ماذا ينتظر حركة الإصلاح الغرة في لبنان

الكثيرون يشعرون بالقلق من أن البرلمان القادم سيؤدي إلى تفاقم الشلل.
الجمعة 2022/05/27
التغيير مهمة معقدة وصعبة

بيروت – أعاد نجاح نشطاء المجتمع المدني غير المتوقع بعض الأمل بين اللبنانيين اليائسين بأن التغيير في بلدهم المريض أمر ممكن. لكن حركة الإصلاح الوليدة مجزأة وتواجه تحديات هائلة في محاربة النخبة الحاكمة الراسخة.

وأمضى رامي فينج عامين يتحدى الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي، وكان يحاول أحيانا تسلق الجدران الأسمنتية المحيطة بالبرلمان اللبناني خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة، لكنه سيتمكن من الدخول عبر الباب الأمامي قريبا، حيث كان طبيب الأسنان من مدينة طرابلس الشمالية من بين 13 وافدا جديدا مستقلا فازوا بمقاعد في البرلمان في انتخابات 15 مايو، بفضل حركة الاحتجاج التي تسعى إلى كسر الهيمنة الطويلة للأحزاب التقليدية.

ويشعر الكثيرون بالقلق من أن البرلمان القادم سيؤدي إلى تفاقم الاستقطاب والشلل، في وقت تتعامل فيه البلاد مع واحدة من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ. ويخشون الانقسامات بين النخب القديمة والقادمين الجدد، وكذلك بين مؤيدي جماعة حزب الله القوية ومعارضيها.

وقد تقدّم مرشحو الحركة الاحتجاجية التي تشكلت في أكتوبر 2019 عبر قوائم متنافسة، لكنهم يتشاركون الرأي القائل بأن قبضة أمراء الحرب في حقبة الحرب الأهلية والسلالات السياسية القائمة على الطائفية على السلطة منذ عقود، هي السبب الجذري وراء تفشي الفساد وسوء الإدارة ونقص الخدمات وغياب المساءلة التي دفعت البلاد إلى الخراب. لكنهم منقسمون حول كل شيء آخر تقريبا، من نهجهم لإصلاح الاقتصاد وإعادة هيكلة القطاع المصرفي المنهار، إلى وجهات نظرهم بشأن أسلحة حزب الله وما إذا كان ينبغي إعطاء الأولوية لنزع سلاح المجموعة المدعومة من إيران.

بلال صعب: وجود المستقلين في البرلمان بداية جيدة ينقصها التنظيم

ومع ذلك، فإن نجاحهم ليس بالأمر اليسير، وخاصة مع القانون الانتخابي المصمم لطبقة حاكمة تتمتع بسلطة هائلة تحت تصرفها. وكانت الانتخابات انتكاسة للتحالف الذي يقوده حزب الله، والذي خسر أغلبيته في البرلمان المؤلف من 128 مقعدا، رغم أنه لا يزال الكتلة الأكبر.

وقال فينج، البالغ من العمر 57 عاما، لوكالة أسوشيتد برس من منزله المتواضع في مدينة طرابلس الفقيرة بلبنان هذا الأسبوع، “هذا أول إنجاز للثورة، لأننا تمكنا من الدخول. وسنعمل من الداخل بكل قوتنا وشجاعتنا على تفكيك هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة، والتي من المتوقع أن تسقط عاجلا أم آجلا”.

وتعرض فينج، مثل زملائه في الحركة الاحتجاجية، لجميع أنواع الضغط والترهيب في العامين الماضيين. ويتذكر بفخر الاحتجاجات الكبيرة في طرابلس وبيروت التي ملأت الساحات بداية من أواخر 2019، عندما أطلقت الشرطة وابلا من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين، الذين حاولوا في الكثير من الأحيان تسلق الحواجز الأمنية العملاقة حول البرلمان. واستدعته قوات الأمن في فبراير 2021، واستجوبته بشأن مطبخ مؤقت أقامه في طرابلس لتوزيع الطعام على المتظاهرين والمحتاجين أسماه مطبخ الثورة.

وتشكّل المستقلون الذين فازوا بمقاعد من مجموعة متنوعة من الأطباء والأساتذة والمهنيين والنشطاء من جميع أنحاء لبنان ومن مختلف الطوائف الدينية. ومن بينهم فراس حمدان، وهو محام وناشط يبلغ من العمر 35 عاما، أصيب في صدره برصاصة مطاطية أطلقتها شرطة مجلس النواب خلال مظاهرة. وفاز جراح العيون إلياس جرادة بمقعد شغله سياسي موال لسوريا لمدة 30 عاما. وكانت أستاذة الكيمياء والناشطة البيئية نجاة عون واحدة من أربع نساء مستقلات فزن، مما رفع عدد النساء في البرلمان من ست إلى ثمان.

ويقول الوافدون الجدد إنهم يخططون لتشكيل كتلة موحدة لتعزيز نفوذهم في البرلمان، لكن ذلك لن يكون سهلا بالنظر إلى ما يواجهونه.

وكتب الزميل الأول والمدير المؤسس لبرنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط بلال صعب في تحليل، إن مجرد وجودهم في البرلمان هو بداية جيدة، لكن التحدي الآن هو تنظيم وتنفيذ البرنامج. و”من الواضح أن هذا سيكون صعبا للغاية بالنظر إلى القوة الكبيرة التي يتمتع بها حزب الله وحلفاؤه، وسيظهر السباق الرئاسي المقبل في أكتوبر التأثير المباشر لهذه الانتخابات البرلمانية”.

وسيكون الاختبار الأول في الاجتماع الأول للبرلمان، والمتوقع في الأيام المقبلة، عندما يتعيّن على المشرعين انتخاب رئيس مجلس النواب. وقد شغل نبيه بري البالغ من العمر 84 عاما هذا المنصب على مدار الثلاثين عاما الماضية، وهو يترشح مرة أخرى لولاية سابعة دون منازع حتى الآن. وينظر الكثيرون إلى الزعيم القوي لميليشيا أمل الشيعية على أنه الأب الروحي للنظام السياسي اللبناني الفاسد، القائم على الطائفية والذي تهيمن عليه النخبة.

وقال المستقلون وبعض الأحزاب المسيحية في البرلمان إنهم لن يصوتوا له، مخاطرين بإعادة انتخابه بأغلبية أقل بكثير من المعتاد من الأحزاب الشيعية. وتكهن البعض بأن بري قد يمتنع عن الدعوة إلى انعقاد الجلسة الافتتاحية التي يجب أن تعقد حسب الدستور قبل السادس من يونيو، إذا لم يكن متأكدا من العدد المطلوب من الأصوات التي سيحصل عليها.

الوافدون الجدد يقولون إنهم يخططون لتشكيل كتلة موحدة لتعزيز نفوذهم في البرلمان، لكن ذلك لن يكون سهلا

وقال المهندس إبراهيم منيمنة، البالغ من العمر 46 عاما، “بالنسبة لنا، من الواضح أننا لن ننتخب أي رمز للطبقة الحاكمة، بما في ذلك بري”. لكنه أقر بأنه لا يزال يتعين عليهم تطوير مسار عمل بديل واضح.

وسيكون الاختبار الأكبر هو تشكيل حكومة يمكنها كسب ثقة البرلمان بشأن القضايا الرئيسية، مثل خطة التعافي الاقتصادي والانتهاء من صفقة الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي واستئناف التحقيق المتوقّف في انفجار 2020 في ميناء بيروت، وكيفية التعامل مع محافظ البنك المركزي. ويجري التحقيق مع أكبر مصرفي محليا وفي عدة دول أوروبية بتهمة غسيل الأموال والاختلاس. وقد ظل في منصبه على الرغم من الانهيار المالي بدعم من الطبقة الحاكمة.

وسيتعين على البرلمان الجديد انتخاب رئيس جديد عندما تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون التي تبلغ ست سنوات في الحادي والثلاثين من أكتوبر، دون خلف واضح. ويخشى المحللون من أن عدم القدرة على الاتفاق على هذه النقاط سيؤدي إلى شلل طويل الأمد له عواقب اقتصادية واجتماعية كارثية.

ولم يكن ديفيد هيل، وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق للشؤون السياسية والسفير السابق لدى لبنان، متفائلا. وصرّح لمركز ويلسون بأن “الانتخابات اللبنانية لا تقدم إنقاذا”. وذكر أنه “من الصعب إدخال مستقلين انتقائيين في نظام يفضل قوائم الأسعار الثابتة، خاصة إذا لم يشكل المستقلون ائتلافا خاصا بهم”.

وقال منيمنة إن للأحزاب التقليدية العديد من الأدوات القوية التي يمكن من خلالها الضغط والعرقلة. واعتبر محاولة حشد الدعم في الشارع أقوى أداة يستخدمها المستقلون. وتابع “أعتقد أن هذا أصعب شيء اليوم، لأنه لا وجود لتوازن قوى بيننا وبينهم”.

7