن في فقرات البايولوجيا ما هو غير طبيعي أثناء تضمينه من دون معنى مهمّ يريد بالحالة الروائية أن تندفع إلى خيالها المرسوم بلا إعاقات جانبية وهامشية ترسم شيئاً من الثآليل والبثور التي تشوّه النص وانسيابيته.

وبالتالي فإنّ الاستغناء عنها أمر طبيعي، فاللا أدبي كهذه الهوامش كثير في الحياة اليومية ولا يدخل في تنمية السرد، لكنه ليس شيئاً سيئاً على أي حال، فالنص المفتوح غير المجنّس، الذي شاعت كتابته ودرج البعض على الاستفادة من هامشيته يستقي من هذا اللا أدبي جمالياته وفنياته عندما يحوله إلى نص آخر لا علاقة له بالرواية أو القص أو الشعر بل يبقى نصا مفتوحا فيه من الجماليات الشيء الكبير.

14