ما الذي تريده حماس في غزة ما بعد الحرب

الحركة تسعى للمحافظة على قدرة القتال دون تحمل عبء الحكم.
الاثنين 2024/05/13
حماس تسعى لاستنساخ نموذج حزب الله

تتبع حركة حماس في حرب غزة قواعد اللعب التي يتبعها حزب الله إلى أقصى حد فهي تسعى إلى البقاء على قيد الحياة وبعد ذلك تتبنى نموذج حزب الله في علاقتها بهيكل الحكم الذي سينشأ بعد الحرب، أي الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية مع الحفاظ على قوة مقاتلة مستقلة.

غزة - بعد سبعة أشهر من الحرب في غزة، تسبب الصراع بين إسرائيل وحماس في دمار لا يوصف لأكثر من مليونين من سكان غزة، كما أدى إلى تدمير مشروع حكم حماس في القطاع ما يطرح سؤالين أساسيين: ما هي أهداف حماس؟ وما هي إستراتيجيتها لتحقيقها؟

ومع هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر، سعت حماس إلى إعادة نفسها والقضية الفلسطينية إلى مركز الأجندة الدولية، حتى ولو كان ذلك يعني تدمير قسم كبير من غزة نفسها. وكان الهدف من الهجوم أيضا إحباط اتفاق تطبيع محتمل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية من شأنه أن يعزز المعتدلين الفلسطينيين ويهمش حماس.

ويقول ماثيو ليفيت، وهو زميل أقدم في فرومر – ويكسلر في تقرير نشره موقع فورغن أفار، إن لدى قادة حماس أهداف سياسية أيضا إذ يحاولون إعفاء أنفسهم من العبء الوحيد المتمثل في حكم قطاع غزة، الذي أصبح عائقا أمام تحقيق هدف المجموعة المتمثل في تدمير إسرائيل.

وكما أكدت المحادثات التي استضافتها الصين في أوائل شهر مايو بين مسؤولي حماس وفتح، فإن قيادة حماس تحاول أيضا إطلاق عملية مصالحة مع فتح والسلطة الفلسطينية، التي تسيطر عليها فتح، على الرغم من سنوات العداء الشرس بين المجموعتين، ما يخدم غرضا أعمق.

وفي سعيها إلى فرض بنية حكم جديدة على غزة وإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية على صورتها، تأمل حماس في فرض نموذج حزب الله على القطاع. ومثلها كمثل حزب الله، الحركة الشيعية المسلحة المدججة بالسلاح والمدعومة من إيران في لبنان، تريد حماس مستقبلا تكون فيه جزءا من أي بنية حكم فلسطينية قد تنشأ في غزة بعد ذلك.

وبهذه الطريقة، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان، تأمل في ممارسة الهيمنة السياسية والعسكرية في غزة وفي نهاية المطاف الضفة الغربية دون تحمل أي مسؤولية تأتي من الحكم وحده.

تغيير المعادلة

◙ ترتيب متوقع
◙ ترتيب متوقع 

منذ بداية خططها، توقعت حماس أن غزوها لجنوب إسرائيل من شأنه أن يجر إسرائيل إلى صراع أكبر، وهو الصراع الذي كانت تأمل أن ينضم إليه حزب الله وغيره من أعضاء “محور المقاومة” الإيراني بسرعة.

واحتفظت حماس بالتفاصيل الدقيقة لهجومها، بما في ذلك التاريخ الدقيق، لكن إيران وحزب الله كانا على علم بالمفهوم العام. كما خطط قادة حماس لاحتمال أن يحقق الهجوم المزيد، بما في ذلك السيناريو الذي يتم فيه ربط مقاتلي حماس المتمركزين في غزة مع المقاتلين في الضفة الغربية ومتابعة الهجوم الأولي من خلال استهداف المدن والقواعد العسكرية الإسرائيلية. ولتحقيق هذه الغاية، عندما انطلق مقاتلو حماس من غزة في السابع من أكتوبر، كان مسلحو حماس يحملون ما يكفي من الغذاء والعتاد لعدة أيام. وفي نهاية المطاف، عطلت القوات الإسرائيلية تلك الخطط.

ومن خلال تنظيم هذه الفوضى وإضفاء الإثارة عليها، سعت حماس إلى استفزاز إسرائيل ودفعها إلى غزو بري كبير لغزة. وكانت إحدى الركائز الأساسية لهذه الإستراتيجية هي بدء حرب من شأنها أن تتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا الفلسطينيين، كما أكد زعيم حماس السياسي في الدوحة إسماعيل هنية بصراحة في خطاب بالفيديو بعد أيام على السابع من أكتوبر “نحن من نحتاج إلى هذه الدماء، فتوقظ فينا الروح الثورية، فتوقظ فينا العزيمة، فتوقظ فينا روح التحدي والمضي قدما”.

◙ حماس تأمل في ممارسة الهيمنة السياسية والعسكرية في غزة دون تحمل أي مسؤولية تأتي من الحكم.
◙ حماس تأمل في ممارسة الهيمنة السياسية والعسكرية في غزة دون تحمل أي مسؤولية تأتي من الحكم.

ولم يكن من قبيل الصدفة أن تقوم حماس ببناء أكثر من 300 ميل من الأنفاق في غزة لحماية مقاتليها، ولكن ليس ملجأ واحدا لحماية المدنيين الفلسطينيين. وكانت حماس تعلم جيدا أن الرد الإسرائيلي سيؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين الفلسطينيين، وأنه سينهي أيضا مشروع حكم حماس في غزة، وهي المسؤولية التي كانت الجماعة حريصة على التخلي عنها.

وعلى الرغم من أن الهجوم استمر دون رادع لعدة ساعات، واستغرق الأمر من القوات الإسرائيلية أياما لإلقاء القبض على جميع المهاجمين أو قتلهم واستعادة السيطرة على الحدود، إلا أنه لم يحقق العديد من النتائج التي كانت حماس تتمنى تحقيقها. فمن ناحية، لم تشن إسرائيل على الفور حربا برية في غزة، حيث اعتقدت حماس أنها ستحقق ميزة كبيرة فيها بسبب شبكة أنفاقها. وبدلا من ذلك، استغرقت إسرائيل بضعة أسابيع للتخطيط لردها، الذي بدأ بهجوم جوي عقابي أعقبه بعد أسابيع هجوم جوي وبري مشترك يهدف إلى اقتلاع البنية التحتية العسكرية التي بنتها حماس داخل المجتمعات المدنية وتحتها.

كما أن حزب الله وغيره من أعضاء محور المقاومة لم يشنوا هجوما واسع النطاق على إسرائيل. وعندما نفذت إيران هجوما كبيرا في أبريل ردا على غارة إسرائيلية على كبار القادة الإيرانيين في سوريا، قامت الدفاعات الجوية الإسرائيلية وحلفاؤها إلى حد كبير بتحييد ما ثبت أنه عملية لمرة واحدة. وكان كل من حزب الله وإيران، أقوى حلفاء حماس، حريصين على الانضمام إلى القتال، ولكن لم يكن أي منهما يرغب في حرب واسعة النطاق.

وكانت الحرب بين إسرائيل وحماس مدمرة، لكنها لم تتسبب في إشعال حرب إقليمية تهدد بقاء إسرائيل، وحماس تقبل ذلك في الوقت الراهن. وبالنسبة إلى حماس، الصبر الإستراتيجي فضيلة. وعلى الرغم من أن المجموعة خططت لاحتمال تحقيق نجاح أكبر، إلا أن هدفها الأساسي كان بدء عملية أطول وأشد صرامة تؤدي إلى تدمير إسرائيل.

وللقيام بذلك، كان على حماس أن تخرج من تحت وطأة حكم قطاع غزة، الذي خلصت إلى أنه يقوض هجماتها على إسرائيل بدلا من تمكينها. وبعد تحررها من هذه المسؤولية، أصبح بوسع حماس الآن أن تتعهد “بتكرار هجوم السابع من أكتوبر، مرارا وتكرارا، إلى أن تتم إبادة إسرائيل”.

نموذج حزب الله

◙ شعبية على خطى حزب الله
◙ شعبية على خطى حزب الله 

مع استمرار الجدل حول إدارة القطاع بعد الحرب، بدأت حماس في إرساء الأساس للتصالح مع منظمة التحرير الفلسطينية والاستيلاء عليها في نهاية المطاف، وبالتالي ضمان كونها جزءا من أي هيكل حكم قد يظهر.

وقال القيادي في حركة حماس خليل الحية إن جماعته تريد تغيير المعادلة برمتها واعترف مؤخرا بهذه الخطة وطرح فكرة هدنة لمدة خمس سنوات مع إسرائيل أسوة بالهدنة التي كانت موجودة قبل حرب عام 1967 والتي تقوم على أساس حكومة فلسطينية موحدة تسيطر على الضفة الغربية وقطاع غزة.

والواقع أن منذ ديسمبر، كان كبار قادة حماس يجتمعون مع فصائل فتح التي تعارض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، لمناقشة مثل هذا التقارب. وفي الحادي والعشرين من أبريل، اقترح هنية صراحة إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل جميع الفصائل الفلسطينية.

وبالنسبة إلى حركة إسلامية متشددة طالما تبرأت من السلطة الفلسطينية الأكثر اعتدالا وعلمانية، فإن السعي إلى توحيد الجهود مع منظمة التحرير الفلسطينية قد يبدو مفاجئا. ولكن وراء اندفاعة حماس الأخيرة يكمن الهدف الإستراتيجي الأكثر أهمية المتمثل في محاكاة نموذج حزب الله.

◙ سكان غزة أنفسهم الذين أصبحوا يائسين من الحرب المدمرة، بدأ ينفد صبرهم تجاه الحركة وفشلها في اتخاذ خطوات لحمايتهم من الانتقام الإسرائيلي

وفي لبنان، يُعَد حزب الله اسميا جزءا من الدولة اللبنانية الضعيفة، مما يسمح له بالتأثير على السياسة ويكون له على الأقل بعض القول في توجيه الأموال الحكومية، ومع ذلك فهو يحافظ على استقلاليته الكاملة في إدارة جيشه القوي وفي قتال إسرائيل. وبموجب ترتيب جديد لغزة والضفة الغربية، تأمل حماس في ممارسة نفس النفوذ والاستقلال مع حركتها وميليشياتها الخاصة، التي لا تخضع لحكومة ولا تسيطر عليها.

على الرغم من إعلان حماس المتأخر في أوائل مايو أنها قد توافق على نسخة ما من صفقة الرهائن مقابل السجناء، فإن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن طالما ألقوا اللوم على قيادة حماس لإطالة أمد الحرب من خلال عدم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإلقاء السلاح ولكنهم ليسوا الأشخاص الوحيدين.

وهناك دلائل تشير إلى أن سكان غزة أنفسهم، الذين أصبحوا يائسين بشكل متزايد بعد ما يقرب من سبعة أشهر من الحرب المدمرة، بدأ ينفد صبرهم تجاه الحركة وفشلها في اتخاذ خطوات لحمايتهم من الانتقام الإسرائيلي الذي كانت حماس عازمة على استفزازه.

ومن المؤكد أن قادة حماس، الذين يختبئون في أنفاقهم تحت الأرض، يدركون أن المدنيين الذين تركوهم دون حماية فوق الأرض يتزايد غضبهم ضد الحركة، وهو ما قد يفسر النبرة الأكثر اعتدالا في بعض التصريحات التي أطلقها قادة الحركة مؤخرا. لكنهم يشعرون بالقلق من الموافقة على أي مبادلة للرهائن بالأسرى دون أن يصاحبها وقف كامل لإطلاق النار وإنقاذ ما تبقى من كتائب حماس في رفح.

وفي الواقع، من المرجح أن تؤدي أرقام استطلاعات الرأي الضعيفة فقط إلى التأكيد على أهمية تأمين منصب داخل أي هيكل حكم يأتي بعد ذلك، وهو هيكل لن تكون فيه حماس الحزب الوحيد الذي يحكم غزة، وبالتالي لن يكون الطرف الذي يتم إلقاء اللوم عليه عندما لا تسير الأمور على ما يرام. وتدرك حماس أنها بعد إطلاق سراح الرهائن المتبقين، فإن أفضل وسيلة ضغط لديها هي كادرها القتالي المتبقي.

 

اقرأ أيضا:

       • حرب تبحث عن مشروع سياسي

       • غزة تحت احتلالين

6