ماكرون يحاول طي ماضي فرنسا الأسود في رواندا

كيغالي- يسعى الرئيس إيمانويل ماكرون من خلال أول زيارة له إلى كيغالي لفتح صفحة جديدة مع رواندا، وطي الماضي الأسود لفرنسا المتهمة بتورطها في المذابح التي جرت إبان الحرب الأهلية في البلد الأفريقي قبل 27 عاما.
وتترقب الأوساط السياسية الرواندية وعدد من الجمعيات المحلية كيف ستؤول إليه العلاقات بين البلدين مستقبلا وخاصة إذا ما تم ربطها بتقديم اعتذار عن تلك الحقبة المأساوية من تاريخ رواندا.
وبالنسبة لباريس، فإن الهدف هو توجيه رسالة انفتاح شاملة للشباب الأفريقي الذي يصعب إقناعه بإرادة القوة الاستعمارية السابقة طي صفحة تلك الفترة.
ووصل ماكرون إلى رواندا الخميس ويحدوه أمل تطبيع العلاقات الثنائية التي يسممها منذ أكثر من ربع قرن الدور الذي لعبته بلاده في الإبادة الجماعية لقبيلة التوتسي في 1994.

بول كاغامي: لا يمكن طلب الاعتذار، بل يجب أن يكون تلقائيا وصادقا
ورافقت هذه الرحلة القصيرة إلى “أرض الألف تلة” أجواء يغلب عليها التفاؤل في باريس وكيغالي على حد سواء. وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن هذه الزيارة يفترض أن تكرس “المرحلة الأخيرة لتطبيع العلاقات”.
وكان الرئيس الفرنسي، الذي يتبع أسلوبا مغايرا عن الرؤساء السابقين، الأسبوع الماضي إنه سيكون “حريصا على كتابة صفحة جديدة” بين فرنسا ورواندا، وهما بلدان قال نظيره بول كاغامي، الذي زار باريس في 2018 إن “لديهما فرصة الآن لإقامة علاقة جيدة”.
واتجه ماكرون عقب وصوله مباشرة إلى النصب التذكاري للإبادة الجماعية الذي يقع في حي جيزوزي في العاصمة، ويضم رفات أكثر من 250 ألفًا من الضحايا.
وخلال هذه اللحظة “الاحتفالية الخاصة” ألقى ماكرون كلمة طال انتظارها موجهة خصوصا إلى “الناجين” من هذه الإبادة الجماعية التي سقط فيها 800 ألف قتيل معظمهم من أقلية التوتسي بين أبريل ويوليو 1994.
ورأى كاغامي في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية مؤخرا أنه “لا يمكن أن تأتي الاعتذارات بناء على طلب. يجب أن تكون صادقة. لا يمكنني لا أنا ولا أي شخص آخر أن يطلب اعتذارا”.
وذهب نيكولا ساركوزي آخر رئيس فرنسي زار كيغالي في العام 2010، إلى حد الاعتراف بـ”أخطاء جسيمة” و”نوع من التعامي” من قبل السلطات الفرنسية أدت إلى “عواقب مأساوية بالمطلق”. لكن على الرغم من هذه التصريحات، بقيت العلاقات بين كيغالي وباريس صعبة ومرت بمراحل من التوتر الشديد.
وعند وصوله إلى الرئاسة، أطلق ماكرون عملية التقارب لاسيما من خلال تطوير علاقات جيدة مع بول كاغامي الذي يقدم نفسه على أنه بطل أفريقي للبيئة والتكنولوجيا الرقمية.
وبعد انتخاب الرواندية لويز موشيكيوابو بدعم من باريس على رأس المنظمة الدولية للفرنكوفونية، قطعت مرحلة جديدة عبر تسليم تقرير في مارس الماضي أعد بإشراف المؤرخ فانسان دوكلير حول دور فرنسا في الإبادة الجماعية.
وخلص هذا التقرير إلى “المسؤوليات الجسيمة والمروعة” و”تعامي” الرئيس الاشتراكي حينذاك فرانسوا ميتران ومحيطه في مواجهة اندفاع حكومة الهوتو المدعومة من باريس، باتجاه العنصرية والإبادة الجماعية.
وقال كاغامي الذي قاد في 1994 تمرد التوتسي الذي أنهى الإبادة الجماعية “يمكنني أن أتحمل” هذه النتائج التي تستبعد “تواطؤ” فرنسا. ولتكريس التطبيع، يمكن أن يتفق الرئيسان على عودة سفير فرنسي إلى كيغالي حيث بقي هذا المنصب شاغرا منذ 2015.
ومن المحطات الأخرى في الزيارة افتتاح ماكرون “المركز الثقافي الفرنكوفوني” في كيغالي، وهي مؤسسة تهدف ليس فقط إلى تعزيز الثقافة الفرنسية بل جميع موارد الفرنكوفونية، ولاسيما الفنانين من المنطقة.