ماذا ينتظرنا يا إلهي
توفيت فاطمة المرنيسي إذن، عالمة الاجتماع، والباحثة والناشطة الحقوقية في مجال المرأة، وقبلها في بداية هذا العام توفيت الجزائرية آسيا جبار، وبعد عمر طويل، سنفقد أيضا نوال السعداوي، والمصرية الأميركية ليلى أحمد (أيضا من مواليد 1940) وأمينة ودود. جيل كامل من الرائدات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل سواء عبر مؤلفاتهن الأدبية أو بحوثهن الفكرية أو أطروحاتهن الأكاديمية، وأنشطتهن.
هؤلاء النساء اللاتي يعتبرن امتدادا للمد الليبرالي في فترة العشرينات والأربعينات، من القرن الماضي والذي تواصل إلى حد الستينات بظهور قيادات سياسية مناصرة للمرأة مثل عبدالناصر في مصر وبورقيبة في تونس، شكلن جبهة نسوية وفكرية صلبة دفاعا عن وضع المرأة وحقوقها.
ولد هذا الجيل في فترة الاستعمار، ومع ظهور حركات التحرر الوطني الأولى، حيث كان ينظر لتحرر المرأة كجزء لا يتجزأ من تحرر الأوطان، وهي الفترة التي تم فيها التركيز على تعليم المرأة مع بوادر فجر الاستقلال كمطلب ملح وأساسي، وأوجدت المدونات التي وضعت الركائز الأولى لقوانين المرأة والطفل والأسرة، كمجلة الأحوال الشخصية في تونس التي صدرت سنة 1956 أي في نفس السنة التي حصلت فيها تونس على استقلالها.
فعل هذا الجيل ما استطاعه من أجل محاربة الفكر الذكوري المتفشي لقرون طويلة، فالنساء طرحن الأسئلة وناقشن الإشكالات المتعلقة بعلاقة المرأة بالرجل، وعلاقتها بنفسها. بعضهن انطلق من النص القرآني نفسه محاولا التدليل على القيمة التي أعطاها للمرأة، إيمانا منهن بضرورة ما تفرضه المرحلة من ليونة ومسايرة للحصول على المستحقات، بعضهن لم يكن له سقف أمام النص القرآني، وتعامل مع حقوق المرأة بوصفها حقا إنسانيا ومطلبا حضاريا بعيدا عن أي خطاب ديني، لكنهن على اختلاف زوايا نظرهن، أوجدن جدلا، وفكرا، وحركة فاعلة وقوية، ساهمت في انتشار الوعي بحقوق المرأة وأدت إلى ظهور الجمعيات والمنابر والمؤتمرات والمؤسسات التي حاولت أن تبني على فكرهن ومنهجهن أنشطتها ومطالبها.
هذا الجيل الذي حارب بكل جهوده، وإمكاناته من أجل وضع اللبنات الأولى لفكر نسوي، يختفي الآن، وتنفرط سبحته، فيما نحن على أهبة حقبة جديدة، تتميز بالتردي على جميع المستويات، فما الذي أعددناه للمستقبل؟
في الوقت الذي تختفي فيه رموز كبيرة وأسماء كرست حياتها وفكرها للدفاع عن المرأة واشتهرت في المنابر الدولية، وطافت العالم منظرة ومفسرة وطارحة لفكر بديل أكثر تفهما لمتطلبات المرحلة الراهنة، وعرفت العالم الغربي بالمرأة العربية وتاريخها وخصوصية ثقافتها، لا نرى بدائل تستطيع أن تقوم بهذا الدور في المستقبل. فأين ذهبت تنظيرات هذا الجيل؟ كيف لم يتمكن على مدى عقود طويلة من إيجاد قاعدة فكرية ومنهج في التعاطي مع حقوق المرأة.
يحدث هذا في الوقت الذي يسيطر فيه الفكر السلفي وتشهد الصراعات الدينية والطائفية صحوة جديدة، وفي الوقت الذي يتردى فيه التعليم في كافة المنطقة العربية تقريبا، وتتراجع فيه الحقوق، وتستشري فيه حركات التطرف معيدة للأذهان، أسواق الجواري والنخاسين، وتعدد الزوجات ومفاهيم العبودية والردة.
فماذا ينتظرنا يا إلهي؟