ماذا أعد المغرب لمواجهة تحويل روسيا الغذاء إلى سلاح سياسي

تعويض نقص الأسمدة: المغرب يظهر أهميته كشريك للغرب وأفريقيا.
الخميس 2022/06/16
الاستثمار في الأسمدة.. سياسة زراعية حكيمة

أظهر استثمار المغرب في بناء مصانع الأسمدة في أفريقيا بعد نظر استراتيجي ملحوظ، فمع تفاقم أزمة الغذاء المدفوعة بالحرب الروسية على أوكرانيا بات المغرب مستعدا لمواجهة خطط روسيا لتحويل الغذاء إلى سلاح سياسي واقترب من أن يصبح البنك المركزي لإمدادات الأسمدة في العالم وحارس الإمدادات الغذائية في العالم.

واشنطن - انفتحت جبهة جديدة حاسمة على الجناح الجنوبي لأوروبا مع أزمة الغذاء في أفريقيا بعد 100 يوم من الحرب في أوكرانيا على جانب القارة الشرقي. واتهمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين موسكو بتسليح المجاعة واستخدامها ضد أفريقيا.

وتتعرض أوروبا لضغوط الآن لمنع أزمة الهجرة الجماعية إلى شواطئها الجنوبية من شمال أفريقيا لهذا السبب. وهي تواجه بالفعل تقدم موسكو غربا في أوكرانيا.

ويقول البروفيسور ميشيل تانتشوم، في تقرير لمعهد الشرق الأوسط  “نظرا لأن أوروبا تواجه حرب استنزاف جيو – اقتصادية مع روسيا، فإن خطة المغرب لزيادة إنتاج الأسمدة بنسبة 70 في المائة تقريبا تغيّر المعادلة الاستراتيجية من خلال مواجهة قدرة موسكو على تسليح العلاقة بين الغذاء والطاقة. وبذلك، أظهر المغرب أهميته المتزايدة كشريك جيوسياسي لأوروبا والولايات المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء”.

ميشيل تانتشوم: المغرب يمكن أن يصبح حارس الإمدادات الغذائية في العالم

وعندما غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير 2022، فجر قنبلة داخل النظام الاقتصادي العالمي. حيث أدى نقص السلع الناتج عن تعطل الحرب لسلاسل التوريد إلى ارتفاع أسعار الاستهلاك في جميع أنحاء العالم. وكان التأثير الفوري محسوسا في سلاسل إنتاج الغذاء، لاسيما في الدول الأفريقية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي على حدود أوروبا الجنوبية. لكن الشاغل الفوري للاتحاد الأوروبي المنهك بالفعل في دعم أوكرانيا المحاصرة هو أن الهجرة بسبب الجوع من أفريقيا يمكن أن تكون أكبر مما يستطيع التكتل التعامل معه.

وليست روسيا مسؤولة عن أزمة الغذاء العالمية. حيث كانت المعضلة منتشرة طوال سنة 2021. ففي مطلع يونيو 2021 وصل تضخم الغذاء بالفعل إلى نفس المستوى الذي كان عليه الصعود الفوري المتزامن مع انتفاضات الربيع العربي سنة 2011 التي هزت شمال أفريقيا. وفي ذلك الوقت، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى إبقاء الناس في الشوارع وهم يصرخون “الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية” إلى أن سقطت الأنظمة القديمة في تونس ومصر وليبيا في تتابع سريع.

وخلال الأشهر الستة الأخيرة من 2021، استمر ارتفاع تضخم الغذاء فوق مستويات الربيع العربي. وفي الربع الثالث من 2021 بلغ سعر القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز 271 دولارا للطن، أي أنه سجّل زيادة قدرها 22 في المئة عن 2020. وارتفع السعر في الربع الأخير من سنة 2021 إلى أبعد من ذلك. واعتبارا من الثالث من مارس 2022، أي بعد أسبوع واحد فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، وصل السعر إلى ما يقرب من 389 دولارا للطن. وضغطت موسكو ببساطة على النقاط الضعيفة في نظام غذائي عالمي هش بالفعل. وبدأ هذا النظام في الانهيار بسبب ضعفه.

وكانت حالة الأمن الغذائي متدهورة بالفعل في أفريقيا، حيث أن 21 في المئة من سكانها يعانون الجوع الشديد. وحذر تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لسنة 2021 حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم من أن هناك ما يقدر بنحو 282 مليون شخص يعانون من نقص التغذية في أفريقيا، أي ما يعادل 85 في المئة من إجمالي سكان الولايات المتحدة. وفي حين أن روسيا ربما تكون صبّت البنزين على نيران أزمة الغذاء، إلا أنها لم تشعلها.

المغرب في المواجهة

Thumbnail

تبدأ مرونة النظم الغذائية بالأسمدة، وهي أساس العلاقة بين الغذاء والطاقة. وخلقت الأسمدة الحديثة الزيادات الهائلة في المحاصيل التي دفعت إلى الازدهار السكاني في العالم على مدار المئة عام الماضية، حيث قفز من حوالي 1.8 مليار إلى 7.9 مليار نسمة حاليا. ونظرا لأن روسيا هي أكبر مصدر للأسمدة في العالم، فإن الأسمدة تمثل إحدى أكبر نقاط الضعف لأوروبا وأفريقيا. وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي الـ27 نفسها على روسيا في 30 في المئة من إمداداتها من الأسمدة.

وتتضخم مكانة روسيا المتميزة من خلال وضعها كثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، لأن الغاز هو مكون رئيسي للأسمدة القائمة على النيتروجين. ويتم توصيل النيتروجين، وهو عنصر غذائي كبير تتطلبه النباتات للنمو، عن طريق الأسمدة مثل مركبات النيتروجين والهيدروجين الأمونيا واليوريا. ويأتي الهيدروجين من الغاز الطبيعي الذي يمثل سعره 80 في المئة من التكلفة المتغيرة للأسمدة.

وكانت أسعار الغاز الطبيعي ترتفع بشكل حاد حتى قبل الحرب في أوكرانيا. واعتبارا من أكتوبر 2021، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 400 في المئة منذ يناير من ذلك العام. وشهد ارتفاع الأسعار ارتفاع تكلفة الأمونيا إلى ألف دولار للطن في نوفمبر 2021 مقارنة بـ110 دولارات في وقت سابق من العام. وبذلك، ارتفع سعر الأسمدة الأكثر شيوعا إلى أعلى مستوى له منذ 10 سنوات.

وأدت الحرب الروسية – الأوكرانية إلى ارتفاع الأسعار، مما حول الأسمدة إلى أزمة وجودية للأمن الغذائي العالمي. وفرضت أكبر دولتين مصدرتين للأسمدة في العالم، روسيا والصين، اللتين تشكلان مجتمعتين 28.4 في المئة من الصادرات العالمية، قيودا على تصدير الأسمدة. وبعد أسبوعين من الغزو الروسي لأوكرانيا، خفضت شركة الأسمدة الأوروبية العملاقة في أوروبا، يارا، إنتاج الأمونيا في مصانعها الإيطالية والفرنسية بأكثر من النصف بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بينما أغلق المنتجون الآخرون في أوروبا أبوابهم بالكامل.

خطة المغرب لزيادة إنتاج الأسمدة تغير المعادلة الاستراتيجية من خلال مواجهة قدرة موسكو على تسليح العلاقة بين الغذاء والطاقة

وفي حين ستسجل أزمة إمدادات الأسمدة ارتفاعا حادا في أسعار المواد الغذائية على رفوف السوبر ماركت الأوروبية في خريف 2022، فإن نقص الإمدادات قد يتسبب في كارثة لأفريقيا. ففي 2006 بلغ متوسط ​​استخدام الأسمدة في أفريقيا 8 كغ للهكتار، أي 10 في المئة من المتوسط ​​العالمي، مما دفع الاتحاد الأفريقي إلى تبني هدف رفع متوسط ​​استخدام الأسمدة إلى 50 كيلوغراما للهكتار. وتشير التقديرات المتفائلة إلى أن متوسط ​​استخدام الأسمدة في أفريقيا مؤخرا يبلغ 19 كيلوغراما فقط للهكتار.

وبسبب نقص الإمدادات المتاحة بأسعار معقولة أو حتى المتاحة، قلل المزارعون الأفارقة من استخدامهم للأسمدة في الزراعة هذا العام ولم يعتمدها البعض. وقد يؤدي ضعف المحاصيل المحلية وارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى دفع الملايين من الأفارقة إلى المجاعة وإلى الهجرة بسبب المجاعة.

ومن جهة أخرى، يعدّ المغرب رابع أكبر مصدر للأسمدة في العالم، بعد روسيا والصين وكندا. ففي السابع عشر من مايو 2022 أعلنت شركة الأسمدة المغربية العملاقة، مكتب الشريف للفوسفاط، أنها ستزيد إنتاجها من الأسمدة لعام 2022 بنسبة 10 في المئة، مما يضع 1.2 مليون طن إضافية في السوق العالمية بحلول نهاية العام.

ويعكس الرقم قدرة مكتب الشريف للفوسفاط على إنشاء خط إنتاج بطاقة مليون طن في ستة أشهر. وصرح المدير المالي للمكتب أن الشركة تخطط لزيادة طاقتها الإنتاجية بين عامي 2023 و2026 بمقدار 7 ملايين طن إضافية، أو 58 في المئة عن مستويات الإنتاج الحالية. ويكمن قرار تجاري ذكي من مكتب الشريف للفوسفاط في زيادة حصته في السوق العالمية، فمن شأن زيادة مستويات إنتاج الشركة أن تتصدى لقدرة روسيا على استغلال الأسمدة مع نقص الغذاء.

ويؤكد البروفيسور تانتشوم وهو زميل غير مقيم في برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط، أنه يلعب دورا مماثلا تقريبا لدور المملكة العربية السعودية في سوق النفط العالمي، يمكن أن يصبح المغرب هو البنك المركزي لسوق الأسمدة العالمي وحارس الإمدادات الغذائية في العالم.

دور استراتيجي متنام

Thumbnail

يشير دور المغرب في مواجهة تسليح أزمة الغذاء إلى الدور الاستراتيجي المتزايد للمملكة في الأمن الغذائي لأفريقيا جنوب الصحراء. فقد افتتح مكتب الشريف للفوسفاط فروعا في 12 دولة أفريقية منذ 2016، وأنشأ مرافق خلط محلية لمعايرة الأسمدة على وجه التحديد لتربة كل بلد أفريقي وتمكين المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة من المشاركة بشكل أفضل وأكثر ربحية في سلاسل القيمة الزراعية.

ونتيجة لذلك، قفز محصول الدخن في السنغال بنسبة 63 في المئة ومحصول الذرة في نيجيريا بنسبة 48 في المئة، مع نتائج مماثلة في غانا وأماكن أخرى. وشهدت مشاركة مكتب الشريف للفوسفاط في إثيوبيا زيادة في محاصيل القمح والذرة بنسبة تصل إلى 37 في المئة.

ويعمل المكتب على بناء مصانع الأسمدة في أفريقيا جنوب الصحراء كمشاريع مشتركة مع أصحاب المصلحة المحليين. وفي نيجيريا، التي تقع على أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في القارة، قرر مكتب الشريف للفوسفاط وشركاؤه النيجيريون بناء مصنع للأمونيا والأسمدة بقيمة 1.4 مليار دولار بهدف مضاعفة كمية الأسمدة التي يستخدمها المزارعون النيجيريون ثلاث مرات في غضون خمس سنوات. ويستثمر 1.3 مليار دولار لبناء مجمع أسمدة صناعي في غانا، باستخدام الغاز الطبيعي الغاني وخدمة أسواق غرب أفريقيا. وبالنسبة إلى أسواق شرق أفريقيا، يشيّد مكتب الشريف للفوسفاط ثاني أكبر مجمع لإنتاج الأسمدة في أفريقيا في إثيوبيا، كمشروع مشترك وباستخدام موارد الغاز المحلية. ويتوقع أن توفر المرحلة الأولى من التطوير البالغة 2.4 مليار دولار لسوق الأسمدة الإثيوبي في عام 2023.

7