ماذا يعني اغتيال قيادي من فتح في غزة وفي الضفة

اغتيال القيادي في فتح خليل المقدح في لبنان يمكن أن يخرج فتح من مربع الحياد الحالي في الصراع ويقوي خيار مواجهة إسرائيل داخل أنصارها ويخلق مناخا لانتفاضة جديدة في الضفة، خاصة أن الوضع الحالي يضعف الحركة والسلطة الفلسطينية ويزيد من شعبية حماس.
لندن- يبدو اغتيال إسرائيل لمسؤول في حركة فتح عملية فريدة قد تدهور العلاقات التي تجمعها مع الحركة، ودفع بعض أعضائها إلى التطرف، وإضعاف اهتمامهم بالتعاون في حكم قطاع غزة. ولكن إذا كانت الضربة إشارة إلى بدء حملة اغتيالات أكبر ضد قياديي فتح، فستزيد من احتمالات اندلاع انتفاضة واسعة النطاق في الضفة الغربية.
وقال الجيش الإسرائيلي في 21 أغسطس إنه نفذ غارة جوية قتلت المسؤول في فتح خليل المقدح خلال نفس اليوم. واتهم الجيش والشاباك المقدح وشقيقه، المسؤول الكبير في حركة فتح، منير المقدح، بالتعاون مع إيران وحزب الله لتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية لمهاجمة إسرائيل.
وكان رد فعل فتح الأولي حاسما ولكنه لم يكن تصعيديا حتى الآن، حيث قال عضو في اللجنة المركزية إن إسرائيل تحاول إشعال حرب واسعة النطاق بالضربة، لكن المسؤول لم يهدد بأي رد محدد.
وتقبل فتح التي تحكم الضفة الغربية، وباعتبارها الطرف المسيطر على السلطة الفلسطينية، إسرائيل اسميا. وليست مشاركة في الحرب الحالية بين حماس وإسرائيل في غزة. لكن لبعض أعضاء الحركة صلات بكتائب شهداء الأقصى المحسوبة على الحركة. وواصلت المجموعة هجماتها العنيفة ضد إسرائيل منذ إنشائها خلال الانتفاضة الثانية قبل عقدين. وتعتقل إسرائيل أعضاء كتائب شهداء الأقصى أو تقتلهم عادة في الضفة الغربية. لكن العمليات التي تستهدفهم في لبنان تبقى نادرة.
وتتهم إسرائيل الأخوين المقدح بتأسيس علاقات مع إيران منذ سنوات، وتعتبرهما جزءا من الشبكة التي تهرب الأسلحة الإيرانية إلى الضفة الغربية لشن هجمات ضدها.
وانطلقت إسرائيل في حملة اغتيالات أكثر عدوانية ضد كبار النشطاء منذ بدء حرب غزة في أكتوبر الماضي، بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية في إيران يوم 31 يوليو الماضي والقائد البارز في حزب الله فؤاد شكر ببيروت في 30 يوليو.
وتبدو التحركات الأخيرة مندرجة ضمن عملية واحدة تهدف إلى اغتيال قيادي في حركة فتح تجمعه روابط بإيران، وليست حملة منسقة للتصعيد ضد الأعضاء المتشددين في السلطة السياسية الفلسطينية. وخليل المقدح أحد قادة كتائب شهداء الأقصى وعضو في حركة فتح.
ومع تكرر هجمات المسلحين الفلسطينيين وحماس على شمال إسرائيل، أصبح المقدح هدفا محتملا لحملة إسرائيلية في لبنان لاغتيال القادة المشاركين في الضربات التي تستهدفها. ولم تصدر أية تصريحات سياسية أو تسريبات إعلامية تشير إلى أن إسرائيل تستعد لخوض حملة عسكرية ضد حركة فتح، خاصة وأن تل أبيب تسعى إلى إقامة شراكة مع السلطة الفلسطينية للمساعدة في حكم غزة بمجرد انتهاء الحرب فيها.
ولا تدعم أغلبية الفصائل في حركة فتح (الموالية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) كتائب شهداء الأقصى. وتعتبر أعضاءها منافسين محتملين على السلطة في الحركة الفلسطينية. وتمكن هذه الفصائل نفسها القوات الإسرائيلية من العمل في الضفة الغربية بمقاومة أقل مما يحدث في غزة.
لكن اغتيال المقدح سيدهور العلاقات بين فتح وإسرائيل، ويخلق انقسامات داخل الحركة نفسها بين البراغماتيين والمسلحين، ويدفع بعض أعضائها للانضمام إلى كتائب شهداء الأقصى أو غيرها من الجماعات المسلحة، وهو ما يضعف في النهاية مصلحة فتح في المساعدة على حكم قطاع غزة بعد الحرب.
وستواصل فتح انتقاد إسرائيل علنا، وقد تقلل التعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي (مؤقتا على الأقل).
ويُذكر أن الحركة منقسمة بالفعل حول الحرب الإسرائيلية في غزة. لذلك من المرجح أن يصبح بعض أعضائها الساخطين أكثر انتقادا لقيادة الرئيس عباس وأكثر تشددا تجاه إسرائيل. وهذا ما سيصعّب على السلطة الفلسطينية التنسيق مع إسرائيل لوضع خطة محتملة لحكم غزة بمجرد انتهاء الحرب فيها، خاصة إذا أصبح أعضاء فتح يطالبون السلطة الفلسطينية بتقليص (أو قطع) العلاقات مع إسرائيل ردا على قتل المقدح.
◄ على إسرائيل التغلب على شكوك السلطة الفلسطينية وحركة فتح في أن دورهما في المساعدة على حكم القطاع بعد الحرب لن يقوّض مطالبتهما بالقيادة
ومن المرجح أن ينشق بعض أعضاء فتح ويلتزمون بدور أكبر في كتائب شهداء الأقصى أو غيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة مثل حماس، التي تحاول افتكاك الدور القيادي الذي تحظى به حركة فتح. وعززت هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر بالفعل شعبيتها في الضفة الغربية. وإذا تواصل نمو شعبيتها فقد تضطر فتح إلى تقديم تنازلات سياسية لها ضمن عملية المصالحة الجارية، ما قد يمنح حماس دورا قياديا أقوى في منظمة التحرير التي تهيمن على السلطة الفلسطينية.
وتحاول إسرائيل وضع خطة ما بعد الحرب لغزة تشمل السلطة الفلسطينية. ولكن عليها أولا التغلب على شكوك السلطة الفلسطينية وفتح في أن دورهما في المساعدة على حكم القطاع لن يقوّض مطالبتهما بالقيادة في الحركة الفلسطينية. وورد أن السلطة الفلسطينية رفضت بالفعل عرضا يخص إدارة معبر رفح الحدودي في غزة لأن إسرائيل لن تسمح برفع الأعلام الفلسطينية فيه.
وتجري المصالحة بين حماس وفتح، حيث تعهد الجانبان بالوحدة بعد انفصالهما الرسمي منذ ما يقرب من عقدين. لكن فتح كانت حذرة من الانخراط في هذه العملية بسرعة كبيرة، خشية أن تعزز مكانة حماس السياسية وتمنحها السيطرة على بعض الهيئات، مثل المجلس التشريعي، خاصة مع تنامي شعبيتها في الضفة الغربية إثر هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر.
وقد تختار إسرائيل شن المزيد من الضربات أو القيام باعتقالات لأعضاء فتح المتشددين في محاولة لإضعاف التشدد في الضفة الغربية نظرا إلى طبيعة الحكومة الإسرائيلية وتدهور الوضع الأمني في هذه المنطقة. وقد يدفع هذا المقاتلين المتحالفين مع فتح إلى التحالف مع حماس وحزب الله أيضا.
وربما تستنتج الحكومة الإسرائيلية، التي لا تزال تنتظر انتقاما من إيران وحزب الله إثر اغتيالها هنية في طهران وشكر في ضاحية بيروت الجنوبية في يوليو، أنها تستطيع الصمود أمام رد الفعل العنيف لحملة متصاعدة ضد كتائب شهداء الأقصى وأعضاء فتح إذا نتج عن هذه الحملة أيضا تعطيل الشبكات اللازمة لتوريد الأسلحة والتخطيط للمزيد من الهجمات في الضفة الغربية.
وقد تشن إسرائيل المزيد من الضربات على فتح إذا لم تلحق الهجمات الانتقامية التي تشنها إيران وحزب الله أضرارا كبيرة بإسرائيل و/أو لم تتصاعد إلى صراع إقليمي، حيث يمكن أن تستنتج تل أبيب أن تهديدات الجماعات المسلحة بالانتقام ليست خطرا كبيرا بما يكفي لردع المزيد من الاغتيالات. وقد تصعّد إسرائيل هجماتها لتستهدف الأعضاء المتشددين في حركة فتح إذا تدهورت الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية أكثر في حال استؤنفت الهجمات على إسرائيل، مثل التفجيرات الانتحارية التي يمكن تتبعها إلى الضفة الغربية. وبهذا قد يميل المقاتلون المرتبطون بفتح في لبنان إلى حماس وحزب الله، بعدما كانوا يتنافسون معهما على النفوذ في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وحاول انتحاري يُزعم أنه مدعوم من حماس، وقيل إنه من الضفة الغربية، استهداف تل أبيب في عملية فاشلة في 18 أغسطس الجاري. وتلت محاولة التفجير تهديدات من حماس بتوسيع نطاق هجماتها ضد إسرائيل من الضفة الغربية.
ولم يردع وابل الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة الإيرانية في أبريل 2024 (أسفرت عن مقتل مدني إسرائيلي واحد فقط وبعض الأضرار الطفيفة في قاعدة جوية عسكرية) إسرائيل عن ضرب إسماعيل هنية في طهران يوم 31 يوليو خلال فترة حساسة سياسيا (تنصيب الرئيس الإيراني الجديد).
وإذا شنت إسرائيل حملة مستمرة ضد أعضاء حركة فتح، فسيزيد ذلك من فرص انضمام أجزاء من الحركة إلى انتفاضة رسمية في الضفة الغربية، حيث يتزايد احتمال حدوثها في خضم عدم الاستقرار المتنامي في القطاع. وقد تكسر حملة إسرائيلية متواصلة حركة فتح، ما يجعلها قوة مدنية وشرطة غير فعالة، وغير قادرة على التعاون مع إسرائيل في المسائل الأمنية في الضفة الغربية.
وقد تشعل هذه الظروف انتفاضة رسمية أخرى في الضفة الغربية يقودها مقاتلون مثل كتائب شهداء الأقصى وحماس. ويرتفع هذا الخطر بالفعل مع تنظيم إسرائيل هجمات عدوانية أكثر من قبل ومع استمرار مهاجمة المستوطنين الإسرائيليين للفلسطينيين وإفلاتهم من العقاب.
وإذا انطلقت مثل هذه الانتفاضة بحملة إسرائيلية جارية ضد مقاتلي فتح، فمن المرجح أن ينضم جزء كبير من أعضاء الحركة إلى التمرد، حتى لو عارضت السلطة الفلسطينية هذا التحرك رسميا. ومن المرجح أن يحد انشقاق أعضاء فتح من قدرات قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. كما ستتدهور الظروف الأمنية في الضفة الغربية، مثلما حدث خلال الانتفاضة الثانية (2000 – 2005) التي شهدت حملة تفجيرات انتحارية مستمرة في إسرائيل، وهجمات على المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، وخسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي في المنطقة.
وينتشر حوالي 15 ألفا من أفراد الشرطة وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. ولكن الكثير منهم قد ينضمون إلى هجمات المتشددين على إسرائيل إذا أصبح قادتهم هدفا لحملات الاغتيال الإسرائيلية.
وبينما ستتطلب الأزمة الأمنية في الضفة الغربية نشر المزيد من القوات، إلا أنه يبقى من المرجح أن يعتمد الجيش الإسرائيلي على جنود الاحتياط وقوات الشرطة والكتائب المناسبة للعمليات في المدن ومكافحة الإرهاب بدلا من الألوية القتالية في الخطوط الأمامية اللازمة للصراعات المستمرة مع حماس في غزة ومع حزب الله في لبنان. لكن من المرجح أن تستنزف هذه الأزمة إرادة الحكومة الإسرائيلية السياسية للتصعيد إلى جبهة جديدة في لبنان.