مارادونا.. يودع فصلا من تاريخ اللعبة في أبوظبي

أن يُحتفى بمارادونا في الأرجنتين أو في إيطاليا، فهذا أمر عادي ومتوقع، أما أن يقام له متحف في الإمارات العربية المتحدة، فهذا يؤشر على أن اللاعب الأرجنتيني تحول إلى مشترك إنساني ورمز من رموز كرة القدم وشاهد على مرحلة هامة من تاريخ اللعبة. اللاعب الأرجنتيني دييغو مارادونا اختار أن يكون متحفه على شكل مقهى في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، تعبيرا على أن كرة القدم تجاوزت اللعبة الشعبية إلى لعبة عالمية تروّج لثقافة وعلاقات إنسانية تتجاوز حدود الجغرافيا. أما دولة الإمارات العربية فقد كرّمت مارادونا باعتباره رمزا كرويا يشع داخل بلده وخارجه، واعترافا بأن مسيرته تقدم قصصا عن فترات تاريخية لا تمحى في كرة القدم.
الاثنين 2016/05/30
مارادونا فقرة من تاريخ إنساني رياضي

أبوظبي- فيما يتجه البعض من أبرز نجوم كرة القدم العالمية مثل البرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي بيليه إلى إنشاء متاحف تخلد ذكرياتهم ومسيرتهم الكروية ومقتنياتهم الثمينة، عمد أسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا إلى فكرة جديدة على شاكلة متحف سيخلد من خلاله ذكريات مسيرته الكروية الطويلة.

وحرص مارادونا على الابتعاد عن الأفكار التقليدية لمثل هذه المتاحف، وسعى إلى فكرة تجتذب عددا أكبر من الرواد والزائرين بشكل يومي، وذلك بإنشاء مقهى “دييغو كافيه” في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة التي يقيم فيها منذ سنوات.

وعلى عكس معظم نجوم الكرة الذين يحرصون على أن تكون متاحفهم في مسقط رأسهم، عبّر مارادونا مجددا عن عشقه للإمارات، الدولة العربية التي ارتبط بها منذ سنوات طويلة وأقام متحفه فيها على هيئة مقهى بأبوظبي. وفكرة المتحف طريفة لكونها جاءت على شاكلة مقهى يقصده الزوار من عشاق رياضة كرة القدم وغيرهم من الزوار العاديين، وهي أيضا مختلفة عن غيرها من الأفكار باعتبار أنها تجسّدت في متحف يؤرخ للاعب بسمات وملامح دولية في بلد عربي. كما أن هذه النوعية من المتاحف ليست فقط للاحتفاء بمؤسسيها وبسيرهم الذاتية، بل هي احتفاء بأبعاد أكبر تقيم الدليل أولا على أن كرة القدم لعبة لا تعترف بالمحلية وبالحدود الجغرافية، فهي رياضة تشع وتمتد لتشمل جميع المجتمعات على اختلاف ثقافاتها.

ويرتبط مارادونا بالرياضة الإماراتية منذ سنوات، حيث سبق له تدريب فريق الوصل أحد أبرز الفرق بالإمارات، كما تولى تدريب المنتخب الإماراتي قبل أن يكتفي في السنوات القليلة الماضية بدوره كسفير للرياضة الإماراتية.

وحظي مارادونا، الفائز مع منتخب بلاده بلقب كأس العالم 1986 بالمكسيك، بمسيرة كروية حافلة بالذكريات فاز خلالها بعدد من الألقاب على مستوى الأندية ومنتخب بلاده وكان أبرزها لقب المونديال المكسيكي.

وتتضارب الآراء في كل أنحاء العالم بين اختيار مارادونا أو بيليه، كأفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، حيث يرى كثيرون أن مارادونا هو الأحق باللقب رغم فوزه بلقب كأس العالم مرة واحدة، فيما فاز بها الأسطورة البرازيلي بيليه ثلاث مرات.

حقبة مارادونا والمحطات التي مر بها، تجاوزت اللعبة ذاتها لتنفتح على فضاءات تؤكد أن كرة القدم لغة تقرب الشعوب

وجرى التنسيق على فكرة هذا المتحف بين مارادونا وخميس الرميثي مدير مجموعة الرميثي بأبوظبي الذي افتتح المقهى مؤخرا بالقرب من كورنيش أبوظبي. وحضر الافتتاح السفير الأرجنتيني فيرناندو دي ماراتيني وفيحان الفايز سفير كولومبيا بالإمارات.

ويحتوي “دييغو كافيه” على العديد من الملامح الخاصة بالبيئة التي نشأ فيها مارادونا في بيونس آيرس بحي بوكا الشهير، كما يعرض صورا عن أهدافه التي سجلها على مدار مسيرته الكروية بخلاف عرض لأبرز الأحداث الرياضية الجديدة والمواجهات الكروية كنوع من الجذب للمشجعين والزائرين. والثابت أن “المتحف-المقهى” مختلف في معروضاته عن باقي المتاحف، سواء الخاصة بنجوم كرة القدم العالميين أو تلك المتاحف المعتادة والتي تعرض مقتنيات نادرة تاريخيا وباهظة الثمن لعراقتها وطول عمرها مثل معروضات المتاحف العالمية الكبرى في جميع أنحاء العالم.

وتقرر أن يكون أول حدث رياضي كبير يعرض في “دييغو كافيه”، هو النهائي المثير للاهتمام والمشوق بين فريقي ريال مدريد وأتليتكو مدريد على لقب دوري أبطال أوروبا السبت الماضي. وكان مارادونا قد رشح ريال للفوز باللقب قائلا “فرصة زيدان ستكون الأفضل للتتويج باللقب في ظل الخبرات الكبيرة المتواجدة في صفوف فريقه، وأتمنى شخصيا أن يفوز زيدان باللقب لحبي له”.

وعن فريق ريال مدريد قال مارادونا “هو الأفضل في الفترة الحالية، وهذا اللقب مهم للغاية للمدرب زين الدين زيدان. فريق ريال لديه إمكانيات عالية وهو قادر على التعامل مع الخبرة التي يمتلكها دييغو سيميوني مدرب أتليتكو مدريد.. ويبدو أنه الفريق الأكثر ثقة”.

وأكد مارادونا أن وجود فريقين من أسبانيا في النهائي الأوروبي لأكثر من مرة، يؤكد أفضلية الأندية الأسبانية، وهو ما يعد مؤشرا واضحا على قوتها وأنها الأفضل حاليا. وأوضح “في فترات سابقة كان المنتخب الأسباني هو الأفضل، ولكن مستوى المنتخب تراجع قليلا في الوقت الراهن”.

مارادونا سيظل رمزا رياضيا، وأن تتم تهيئة مكان بهذا الشكل باسمه، فهذا يؤكد حب الإماراتيين لهذه الموهبة النادرة

وقال الرميثي “تصميم دييغو كافيه جاء بنفس الطبيعة التي عاش وتربي فيها مارادونا، حيث يعتبر هذا المكان هو الأول من نوعه في الإمارات والذي يحكي الكثير من تاريخ مارادونا مع كرة القدم سواء من خلال الأندية التي لعب لها محترفا وكذلك المشاركة مع منتخب بلاده في الفوز بكأس العالم 1986”. وأضاف “حي لا بوكا هو المكان الذي يرتبط بحياة مارادونا، حيث انطلقت مسيرته وتألق في ما بعد مع ناديه بوكا جونيورز وكل ما في المكان يحكي تراث هذه المدينة الجميلة من خلال الألوان الزاهية. وجميع ما يتم تقديمه من مأكولات في المتحف هو من الدول التي لعب لأنديتها سواء في الأرجنتين أو إيطاليا أو أسبانيا”.

وأشار الرميثي إلى أنه “حتى التلفزيون المتواجد بالمكان، يعرض الأهداف التاريخية والرائعة لمارادونا، مع وجود عدد كبير من المباريات المهمة التي شارك فيها اللاعب على مدار تاريخه الطويل، وكل ما في المكان مستوحى من الحياة الخاصة للأسطورة الأرجنتيني. ومن ذلك حرصنا على أن يتزامن هذا الافتتاح مع العيد الوطني للأرجنتين”.

وعبر السفير الأرجنتيني عن سعادته بأن يكون المكان مرتبطا بهذا الشكل بحياة مارادونا والطبيعة الأرجنتينية قائلا “سيظل مارادونا علامة فارقة في حياة كل الأرجنتينيين، باعتباره رمزا رياضيا رائعا. وأن يتم تهيئة مكان بهذا الشكل والطبيعة باسمه، فهذا يؤكد حب الإماراتيين لهذه الموهبة النادرة”. وهذا المتحف في شكل مقهى للاعب أجنبي في دولة عربية، يثبت ما باتت تحظى به كرة القدم من مكانة كرياضة شعبية عالمية اكتسبت عبر إشعاعها العالمي أبعادا إنسانية جعلت مارادونا رمزا لحقبة تاريخية معينة في مجال كرة القدم، وهو يكتسي في الآن ذاته صبغة عصرية من حيث إقامته في شكل مقهى ومن خلال معروضاته الخاصة ببطل كروي انطلاقا من بلده والحي الذي نشأ فيه في دولة غير موطنه الأصلي.

وحقبة مارادونا والمحطات التي مر بها وتحولها إلى ذكريات جميلة، لم تعد ملكا لصاحبها، وتجاوزت في مداها اللعبة ذاتها لتنفتح على فضاءات تؤكد أن كرة القدم لغة تقرّب الشعوب وتسمح بتقاسم تاريخها وتاريخ رموزها.

12