ماذا وراء الوثوق التركي من اقتراب حسم الحرب ضد حزب العمال الكردستاني في العراق

أنقرة تستند في حربها ضد الحزب المسلح المعارض لنظامها على حالة من الوفاق بشأن وجوب إنهاء أنشطة الحزب على أراضي العراق مع أطراف داخلية عراقية.

الأربعاء 2024/03/06
الجيش التركي لن يكون في نزهة.. مقاتلون شرسون في انتظاره

أربيل (العراق) - تثير لهجة الخطاب السياسي التركي شديد الوثوق بقرب تحقيق النصر النهائي في الحرب ضدّ مقاتلي حزب العمّال الكردستاني المنتشرين في بعض مناطق الشمال العراقي تساؤلات المراقبين بشأن ما استجدّ في ملف الحرب الدائرة منذ أربعة عقود وجعل تركيا تعلن الاقتراب من حسمها بعد أن عجزت طوال تلك الفترة، وعلى الرغم مما سخّرته من إمكانيات لجهدها الحربي خلالها.

ويعتقد مراقبون أنّ أنقرة باتت تستند في حربها ضدّ الحزب المسلّح المعارض لنظامها على حالة من الوفاق بشأن وجوب إنهاء أنشطة الحزب على أراضي العراق مع أطراف داخلية عراقية، لتسهيل مسار التعاون الاقتصادي المتنامي بين بغداد وأنقرة، ولتمهيد الطريق أمام تجاوز الخلافات بشأن ملف المياه الشائك.

ويقول هؤلاء إن علامات ظهرت على ذلك في الخطاب الرسمي للحكومة العراقية وكذلك لجهات فاعلة في حكومة إقليم كردستان العراق، وتحديدا قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الأكثر امتعاضا من وجود عناصر حزب العمّال في مناطق الإقليم، على أساس أنهم يشكلون عامل عدم استقرار في تلك المناطق.

لكن السؤال يظل مطروحا بشأن المدى الذي يمكن أن يصل إليه التعاون بين أنقرة وبغداد وأربيل في ملف حزب العمال الكردستاني، وإمكانية أن يصل حدّ تورّط القوات العراقية والكردية في مواجهة مباشرة مع مقاتلي الحزب.

رجب طيب أردوغان: أوشكنا على استكمال الطوق الذي يؤمن حدودنا مع العراق
رجب طيب أردوغان: أوشكنا على استكمال الطوق الذي يؤمن حدودنا مع العراق

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنّ بلاده أوشكت على استكمال تأمين حدودها مع العراق. وأكّد في كلمة له عقب ترؤسه اجتماعا للحكومة الاستمرار في “مكافحة الإرهاب بكل تصميم بغضّ النظر عن العقبات التي تعترضها سواء داخل تركيا أو خارجها”، مضيفا قوله “أوشكنا على إتمام الطوق الذي سيؤمّن حدودنا مع العراق، وخلال الصيف القادم سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم”، وذلك في إشارة إلى الحرب المستمرة ضد مسلحي حزب العمّال الكردستاني.

كما جدّد تصميم بلاده على المضي في إنشاء حزام أمني بعمق ثلاثين إلى أربعين كيلومترا على الحدود مع سوريا، محذّرا الجميع في المنطقة من أنهم سيكونون بعدم تعاونهم مع هذه الإستراتيجية الأمنية “سببا في التوترات التي ستنشأ”.

وأعلن أنّ لدى بلاده “تحضيرات ستجلب كوابيس جديدة لأولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم تركيع تركيا عبر إقامة كيان إرهابي على حدودها”. وجاء حديث أردوغان عن “تحضيرات” ليدعم ما تداولته أوساط إعلامية مؤخّرا بشأن وجود استعدادات تركية لشنّ حملة عسكرية على مواقع تمركز عناصر حزب العمال الكردستاني في العراق هي الأوسع على الإطلاق منذ بداية الحرب التركية ضدّ الحزب.

وتمّ الاستناد في ذلك على وعيد أطلقه أردوغان نفسه قبل أسابيع عندما أعلن أنّ بلاده ستعزز قواعدها الثابتة التي أقامتها في شمال العراق، مؤكّدا قوله “بحلول الربيع سنكون قد أكملنا البنية التحتية لقواعدنا التي أنشأناها حديثا في شمال العراق وسنجعل الإرهابيين غير قادرين على وضع أقدامهم في المنطقة”.

وشملت الاستعدادات التركية لما سمته وسائل إعلام “هجوم الربيع الكاسح” إجراء اتّصالات سياسية وأمنية مكثّفة مع الجانب العراقي حيث زار كلّ من وزير الدفاع التركي يشار أوغلو ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن العراق، بينما استقبلت أنقرة كلاّ من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في زيارتين متتاليتين.

وأصبح الوفاق بين كبار قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الطرف الرئيسي في قيادة الحكومة المحلية لإقليم كردستان العراق، والحكومة التركية بشأن مواجهة حزب العمال الكردستاني بمثابة تحصيل حاصل نظرا للمصالح المتشابكة بين الحزب وأنقرة.

إلاّ أنّ الجديد هو نبرة التفهّم التي تبديها الحكومة الاتّحادية العراقية لحرب تركيا ضد الحزب، وذلك على الرغم مما تصدره بغداد من إدانات شكلية للتدخّل العسكري التركي في الأراضي العراقية والذي اتّسع نطاقه الجغرافي وتدرّج من مجرّد شن العمليات العسكرية الخاطفة والقصف بالمدفعية والطيران إلى إقامة قواعد عسكرية تركية ثابتة في مناطق الشمال العراقي وربط تلك القواعد بالأراضي التركية عبر شبكة من الطرق.

◙ مراقبون لا يستبعدون أن يشكل المشروع الاقتصادي أرضية لتوافق عراقي - تركي حول حسم ملف تمركز مقاتلي حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية

واعتبر وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أنّ حزب العمال الكردستاني لا يمثّل مشكلة لتركيا فحسب، بل لبغداد أيضا. وقال في حديث لوكالة الأناضول التركية إنّ الدستور العراقي ينص على عدم السماح لأي جماعة أو تنظيم بمهاجمة دول أخرى من الأراضي العراقية. وعرض الوزير في تصريحاته لمشروع طريق التنمية الذي سيتم إنجازه بشراكة عراقية – تركية ليمتد من ميناء الفاو في البصرة وينتهي عند الحدود التركية.

وليس من الصدفة أن يتلازم الحديث عن موضوع حزب العمال الكردستاني مع المشروع المذكور، ذلك أنّ أنقرة تتعمّد الربط بين الموضوعين على أساس أنّ إقامة هذا المشروع الحيوي الذي يحرص العراق على إنجازه في سياق محاولته تنشيط عمليته التنموية الراكدة وتخفيف الارتهان لعوائد النفط، يمر حتما عبر تطهير المناطق التي سيعبر منها الطريق بشكل كامل من أي وجود مسلح لحزب العمّال.

وقبل أيام قال أردوغان إنّ طريق التنمية مهم لدول المنطقة وخاصة العراق وتركيا، وجاء ذلك خلال لقاء عقده مع رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في مدينة أنطاليا التركية وناقشا فيه موضوع مكافحة الإرهاب، حيث شدّد الرئيس التركي على “أهمية العمل وفق مفهوم الكفاح المشترك” ضد تنظيمات حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردي "بالنسبة إلى السلام والاستقرار".

ولا يستبعد مراقبون أن يشكّل المشروع الاقتصادي أرضية لتوافق عراقي - تركي حول حسم ملف تمركز مقاتلي حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية، إلا أنّ انخراطا عراقيا مباشرا في الحرب ضد الحزب لا يخلو، بحسب هؤلاء، من محاذير.

ويقول جبار ياور، الأمين العام السابق لقوات البيشمركة، جيش إقليم كردستان العراق، إنّ أنقرة تنوي استخدام البيشمركة في حربها ضد حزب العمال لتجنّب وقوع خسائر كبيرة في صفوف قوّاتّها. ويحذّر من أنّ المسعى التركي ينطوي على خطر إعادة إشعال الصراع بين الأشقاء الأكراد وضدّ بعضهم البعض.

3