ما تفعله القهوة بالمحب

الخميس 2015/12/10

شيء واحد أحرص عليه في علاقتي بالرجل الذي أحب ولا أتخلى عنه أبدا، وهو أن نعد قهوة الصباح بأيدينا، نتداول على ذلك بالتناوب، ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع أعد له قهوته، وباقي الأيام يعد هو قهوتنا.

أحب أن أصنع قهوة الرجل الذي أحب بيدي. وأحب أن يصنع هو قهوتي بيده. المقادير ليست مهمة، ولا يجب أن نحفظها، فالقهوة ليست تمرينا حسابيا أو عملية تركيب مقادير على بعضها، نكررها بنفس الطريقة، بعينين مغمضتين وذهن شارد، وليست ممارسة يومية روتينية نقوم بها بلامبالاة، وبدافع العادة والإدمان وحده.

القهوة، كما أفهمها، هي نحن، مجموع المشاعر والأحاسيس والهواجس التي تنتابنا لحظة صنعها. وهي ليست المقادير، بل المسافة التي بينها والمصنوعة من القرب والبعد، من العلو والهبوط، من الفرح والحزن. هي تلك الذرة الصغيرة جدا، اللامرئية من روحنا، التي تجعل الحلو يبدو أحلى مما هو عليه، والدافئ بفعل الحرارة، دافئا بفعل الحب.

بمجرد أن أتذوق القهوة أحدد نوع الشحنة العاطفية التي تحوط بصانعها. أحيانا أقول: وأنا أيضا أحبك. أحيانا: ما هذا البرود اليوم؟ أو لماذا لم تنم جيدا؟ أو لا تقلق، كل شيء سيكون على ما يرام.

القهوة، مقياس للنبض، ولما يدور بداخلنا، حركة اليد، القدرة على التركيز، ضبط المقادير، درجة سخونة الحليب، تحريك السكر، السرعة التي تعد بها، كلها عوامل تتدخل في مذاق القهوة وتؤثر عليه. وبقليل من التركيز والشفافية، وتدريب النفس نستطيع أن نحدد “المود” التي صنعت بها القهوة. نفس التدريب والتركيز قادران على أن يجعل الواحد منا يفهم “مذاق” الثاني للدرجة التي يستطيع معها أن يمنحه ما يريد. ليس في ما يتعلق بالقهوة فحسب، بل في كل شيء.

القصد هو أن التفاصيل الصغيرة هي ما يصنع العلاقات، وأن علاقتنا بمن حولنا ليست في قوة أو ضعف الروابط التي تربطنا، وليست في “الأمور” الحياتية الكبيرة التي تشغلنا، بقدر ما هي في التفاصيل الصغيرة، وفي المسافات اللامرئية التي تمسك بطرف الأشياء فتحرك وتقرب وتبعد.

نحن غالبا لا ننتبه للتفاصيل الصغيرة، لكنها في واقع الأمر هي ما يصنع الفرق. العلاقة بين الأشخاص تدريب متواصل للنفس على فهم الآخر والاقتراب منه، مع الوقت سنعد له قهوته كما يريدها، ودون الحاجة إلى استعمال الملعقة لتحديد المقادير، ستصبح من يدنا الملعقة، ومن روحنا الحرارة ومن قلبنا السكر.

العلاقات بين الأزواج تحتاج هذا التمرين المستمر، والتركيز على التفاصيل الصغيرة، رغم مشاكل الحياة وتعقيداتها، ورغم ضيق الوقت وهموم العمل والأبناء، والمرض، والديون، والقلق، وفوضى المشاعر والذهن.

لا تحتاج القهوة لأكثر من خمس دقائق، لكنها ذلك المفتاح الذي به نفتح اليوم، ونستقبل الشمس، وهي أول ما نتذوقه في نهارنا، فلو حصلنا عليها من يد نحبها، يد أعدتها بعناية وحب، مشت بها من المطبخ إلى السرير، وقدمتها لنا، أليست تلك هي الحياة برمتها؟ ماذا نطلب من الحياة أكثر؟ ألا تلخص هذه الحركة، مجمل العمر؟. وما العمر إلا يد نحبها، تفتح أعيننا على نهار جديد، وتمنح حياتنا طعم المحبة كل صباح.

21