المعارضة السورية معنية بملاحظة هذا التغير المهم الذي يسحب البساط من تحت أقدام النظام، واستثماره عبر تقاطعها مع هذا الموقف الدولي لترسيخه وتطويره، بدلا من البقاء في مجرد الحديث عن الانتقال السياسي أولا.

لن تخسر المعارضة السورية شيئا مع عدم حضورها مؤتمر سوتشي، الذي يتم التحضير له بحيث يكون مجرد مهرجان للخطابة والتصفيق أو مسرحية عبثية، لا معنى ولا جدوى منها.

الولايات المتحدة تبعث برسالة إلى الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، لا سيما روسيا وإيران وتركيا، تفيد بأنه لم يعد من المقبول تفردها بتقرير مصير سوريا وتقاسم النفوذ فيها، وأن مرحلة توكيلها بإدارة الصراع قد انتهت.

التحدي الباقي أمام الفلسطينيين، وأمام قيادتهم، يتعلق أساسا بإعادة بناء كياناتهم السياسية، على أسس جديدة، وإعادة الاعتبار لحركتهم الوطنية باعتبارها حركة تحرر وطني ضد الاستعمار والعنصرية، بعد أن غرقت في وضعيتها كسلطة.

السلطة الفلسطينية اتكأت في تمويلها لموازنتها وتغطية رواتب موظفيها (في القطاعين الخدمي والأمني) على الدعم المالي من الدول الراعية الداعمة لعملية "السلام"، التي تقدم حوالي بليوني دولار سنويا.

لم ينتبه ترامب إلى أن عظمة أميركا أو مكانتها في العالم، تتأتى أساسا من التزاماتها الدولية، ومن نمط القيم التي تتبناها، وأن الانسحاب من كل ذلك سيعزلها ويقلل من قدرتها على فرض أجنداتها.

لا تستطيع المعارضة السورية، أو لا تملك ترف، الانسحاب من العملية التفاوضية، على الرغم من تحولها إلى مجرد مشهد مسرحي، لأن هذه العملية مفروضة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية والعربية.

قرار ترامب لن يغير من مجريات الصراع على القدس، ولن يفت من عضد الفلسطينيين في نضالهم من أجل حقوقهم، لكنه يبين الأوهام التي وضعتها القيادة الفلسطينية على عملية التسوية وعلى المراهنة على الدور الأميركي.

عملية المفاوضات كانت مجرد عملية صورية، وتعبير عن إرادة دولية، وهذا ينطبق على مسار جنيف التفاوضي، في حين أن العملية التفاوضية في مسار أستانة كانت محصورة بالدول الثلاث فقط، أي روسيا وإيران وتركيا.

لدى المعارضة السورية الكثير مما ينبغي عليها عمله لتعزيز مكانتها إزاء شعبها وإزاء العالم، ويأتي في مقدمة ذلك، أولا، استنهاض وضعها وتشكيل ذاتها في كيان سياسي جامع، على شكل جبهة وطنية.

المتغير البارز في هذا الموضوع بات يتمثل في إعلان الجميع أن الحرب على داعش كانت بمثابة حجة للتدخل في سوريا، وفي تطوير الولايات المتحدة لموقفها بقولها إنها لن تخرج من سوريا دون حل سياسي.

القوى الدولية الفاعلة، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، مازالت تشتغل وفق معادلة مفادها الحفاظ على نوع من التوازن بين النظام والمعارضة، وفرض حل سياسي معين عليهما دون وجود منتصر أو منهزم.

المعارضة السورية لم تنتج كيانا سياسيا يحظى بثقة السوريين والتفافهم حوله، بعد الضياع الذي عاشت فيه نتيجة تصدر بعض القوى لها، ذات الطابع الديني والطائفي، على حساب القوى ذات الطابع الوطني والديمقراطي.

نحن إزاء لحظة جديدة في السياسة الأميركية في المنطقة قوامها تحجيم نفوذ إيران الإقليمي، التي باتت أحد أهم محركات الاضطراب في منطقة الشرق الأوسط.