ماذا في جعبة ترامب بدل حل الدولتين

على مدى عقود، كانت فكرة إنشاء دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، تمثل دعامة مساعي السلام في الشرق الأوسط، رغم أن آخر مفاوضات بوساطة أميركية انهارت في 2014، لكن في تحول محتمل لموقف الولايات المتحدة، قال مسؤول كبير بالبيت الأبيض إن السلام لا يجب بالضرورة أن يتضمن دولة فلسطينية وإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يحاول “إملاء” حل، وهو ما أكد عليه الرئيس الأميركي بقوله إن حل الدولتين ليس الحل الوحيد لقضية السلام في الشرق الأوسط.
الخميس 2017/02/16
التحدث بصوت واحد

واشنطن - لا تقلّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، جدلا وصخبا، عن الزيارة التاريخية التي أداها سنة 2015 وألقى خلالها خطابا في الكونغرس، تحدى من خلاله الرئيس باراك أوباما على خلفية التقارب مع إيران.

في زيارة 2015، كان الجدل مثارا حول الطريقة التي تحدث بها نتنياهو مع الرئيس الأميركي في عقر داره، أما في زيارة 2017، وهي الأولى بين المسؤول الإسرائيلي والرئيس الأميركي، فإن الجدل مرده ما قيل بشأن تخلي واشنطن عن حل الدولتين.

عشية اللقاء بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، اتخذ البيت الأبيض موقفا يتعارض مع الثوابت التي التزمت بها الإدارات الأميركية المختلفة من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مع الإعلان أنه لم يعد متمسكا بحل الدولتين قبل لقاء بين دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن واشنطن “لن تسعى بعد اليوم إلى إملاء شروط أي اتفاق لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين بل ستدعم أي اتفاق يتوصل إليه الطرفان، أيا يكن هذا الاتفاق”.

وخلال المؤتمر الصحافي المشترك في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أشاد دونالد ترامب بالعلاقات "المنيعة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال إن الولايات المتحدة ستدعم السلام ولكن سيكون على الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) تقديم التنازلات لتحقيقه وعليهما أن يقررا كيف يفعلان ذلك، مشيرا إلى أن مبادرة السلام الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تتضمن الكثير من الدول.

ورغم أن ترامب لم يعلن بعد عن موقف واضح من النزاع، إلا أنه عبر بعد تنصيبه في العشرين من يناير، عن مواقف تتعارض مع مواقف كل أسلافه بقوله إنه يفكر “بكل جدية” بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ورفض اعتبار الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عائقا أمام السلام، في مواقف دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى وصفه بأنه فرصة “رائعة” بالنسبة إلى إسرائيل.

وسيتعين على نتنياهو، الذي سبق أن نجح في إحباط عملية سلام «أوسلو» عام 1996، وتقويض خطة أوباما لاستئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية في عام 2011، ويتحدى اليوم قرار وقف بناء المستوطنات الأراضي الفلسطينية الذي مرره مجلس الأمن الدولي الجمعة 23 ديسمبر 2016 بأغلبية ساحقة، أن يتحقق من مدى استعداد فوز “صديقه” ترامب فعليا لتنفيذ وعوده، في حين لا تزال سياسته الشرق أوسطية غير واضحة.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يمانع في حل الدولتين أو دولة واحدة طالما يوافق عليها الفلسطينيون والإسرائيليون

لدى مغادرته إسرائيل، أكد نتنياهو أن “التحالف مع الولايات المتحدة كان على الدوام قويا جدا” وأنه “سيزداد قوة”، مشيرا إلى أنه سيبلغ ترامب بموقفه المتشدد إزاء إيران، ومعارضته للاتفاق النووي الموقع في 2015 بين طهران والدول الكبرى والذي اعتبره ترامب نفسه “كارثيا” وتوعد “بتمزيقه”. ولم يخيب ترامب ظن "صديقه"، حين قال إن إسرائيل تواجه تحديات "أمنية ضخمة، منها التهديد الذي تشكله الطموحات النووية الإيرانية".

وأضف أن "الاتفاق النووي الإيراني هو من أسوأ الاتفاقات التي رأيت. وإدراتي فرضت أصلا عقوبات جديدة على إيران وسأقوم بالمزيد لمنع إيران من أن تطور سلاحا نوويا".

ورغم أن الكثير من المراقبين رأوا ضرورة عدم البناء على هذه التصريحات والانتظار إلى أن تصبح فعلا قرارا رسميا من الإدارة الأميركية، إلا أن البعض رأى أنها قد تكون بداية لموقف جديد لكل المهتمين بالملف الفلسطيني، خاصة وأن القرارات الأخيرة للإدارة الجديدة اتسمت بالارتباك وبالمفاجآت غير المتوقعة في الكثير من القضايا.

ورد الفلسطينيون بحدة على موقف البيت الأبيض. وندد صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حديث للصحافيين، بـ”محاولات حثيثة وواضحة من الإسرائيليين لدفن حل الدولتين وإلغاء فكرة إقامة دولة فلسطين وفق حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية من خلال الامتلاءات وتوسيع الاستيطان”. واعتبر عريقات أن “البديل الوحيد لحل الدولتين هو دولة ديمقراطية واحدة وحقوق متساوية للجميع، للمسيحيين والمسلمين واليهود”.

واعتبر فوزي برهوم، الناطق باسم حماس، أن الموقف الأميركي “تأكيد على أن ما يسمى بعملية السلام هو وهم (…)يحتاج إلى إعادة تقييم كل المسار السياسي للقضية الفلسطينية”، وهو ما يؤكد عليه خبراء ومتابعون مشيرين إلى قضية السلام في الشرق الأوسط بقيت تراوح مكانها منذ تجميد المفاوضات قبل ثلاث سنوات، في وضع المستفيد الوحيد منه هو الإسرائيليون.

أبعاد حل الدولتين في أقدم صراعات الشرق الأوسط
رام الله - تمثل إقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل، الحل المرجعي الذي اعتمده المجتمع الدولي لحل أحد أقدم النزاعات في العالم.

وتقوم رؤية حل الدولتين، أي وجود دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تتعايشان جنبا إلى جنب بسلام، على إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في 1967، تم حينها رسم الخط الأخضر الذي يحدد الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بها عاصمة لدولتهم.

وفي عام 1988، أصدر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إعلان الاستقلال الذي تحدث فيه لأول مرة عن دولتين لشعبين، معترفا بذلك بدولة إسرائيل وبسيادتها على 78 بالمئة من فلسطين التاريخية.

ويحظى الاعتراف بتأييد منظمة التحرير الفلسطينية التي تضم كافة الفصائل والأحزاب الفلسطينية ما عدا حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. وتعارض حركة حماس التي لا تعترف بإسرائيل حل الدولتين وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على كامل أراضي فلسطين التاريخية.

وتبنت الأمم المتحدة منذ عام 1947 قرارا بتقسيم فلسطين مذيلا بخرائط تحدد حدود الدولتين في حين شكلت القدس كيانا ثالثا تحت إشراف دولي، ورفض القادة العرب هذا المقترح، كما نصت اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 على قيام دولة فلسطينية بحلول عام 1999.

وقدمت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط والتي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في 30 أبريل 2003 خارطة طريق تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول 2005، مقابل إنهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية.

وأكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي أن هناك “توافقا عاما” على حل الدولتين للتوصل إلى السلام، فالأمم المتحدة التي منحت دولة فلسطين وضع العضو المراقب أيدت هذا الحل الذي يشكل المبدأ الأساسي للحل الذي يدعو إليه الاتحاد الأوروبي.

وفي نهاية ديسمبر 2016، قال وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري إنه “الطريق الوحيد الممكن” من أجل السلام.

وتستند مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتي تقترح إقامة دولة فلسطينية مقابل إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل كذلك، إلى هذا الحل.

وفي 14 يونيو 2009، وبعد أن فشلت مفاوضات السلام مجددا، ألقى بنيامين نتنياهو خطابه في بار إيلان وأيد لأول مرة علناً فكرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

وبعد ست سنوات من ذلك التصريح وخلال الحملة الانتخابية، قال نتنياهو إن “الواقع تغير”.

ويترأس حاليا ائتلافاً حكومياً يهيمن عليه اليمين القومي المتشدد ودعاة توسيع الاستيطان المنادين بضم الضفة الغربية المحتلة.

ويشترط نتنياهو لقيام دولة فلسطينية اعتراف الفلسطينيين بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل وهو ما يرفضونه.

وتفيد استطلاعات الرأي الحديثة تراجع التأييد لحل الدولتين كحل للنزاع في أوساط الفلسطينيين والإسرائيليين على السواء. ففي نهاية سبتمبر الماضي أبدى 50 بالمئة من الفلسطينيين معارضتهم له كما عارضه 41 بالمئة من الإسرائيليين.

ويؤيد البعض، وأغلبيتهم في إسرائيل، إقامة دولة واحدة، ثنائية القومية، يتساوى فيها الفلسطينيون والإسرائيليون أمام القانون، ولا يقدم هذا الخيار حلا للمسألة الديموغرافية ولا اختيار رئيس من هذه المجموعة أو تلك

ويشكل العرب، وهم أحفاد الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم بعد قيام إسرائيل، 17,5 بالمئة من سكان إسرائيل، ويؤكدون معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية ويعانون من التمييز في الوظائف والسكن بشكل خاص.

اختراق ثوابت التسوية

حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من التخلي عن فكرة حل الدولتين لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقال إنه لا يوجد “حل بديل”.

وقال جوتيريش أثناء زيارة إلى مصر “لا يوجد حل بديل بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوى حل إنشاء دولتين. ويجب أن نقوم بكل ما يمكن القيام به للحفاظ على هذا الحل“.

ويعتبر المراقبون أن التخلي عن حل الدولتين فكرة غير قابلة للتنفيذ لأنها ستعرض مصداقية الوسيط الأميركي في عملية التسوية للانهيار، وستؤدي إلى صدام مع دول بحجم روسيا والاتحاد الأوروبي، اللذين يتبنيان مسألة حل الدولتين كأساس لعملية التسوية في الشرق الأوسط.

واعتبر اللواء محمد عبدالمقصود، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الحديث عن تخلي واشنطن عن حل الدولتين كأساس لعملية التسوية في الشرق الأوسط، أمر صعب ويصل إلى درجة المستحيل، لأن حل الدولتين هو من الثوابت في القضية الفلسطينية منذ اتفاقات أوسلو ومدريد.

وقرأ عبدالمقصود تصريحات المسؤول الأميركي، في سياق الدعاية الإسرائيلية. وشدد على أن ترامب لا يزال في مرحلة استطلاع منطقة الشرق الأوسط، وأن لقاءه نتنياهو ومن قبله العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، يأتي في سياق جمع الرئيس الأميركي أكبر قدر ممكن من المعلومات حول ملف الشرق الأوسط ليستطيع التعامل معه خصوصا الملف الفلسطيني.

وأكد عبدالعليم محمد، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لـ”العرب” أن قرارا بهذا الحجم سيؤدي إلى صدام بين واشنطن والمجتمع الدولي، خصوصا أن الكثير من دول العالم مثل فرنسا والسويد وإسبانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والكثير من المنظمات الدولية مثل اليونسكو وغيرها اعترفت بالدولة الفلسطينية، وليس من العقلانية أن يدخل ترامب في صراع مع هذه الدول، لا سيما وأن علاقته بروسيا أيضا أصبحت بمثابة صداع في رأسه، على خلفية الاتصالات مع موسكو التي أطاحت بأحد أعمدته في البيت الأبيض مايكل فيلين، بالإضافة إلى علاقته بمصر والعالم العربي ستصبح مهددة.

وشدد على أن الدول العربية، لديها أساليب وطرق كثيرة للضغط، ومنها اللجوء إلى المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ذات الصفة القانونية مثل الأمم المتحدة وغيرها، وستكون مهمتها هذه المرة أسهل لأن الدعم الدولي سيكون كبيرًا، لكنه نبه إلى أن خطورة مثل هذا القرار، تكمن في الشعب الفلسطيني نفسه، الذي سيكون لهذا القرار تأثيراته السلبية على معنوياته، ومن المحتمل اللجوء إلى انتفاضة جديدة ستكون شرارتها قوية هذه المرة.

غير أن عضو مجلس النواب المصري، سمير غطاس لم يستبعد إقدام الإدارة الأميركية على مثل هذه الخطوة، ورأى أن العرب لم تعد لديهم القدرة في التأثير، وأن الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي تحكمهما المصالح في علاقتهما بالولايات المتحدة الأميركية، وأن السياسة الاستيطانية التي تتبعها إسرائيل تتم من خلال ضوء أخضر أميركي.

وذهب، في تصريحات لـ”العرب”، إلى أن حل الدولتين أصبح من الماضي، نتيجة للسياسة الاستيطانية التي غيرت شكل ومعالم الأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فرصة لإجبار إسرائيل وترامب على التراجع عن هذه السياسات، بإعلانه دولة واحدة ثنائية القومية.

حل الدولتين ليس الخيار الوحيد

رأى متابعون أن الرؤية الجديدة، إذا أصبحت هي بالفعل ما سوف تتبناه إدارة ترامب، ستكون لها تأثيرات على العديد من الحكومات العربية التي راهنت دائما على الإدارة الأميركية، حيث تمثلت الرؤية العربية في أن السلام بالمنطقة لن يتحقق إلا من خلال دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، من ثم فسوف يمثل هذا الموقف الأميركي الجديد إعادة لكل المعادلات التي بنت عليها تلك الأنظمة تصورها.

وقال هؤلاء إن الشارع العربي سوف يتوجه لقياداته بسؤال عن طبيعة الحل البديل الذي يريده ترامب، وعلى أي أرض بالضبط سيقيم الفلسطينيون دولتهم، وما موقف وما تأثير كل ذلك على بقية الملفات العربية التي تعد القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ منها.

لكن، سواء كانت التصريحات الأميركية بشأن حل الدولتين بالون اختبار أو موقفا جديدا للإدارة الأميركية، فإن هذه التصريحات ليست مخطئة تماما، وأن حل الدولتين ليس الخيار الوحيد لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

ويقول روبرت ساتلوف، المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إنه في الوقت الحالي “لا تتوافر شروط للتوصل إلى حل للسلام نظرا إلى الهوة الهائلة بين الطرفين”، مشيرا إلى أن على واشنطن أن تتبع سياسة الخطوة خطوة بين إسرائيل والفلسطينيين بدلا من “الدفع باتجاه استئناف المفاوضات الثنائية سعيا إلى حل شامل”، فيما يقول خبراء آخرون إنه على الفلسطينيين المضي قدما في سياق إيجاد مخارج دولية جديدة وتقديم قضية السلام في الشرق الأوسط بخطاب جديد ومعاصر يكسر الجمود الذي دخلت فيه القضية منذ سنوات.

7